تأثير السوشيال ميديا على أذواق الناس في عالم الأزياء
إن الحياة أشبه بمسار بحث عن الذات، وتكوينها وصقلها بشكل شخصي وفردي للغاية، مما يجعل منها نسخة واحدة ووحيدة، لديها بصمة خاصة، ومميزات، وخصائص وتفاصيل دقيقة فريدة، من آرائنا الشخصية، وتوجهاتنا، وتصرفاتنا، وعاداتنا، ومزاجنا وحتى أذواقنا.
ولكن في عصر انتشرت فيه وسائل للتواصل الاجتماعي، والتي أتاحت للجميع فرصة الانكشاف والانخراط في عوالم مختلفة، أفقدتنا ملذات كثيرة ولكن أهمها برأيي هي لذة الاختلاف والقدرة على رؤية الاختلاف بين الأشخاص، وحتى ابتكار الاختلاف إن كان مقصودا، فأصبح صعبا، صعبا للابتكار وللتقبل، لأن وسائل التواصل قادتنا جميعا بطريقة غير مباشرة إلى تذويت فكرة خاطئة وخطيرة تنص على أن ”إذا لم تتبع أو تطبق الصيحات الرائجة فأنت لست جزءا، أنت ولست محطا للأنظار، ولا للمتابعة، ولا للثقة في الكثير من الأحيان،“ لأنك ببساطة، ”مش عالموضة أو مش زي الكل!“
كأي وسيلة أو حدث، يوجد لمواقع التواصل الاجتماعي تأثيرات منها مباشرة وأخرى غير مباشرة، سلبية وأيضا إيجابية.
بداية، انتسابنا لأي منها يعتمد على ميولنا واهتماماتنا الشخصية، أما مدى تأثيرها علينا فيتعلق بمدى تمسكنا بآرائنا وإيماننا بقراراتنا وشخصيتنا التي صقلناها بدقة وبنيناها على أن تكون قادرة على التمييز بين ما يضفي لها التفرد وبين ما يسمى انجراف القطيع لتكون مجرد واحدة من مجموعة مكررة، استنتجت أن كونها متشابهة سيجعلها مؤثرة، ونسيت أن التكرار ما هو إلا نسخة إضافية احتياطية، نستخدمها عند الحاجة.
كمثال على التشابه والاندفاع غير المسبوق للانتماء للأغلبية أو التقليد إن صح التعبير، سوف أخص بالذكر أذواق الناس في عالم الأزياء لأنها تأثرت بشكل كبير مع دخول مواقع التواصل عالمنا، وذلك لأن محتوى الأزياء على هذه المنصات كإنستغرام مثلا، أصبح من الأكثر متابعة.
التأثير الأول بات مسيطرا على الأشخاص المتأرجحين فكريا، وهو الضغط الاجتماعي الذي جعلهم يتبعون التيار وأفقدهم رأيهم وذوقهم الشخصي، مثلا، الأشخاص الذين اعتادوا على اللباس البسيط والمتواضع، أصبحوا يبحثون عن الماركات المزيفة ليظهروا بصورة عصرية، بالرغم من أن هذا يتعارض مع ذوقهم ومفهومهم للمظاهر، ولكن حاجتهم بتصنيفهم” كالأغلبية“ فاقت اكتفاءهم بما هم عليه. وهنا يأتي دور المشاهير بتغيير مشهد الأزياء مثل كيم كارداشيان، فمثلا عندما تطلق مجموعة ملابس عملية مع شركة أديداس، تكون النتائج مضمونة لأن جمهورها يعتمد مفهوم التقليد ليكون عصريا وشبيها بها، ويفتقد للثقة بالنفس، فلا عجب أن جميع الفتيات يرتدين بلوزة ال crop top بالرغم من أنها لا تليق بمعظمهن من ناحية جسدية ولا تتوافق مع قيمهن الحياتية، فبالتالي كلنا متشابهون، مملون بلا أي اختلاف، ولكن الدافع لكل هذا هو شعورنا بالحاجة الدائمة للمسارعة بتقليد شخصيات أو أنماط استنتجنا أن متابعتها وتقليدها يمنحنا شعور الاكتفاء، والرضا، والثقة، والانتماء، وربما نظرة المجتمع لنا كعنصر ذي منزلة.
أما الضغط الاجتماعي بمفهومه الآخر، والذي ينعكس إيجابيا على المستهلكين فهو الاستثمار بإطلالتنا وشكلنا وصحتنا بشكل عصري ولكن عقلاني، أي غير مبالغ فيه، ضمن الإمكانيات المتوفرة والحاجات الشخصية بعيدا عن إرضاء أي شخص أو جهة، أو تشابه مع أحد، فدافعه التجدد لغرض شخصي مع المحافظة على الذوق الشخصي، أي إنه هدف صحي ومفيد استغللناه لتحسين ذوقنا؛ والانفتاح على أذواق وأنماط أخرى، لاكتساب ما يلائمنا منه، وهذا صحي لثقافتنا، ونفسيتنا وجودة حياتنا. مثال على ذلك، هنالك الكثير من الصفحات المهتمة بتزويدنا بطرق جديدة لاستخدام ملابسنا، كتنسيق صحيح وإبداعي أو حتى حيل لاستخدامات كثيرة لنفس القطعة، وهذا يعتبر تأثيرا صحيا لأنه بمثابة استثمار وإفادة.
أما التأثير الإيجابي، ولكن يضفي بعض التحدي لمن ينظر له بهذه الطريقة، هو أنك بمتابعة السوشال ميديا تكون على علم وتحديث دائم بالصيحات الجديدة، فإذا أثارت فيك فضول التجربة لك حرية الاختيار، ولكن لا تنسَ أن تستهلكها ببصمتك الخاصة؛ لأننا وصلنا لوضع توحد فيه الذوق حسب الإمكانيات المادية، وهذا يأخذني لتأثير سلبي إضافي فاق أي اعتبار بحسب رأيي، وهو كسر كل قيم ومعايير الشخص، مما أدى إلى نيتهم بكسب المال السريع ليضمنوا مواكبة الأحداث والصيحات التي تسير بشكل سريع للغاية، لإظهار حياة سعيدة ثرية زائفة، بعيدة عن واقع ممارسيها، وذلك لكسب ود الآخرين، ولتعبئة نقص الثقة بالنفس. فنراهم يرتدون الماركات العالمية التي تكلف آلاف الدولارات فقط للفت الانتباه وللشعور بأنهم ذو أهمية.
عندما تبذل جهدا وتتخلى عن مميزاتك لتظهر شيئا آخر، كل ما سيراه من حولك هو الجهد، لا ما أردت إبرازه، وسوف تخطئ التعبير عن ذاتك؛ لذا، لا تحاول أن تكون شخصا غيرك. كن من المبدعين الذين يتركون بصمة تميزهم فيما فعلوا، فحتى لو تبعت الذوق العام ستضفي إليه بصمتك التي ستجعله خاصا.
كاستنتاج، باتت أذواق الناس متشابهة ومملة لأنها تعتمد على التكرار، إذا كانت الميزانية عالية فيكفي أن تكون الإطلالة من ماركة عالمية، وإذا لم تكن الميزانية كافية، نلجأ للملابس المتاحة وننسقها بحسب دور الأزياء أو المشاهير.
ساهمت مواقع التواصل بالتأثير على الأشخاص الذين اعتادوا أن يكونوا أتباعا وليسوا مبتكرين، زادتهم ثقة بالنفس وسهلت عليهم اختيار أذواقهم، ومن جهة أخرى فإنها استثمرت في كل مبتكر ذي بصمة، أراد إيصال رؤيته وبصمته والتأثير فيما حوله، وزادته متابعين، وجرأة واستفادة.