تأمين التقاعد.. الحق المصيري في حياة العامل

الحق بتأسيس صندوق للتقاعد هو أحد الحقوق المركزية المرافقة لكل عامل اجير يعمل في إسرائيل حيث يشارك المشغل بحصة الأسد في بنائه.

عادة يستهتر العمال الشباب بهذا الحق ويتعاملون معه كوسيلة لرفع دخلهم من مكان العمال او تضخيم المبالغ التي يحصل عليها العامل عند انهاء عمله في مكان العمل غير مدرك لأهمية هذه المبالغ في بناء ما يسمى بالضمان الاجتماعي للإنسان العامل عند حدوث امر يسلبه القدرة على العمل وكأن هذا الانسان سيبقى الى ابد الابدين قادر على العمل وكسب الرزق من كد عمله، ناسيا ان سنة الحياة تقتدي بنا ان نمر المراحل الذهبية بحياتنا التي نستطيع بها ان نعمل ونكد وانه يوما ما سنفقد هذه القدرة او انها ستتقلص.

حتى قبل حوالي أربعة عشر سنه لم يكن هذا الحق حقا اوتوماتيكيا لكل عامل في إسرائيل كما هو الوضع اليوم بل اقتصر هذا الحق على العمال الذين يعملون في فروع عمل محددة المرتبطة باتفاقيات جماعية او التابعة لمجموعات العمال التي تسري عليها اوامر توسيع في فروع العمل والموقعين على اتفاقيات خاصة تضمن لهم هذا الحق. ولكن بفضل أمر التوسيع الذي أصدره وزير العمل على الاتفاقية الجماعية التي وقعتها الهستدروت مع ارباب العمل عام 2007, أصبح كل عامل في إسرائيل يستوفي شروط أساسية صاحب حق في ان يكون مؤمنا في أحد صناديق التقاعد ويكون المشغل ملزم في دفع حصته لصندوق التقاعد.

حق العامل في الحصول على المعاش التقاعدي عند وصوله الى جيل التقاعد او عدم قدرته على العمل هو احد اركان نظام الضمان الاجتماعي وكما اسلفت بعد قيام دولة دأبت نقابة العمال- الهستدروت على ضمان هذا الحق لتنظيمات عمالية لفروع كثيرة كفرع البناء والزراعة والطباعة والصناعة على أنواعها وفروع عمل أخرى كثيرة. في البداية، صناديق التقاعد التي كانت تؤمن حقوق العامل الاقتصادية كانت مقتصرة على صناديق التقاعد ""الهستدروتية"" ومنها ""مفطحيم"" التي تخصصت بتأمين عمال الانتاج والصناعة وصندوق عمال البناء التي، كما هو مفهوم أمنت عمال البناء وأخرى لفرع الزراعة وكل مشغل كان ملزما بتأمين عماله في صندوق التقاعد وفق ما تنص عليه الاتفاقية الجماعية.

لمدة سنوات طويلة بعد ال48، غالبًا ما اقتصر التأمين التقاعدي على ما يسمى بتأمين أساسي وهو تامين يضمن حق العامل في المعاش التقاعدي عند وصول العامل لجيل التقاعد فقط ولم يشمل تامين حقه في الحصول على معاش تقاعدي عند فقدان قدرته على العمل او لعائلته في حال وفاة العامل لا سمح الله. من أجل الحصول على التأمين الأساسي اقتصرت الايداعات في صندوق التقاعد على مركبين الأول ايداعات العامل بقيمة 5% وايداعات المشغل بقيمة 6%.

مع مرور الوقت تبين ان الإمتناع عن تأمين ""عدم القدرة على العمل"" او الوفاة، لا سمح الله، أصبح كارثيًا للعامل وعائلته عندما يفقد العامل قدرته على العمل او تبقى العائلة دونما معيل، لذالك صدر في بداية الثمانينيات امر يلزم المشغلين بتوسيع التأمين التقاعدي ليشمل عدم القدرة على العمل وحالات وفاة العامل ومن اجل ضمان قدرة صناديق التقاعد على تحمل هذا العبء المادي الكبير تقرر إيداع مبلغ إضافي بقيمة 6% يدفعها المشغل لكنها تخصم من حساب تعويضات الفصل المستحقة للعامل.

مع مرور الزمن تأسست صناديق خاصة جديدة التي هي بالأساس بملكية شركات التأمين وعددها إزداد بشكل كبير جدًا عند تأميم صناديق التقاعد ""الهستدروتية"" عام 1994 وبدأت تغييرات مهمة في موضوع التقاعد.

يذكر ان جميع الإتفاقيات الجماعية ومن ضمنها الإتفاقية الجماعية من عام 2007 التي توسعت لتشمل جميع العمال الأجيرين في إسرائيل تضمن حق العامل في أن يشمل التأمين التقاعدي تأمين عدم القدرة على العمل والوفاة. من المهم بمكان التأكيد على أن الحقوق التي تمنح للعامل ومصدرها القانون او الاتفاقيات الجماعية هي حقوق لا يمكن التنازل عنها وهي حقوق أساسية مضمونة. من جهة أخرى قام المشرع الإسرائيلي بسن قانون اخر مهم وهو في ظاهره قانون إيجابي وينص على منح ألعامل حق اختيار صندوق التقاعد الذي يريده ورزمة الحقوق التي يختارها.

تبين لاحقا انه في ظروف معينة، من الممكن ان يصل هذان القانونان الى تتناقض فيما بينهما، فكيف يمكن إلزام المشغل من جهة بتأمين يشمل عدم القدرة على العمل ومن جهة أخرى تنفيذ القانون القاضي بمنح العامل حق إختيار صندوق التقاعد وعدم التدخل بتاتًا في إختياراته، فكما نعلم في كثير من الأحيان يأتي العامل الى مكان العمل مع رزمة تأمين جاهزة ويطلب من المشغل ان يستمر في هذه الرزمة.

من الجدير بالذكر ان إضافة تأمين عدم القدرة على العمل والوفاة، هو في الواقع ليس على حساب المشغل عادة (باستثناء حالات محددة في إتفاقيات جماعية معينة) بل على حساب مدخرات العامل ومعاشه التقاعدي في نهاية المطاف عند وصوله جيل التقاعد. على الرغم من ذلك, هنالك أهمية عظيمة ومصيرية لتأمين العامل لعدم القدرة على العمل والوفاة كما هو واضح ومفهوم.

في قرار هام لمحكمة العمل القطرية بملف ""ليليان لندسبر"" توصلت محكمة العمل القطرية الى نتيجة أن بند 20 لقانون صناديق التقاعد الذي يعطي للعامل الحق في إختيار صندوق التقاعد يتغلب على حقه إثر أمر توسيع الإتفاقية الجماعية الملزمة بتأمين العامل لعدم القدرة على العمل والوفاة.

المنطق في هذا القرار هو ان العامل يختار رزمة التأمين الملائمة له، فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما يكون العامل مريض أصلا ويحصل على مخصصات مرضية، لكن في نفس الوقت هنالك كم كبير من العمال غير المدركين لحقوقهم ولأهمية تأمين الإعاقة والوفاة وقد يجدون انهم خسروا كل شيء.

هذا القرار يضع على العامل مسؤولية كبيرة وحاجة الى توعيته لما يترتب على أي قرار يتخذ بالنسبة لنوع التأمين التقاعدي، باعتقادي من الأجدى أن تلقى على عاتق المشغل وشركة التأمين توضيح للعامل عن خطورة تنازله عن تأمين لا يشمل الإعاقة والوفاة، ولكن بما ان هذا هو الوضع الحالي أرى من المهم تنبيه جمهور العاملين لهذا الموضوع الذي من الممكن ان يتحول الى مصيري جدًا في حياة الانسان.

د. لؤي زريق

محام متخصص في قوانين العمل وحاصل على الدكتوراة في القانون بتخصص قضايا العمل من "جامعة موسكو الحكومية على اسم لومونوسوفو"

شاركونا رأيكن.م