دليل التسويق للمصالح الصغيرة والمبتدئين
المشاريع التجارية، بمختلف أنواعها، بحاجة مستمرة للزبائن لكي تستمر وإحدى أهم القنوات الحديثة لضمان ذلك هي حملات التسويق الرقمي. يتوجه إليّ كثيرون من أصحاب المشاريع الناشئة شاكين عدم جدوى، أو عدم نجاح، الحملات التسويقية مع "مسوقين" مختلفين. سأحاول في هذا الدليل إلقاء الضوء على بعض النقاط الهامّة في مجال التسويق والتخطيط والتي قد توفر عليك بعض العناء.
انكشف مجتمعنا على الانترنت والعالم الرقمي بشكل كبير مع دخول الأجهزة المحمولة الذكية إلى حياتنا، حيث أتاحت هذه الأجهزة للجمهور الواسع إمكانية الإبحار في الإنترنت بأسعار في متناول اليد، ثم إمكانية الوصول لاحقاً إلى مختلف منتجاتها الرقمية، مثل منصات الإعلام الاجتماعي، ومؤخرًا انضمت المصالح الصغيرة والمتوسطة في مجتمعنا على وجه التحديد إلى موجة التسويق الرقمي، وخاصة مع ازدياد عدد مديري الحملات الرقمية ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي.
هذا الدليل عبارة عن ملاحظات بسيطة تلفت نظر أصحاب المشاريع إلى بعض الخطوات التي تفوتهم في أغلب الأحيان وتكلفهم الكثير من الوقت والزبائن وميزانيات التسويق.
الفرق بين التسويق والإعلان
قال لي ذات مرة صديق متمرس في التسويق إن التسويق هو الاستماع، بينما الإعلان هو الحديث. لتبسيط الفرق: التسويق عبارة عن دراسة السوق واحتياجات الزبائن والتأكد بشكل مستمر من أن منتجك أو خدمتك تلبي احتياجات السوق والزبائن. اما الإعلانات، سواء كانت من خلال يوتيوب، منصات التواصل الاجتماعي أو محركات البحث، فهي نشاط ترويجي يسعى إلى تحقيق أهدافك التسويقية. وفي نظري، على الحملات الإعلانية أن تكون منتوج البحث التسويقي وإحدى مراحله الأخيرة.
لذلك، أنصح دائمًا بتوظيف خبير أو مستشار تسويقي في المراحل الأولى من إطلاق المشروع أو المصلحة بدلًا من توظيف مدير إعلانات بعد إنشاء المشروع.
هدف هذا الدليل هو توضيح الفرق لمساعدتك ومساعدة مدير حملتك في إطلاق حملة إعلانات ناجحة وناجعة.
ابدأ بالتسويق منذ اللحظة الأولى- مرحلة التخطيط
كما ذكرت سابقًا، لا يقتصر التسويق على الحملة الإعلانية التي هي جزء، أو - كما أسميها أنا - منتوج دراسة السوق. حتى أن هنالك ال 4P التسويقية (هي 7 اليوم، لكن لن أتطرق إليها في هذا المقال)، لكنها باختصار من مركّبات التسويق المهمة:
منتوج- Product
تسعير- Price
مكان - Place
ترويج- Promotion
لن أتطرق إلى هذه النقاط هنا فهذا يحتاج إلى مقال بحد ذاته. إن قررتَ إدارة التسويق لوحدك، فهذا ليس بالأمر المعقد في غالب الأحيان، أو في حال وظفت مسوقاً أو مستشارًا، فيجب أن تكون هذه النقاط أيضًا ضمن البحث التسويقي.
عَرِّف المصلحة، المنتوج واحتياجاته
ضع في اعتبارك مصلحتك التجارية من منظور شخص غريب. قم ببحث صغير في السوق، عرّف القيمة أو المنتوج الذي تطرحه، أجب عن بعض الاسئلة لمساعدتك ومساعدة المسوق، هل يقدم عملك الصغير منتجًا أو خدمة؟ هل يخدم عملك المستهلكين (B2C) أم الشركات (B2B)؟ ما هي القيمة المضافة لمنتجك أو خدمتك وما الذي يميزه/ا عن الحلول المطروحة في السوق؟
دراسة السوق: المتنافسون، جمهور الهدف وشخصية المشتري
ستسهل هذه الخطوة حياة مدير الحملة التسويقية بشكل كبير، إذ سيسهل عليه تحديد جمهور المستخدمين/ الزبائن، حجمه، كيفية الوصول إليه واستهدافه.
إذا كنت تواجه مشكلة في التعرف على جمهورك وإيجاده فهذا يستوجب القيام ببحث سوق. سيساعدك البحث في فهم السوق ومركّباته وفي معرفة ما إذا كان السوق والجمهور بحاجة حقًا إلى المنتوج أو الخدمة التي تعرضها ومدى تشبع السوق.
حدد الجمهور المستهدف
تحديد الجمهور المستهدف ومجموعات العملاء المحتملين الذين يبحثون عن منتجك أو خدمتك وبحاجة إليهما. ضع في اعتبارك تقسيم المجموعات حسب التركيبة السكانية، مثل العمر والجنس والحالة الاجتماعية والتعليم والدخل، وأمور أخرى مثل نمط الحياة والهوايات والاهتمامات.
حدد شخصية المشتري
شخصيًّا، أعتبر هذه الأداة إحدى أهم الأدوات لفهم الزبائن المحتملين وكيفية إيجادهم. قد يبدو الأمر سخيفًا، إنشاء عملاء مزيفين بحياة وهوايات مزيفة، ولكن كلما تعمقت في التفاصيل، كان ذلك أفضل وسيساعدك ويساعد المسوق على فهم العملاء، كيفية ومكان إيجادهم.
دراسة المتنافسين ومتابعتهم
الكثير من أصحاب المشاريع الجديدة يعتقدون أن "عدم وجود متنافسين" هو أمر جيد، لكنه في حقيقة الأمر كابوس للمسوقين المحترفين، عدم وجود متنافسين يعني عدم وجود سوق.
الأفضلية لا تنبع من عدم وجود متنافسين، بل من تقديم حل جديد أو أفضل (المنتوج) لمشكلة قائمة. زد على ذلك، أفضل عنوان لدراسة السوق وتعلمه هو المتنافسون. فكر بها، هنالك من يقوم بطرح منتج أو خدمة تخدم جمهورك نفسه ويقدم حلولًا للمشكلة ذاتها.
كيف يساعدنا هذا؟ سنأخذ عدة أمثلة بسيطة:
مثال ١: صاحب مغسلة ملابس يود إطلاق تطبيق خدمة حتى البيت، حيث يأخذ الملابس المتسخة من البيت ويعيدها إليه مغسولة ومطوية. سيساعد كثيرًا أن نعرف أن شريحة كبيرة من جمهور المغاسل هو من غير المتزوجين، الأكاديميين، المقيمين في المدن الكبيرة، أصحاب مستوى معين من الدخل أو وظائف معينة، ويقضون جزءاً من أوقات فراغهم في المطاعم والمقاهي.
مثال٢: لديك متجر لبيع كتب الأطفال باللغة العربية لسكان أوروبا. البحث التسويقي الخاص بك يقول إن شريحة كبير ممن يهتم بهذا المنتوج هي من المهاجرين الجدد إلى ألمانيا، موظفي شركات تكنولوجية أصحاب دخل فوق المتوسط ويشاركون في دورات باللغة الألمانية للغرباء.
هذه المعلومات ستساعد مدير الحملة كثيرًا. فهو يعرف اللغة التي يتحدثها الجمهور ويعلم كيف يستهدفهم وما هي الاهتمامات التي يبحثون عنها.
حدد معايير لقياس نجاح الحملة
عليك كصاحب مصلحة تعلم معايير نجاح الحملة وتحديد مؤشرات قياس مع المسوق لقياس أداء الحملة ومركباتها. سأذكر هنا بعض المقاييس الأكثر استخدامًا. تختلف هذه المقاييس من حملة إلى أخرى، وإن كانت الحملة بالفيديو، بشبكات التواصل الاجتماعي أم بمحركات البحث. تختلف قليلًا لكن المبدأ متشابه. سنوضح من خلال المثال التالي:
ظهر إعلان على الانستغرام أو محرك البحث. يضغط المستخدم على زر الرابط "للمزيد من التفاصيل" فيصل إلى صفحة هبوط يعبئ فيها تفاصيله فتقوم بالاتصال به لعقد صفقة.
لنأخذ إعلانًا على منصات التواصل الاجتماعي كمثال لبعض المعطيات المهمة وكيفية استخدامها:
Impression: كم شخصًا شاهد الاعلان
Click/Impression: كم شخصًا شاهد الإعلان ونقر على الزر
Lead/Click: كم شخصًا انتقل إلى المرحلة القادمة وعبّأ بياناته
Conversion Rate: نسبة التحويل، تختلف حسب الاستعمال
ROI: لحساب كم كلفك كل زبون لكل حملة اعلامية
كمسوق يهمه الأداء التسويقي فأنا أنظر إلى التالي وهذا ما يعنيه بالنسبة لي:
نسبة نقرات/انكشاف منخفضة (click/impressions): عليك تحسين الاستهداف أو الابداع بالحملة، كالصورة والعناوين.
نسبة زبائن محتملين/نقرات منخفضة (Leads/Clicks): يعني هذا في أغلب الحالات أن عليك تحسين صفحة الهبوط.
نسبة التحويل (Conversion Rate): سنستخدمها هنا بمفهوم تحويل الزبون المحتمل لزبون: نسبة منخفضة قد تعني أن عليك التحسين في قسم المبيعات أو في الاستهداف.
مردود الاستثمار ROI
هدفه حساب الربح مقابل الاستثمار. على سبيل المثال، ما هو المردود من زبون واحد مقابل تكلفة الحصول على هذا الزبون؟ وهو أحد أهم مؤشرات الأداء في التسويق (وجميع الأنشطة). في نهاية المطاف، لا تريد أن يكلفك الحصول على زبون جديد أكثر من المدخول منه.
مثال حساب ROI لحملة تسويق للمتقدمين
لنأخذ إعلانًا للسيارات على محرك البحث غوغل. أنت تبيع سيارات سكودا. إعلانك تم توجيهه لمن يبحث عن "سيارة سكودا بالتقسيط" وظهر اعلانك حول سيارة سكودا بسعر ودفعات مريحة، فضغط على الإعلان ليُطلب منه تعبئة تفاصيله كي يتم الاتصال به من مندوب مبيعاتك.
بيع سيارة واحدة قد يدر عليك ١٠,٠٠٠ دولار على سبيل المثال.
طريقة الدفع في التسويق على غوغل هي بعدد النقرات PPC. لنفترض أن كل نقرة تكلفك ٥ دولارات.
ولنفترض أن معطيات الحملة هي كالتالي:
Lead/Click=0.01 يعني هذا أنه من كل ١٠٠ دخول لصفحة الهبوط (نقرة) شخص واحد أرسل تفاصيله.
أما بالنسبة لقسم المبيعات فهو يغلق صفقة من كل ١٠، أي أن نسبة التحويل من lead لcustomer هي 0.1.
1000 Click X 0.01 (Lead/Clicks) X 0.1 (Conversions by sales)= one
هذا يعني أنه لكي تحصل على زبون واحد، فأنت بحاجة إلى: ١٠ زبائن محتملين (lead).
وللحصول على ١٠ زبائن محتملين أنت بحاجة إلى ١,٠٠٠ دخول لصفحة الهبوط (١,٠٠٠ نقرة).
معنى هذا أن تكلفة كل زبون من خلال الحملة هو ٥,٠٠٠ دولار. أضف إلى ذلك تكلفة التصاميم ومدير الحملة والكتابة وجميع التكاليف الأخرى، مثل ساعات عمل مندوب المبيعات وغيرها.
لا تقلق كثيرًا. بالإمكان تحسين ذلك أو توجيه مدير الحملة لتحسين ذلك.
لتحسين نسبة الزبائن المحتملين من نسبة زوار صفحة الهبوط (Lead/Click) بإمكانك تحسين صفحة الهبوط؛
لتحسين نسبة التحويل من زبون إلى زبون محتمل، بإمكانك العمل على تحسين أداء قسم المبيعات أو تحسين الاستهداف في الحملة.
نصائح لأصحاب المشاريع
ما ذكر أعلاه لا يغطي موضوع التسويق بشكل وافٍ لكنّ عدم التطرق إلى هذه النقاط قد يشكل مؤشرًا سلبيًا على المسوق الذي تنوي توظيفه.
ابدأ بالتسويق منذ اليوم الأول للمشروع: للقيام بالأمور المذكورة أعلاه، استشر مسوقًا خبيرًا منذ اللحظات الاولى، فهذا قد يوفر عليك الكثير من العناء وإهدار أموال بشكل غير مدروس. استثمر الوقت في دراسة السوق والتخطيط بدلًا من صرفها على حملات عشوائية.
إذا كنت تهتم بشكل مصلحتك في العالم الواقعي فاهتم بها في العالم الافتراضي أيضًا. تعامل مع الممتلكات الرقمية كممتلكات موازية للدكان أو المكتب أو المعرض. وإذا كنت مصلحة تهتم بخدمة الزبائن وتجربتهم فعلى حضورك الرقمي أن يخدم هذا الهدف.
إن كنت تنوي إطلاق خدمة أو منتج جديد، فكّر مليًا بإجراء استبيان ضمن مجموعة محددة من جمهور الهدف! سيساعدك هذا كثيرًا.
موقعك= مصلحتك الرقمية، لا تبخل عليه!
بعض المواقع، خاصة التي تهدف إلى الأداء التسويقي والنمو، تحتاج إلى مركّبات ومعايير خاصة. فحتى لو كان الموقع جيدًا بالعين المجردة، إلا أنه قد لا يخدم أهدافك التسويقية. إذا كانت مصلحتك تحتاج إلى موقع، فلا تكتفِ بتوظيف مبرمج أو مصمم، بل قد تحتاج ايضًا إلى مسوق (SEO في أغلب الأحيان).
تعلم دورك في إدارة التسويق: ليس من واجبك أن تدير الحملات من الناحية التقنية، ولكن عليك فهم الحد الأدنى لمتابعة أداء الحملات التسويقية وتحديد نجاح أو فشل حملة ما أو مركّب من مركّبات الحملة الرقمية.
لا تبحث عن الربح السريع، فغالبًا ما يتبعه الموت السريع. حاوِل بناء خطة استراتيجية تضمن النمو والتطور على المدى الطويل.
بعد أن وظفت المسوق الصحيح، امنحه الثقة والوقت للتجربة والخطأ. في نهاية المطاف، هذه طريقتنا للتعلم والتطور بمصلحتك، خصوصًا في المشاريع التي تتوجه على السوق المحلي والعربي، حيث تنقصنا البيانات في أغلب الأحيان.
كلمة أخيرة
القيام ببحث السوق هو أحد أهم المراحل في إطلاق فكرة وقد تكون أسوأ نتيجة للبحث، أو أكثرها تطرفًا، كعدم حاجة السوق للمنتج التي تطرحه، أو إشباع السوق، أفضل من أن تستثمر مدخراتك في مشروع لم يكتب له النجاح منذ البداية. وبنظرة ايجابية أكثر، إشراك مسوق خبير منذ بداية الفكرة أو المشروع قد يسهل عليك اتخاذ الكثير من القرارات بطريقة سليمة، كالتسعيرة، المكان، طريقة التسويق وحتى كيفية تحسين المنتوج ليخدم جمهور الهدف بطريقة أفضل.
توفيق ناطور
مستشار تسويقي للشركات الناشئة، متخصص في النمو الرقمي مع خبرة في مرافقة وتطوير المشاريع التكنولوجية. مؤسس شركة سنوبول للتطوير الفني والموسيقي، تدير الشركة أعمال فرقة ضربة شمس وهوا دافي.