الموحدة بمشتركتها والمشتركة بموحدتها ولا زيت في سراج القدس

يُعرّف قاموس أوكسفورد، ""المواجهة"" بأنها القدرة على مجابهة شيء (مشكلة) والتعامل معها. الوقوف أمام أي معضلة مع الرغبة في سبر أغوارها وإعادتها إلى حجمها الطبيعي. فأي شيء لا تواجهه ولا تقف أمامه، لن تكون قادرا على التأثير عليه وجعله يتغير في الاتجاه الذي تصبو إلى تحقيقه؛ لأنه في المحصلة سيتغلب عليك ويديرك لتصبح نتيجةَ تصرفاته وليس العكس، كما أن مجتمعنا يردد دوما ""ينبغي مواجهة الحقيقة ومجابهتها وجها لوجه"".

لسنا بحاجة إلى أن نكون على دراية معمّقة في الصحافة والإعلام كي نشهد القلاقل التي تجري على الساحة السياسية وهي تأكل بلا هوادة الأخضر واليابس، وبخاصّةٍ بين القائمة العربية الموحدة والقائمة المشتركة في ظل استمرار حالة الموت السريري الذي تعيشه لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، ما يشي أننا فعلا أمام حالة يقظة لم نشهدها من قبل؟

تمكنت حالة التباين والاستقطاب السياسي مع تكرار الانتخابات التشريعية، من نقل المواطن إلى مرحلة جديدة من الوعي المؤكد بأهمية صوته، على الرغم من أننا لا زلنا نشهد في يوم الانتخابات عدم اكتراث واضح للجماهير بالمقارنة مع انتخابات المجالس والبلديات المحلية التي تشهد عملا دؤوبا ومخلصا من أجل هذه القائمة أو ذاك المرشح في مواصلة الشباب الليل بالنهار من أجل وصول كل ناخب الى صندوق الاقتراع حتى الدقيقة الأخيرة من انتهاء يوم الناخب، بحيث تكون أهمية كل صوت واضحة للعيان في الانتخابات المحلية، فيأتون ويحضرونه، نقطة. ما يعني أن الساحة السياسية ستأخذ على ضوء نتائج الاقتراع الأخيرة منحى مختلفا نحو العمل الجدي للانتخابات البرلمانية واستقطاب المواد اللازمة كما هو الحال في الانتخابات المحلية، ربما.

إن كنا على هذا الدرب فالربح هو أولا وأخيرا للمواطن العربي الذي يريد انتزاع حقوقه المشروعة من جميع اللجان البرلمانية والوزارية المختلفة وهذا فعلا ما نريده. هل تعمل الموحدة والمشتركة على ترسيخ أهمية الوعي بالنزول يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتهم التي ستؤتي أكلها لا محالة؟ ليس تماما، هي مقصّرة جدا في هذا المجال. نراهم عشية الانتخابات ويختفون بعدها فورا، هي عبارة لا زالت سارية الصلاحية ويجب العمل على تغييرها فورا. أما بخصوص التباين على جميع تعقيداته فإنه يظهر حالة انتعاش سياسية تبعث على الأمل. إننا أمام مجتمع حيوي وهو ليس كما صوروه أو يحاول تصويره جماعة مقاولات الانتخابات الذين يأتون إلى صناديق الاقتراع بالأكياس، هكذا على الأقل يصورن قوتهم، وعلى أرض الواقع لا أكياس، ولا شوالات ولا حتى قراطيس! والتمثيل العربي الضعيف في الكنيست هو أكبر دليل على عدم إيفائهم بوعودهم.

هل نحن فعلا بحاجة للأمل، مع تواصل استمرار العراك الكلامي الذي يعيدنا إلى التاريخ الجاهلي والأوسط والمعاصر في الذم والقدح بين الموحدة والمشتركة بغياب المتابعة؟ وقد وصل بنا الحال لتصورات تاريخية في إعادة الدروس والعبر بدءا من الغساسنة (جماعة الفرس) والمناذرة (جماعة الروم) على طول الخط الواصل بين بصرى الشام إلى حيرة العراق، بالإضافة إلى وقائع حرب البسوس بين التغلبيين والبكريين في تقلبات الخبير والمخبر والمستشار والمختار إلى أن وصلنا للمقولات المستهلكة بأن التاريخ يعيد نفسه.

كذلك فرق تسد عند بوابة وادي الذهب والساقية الحمراء، واستخدام نفس عبارة العاهل المغربي الملك محمد السادس ""المغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، لا نتفاوض على مغربية الصحراء، بل على حل هذا النزاع المفتعل"". التباين على الساحة المحلية هو مفتعل كذلك؟ العودة بالتاريخ للسادس من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1975 عندما لبّى 350 ألف مغربي نداء ملكهم الحسن الثاني وساروا باتجاه الصحراء الغربية التي كانت تحت حكم المستعمر الإسباني بهدف استعادة السيطرة عليها، في ظل رفض الرباط المدعومة من واشنطن وباريس أي حل خارج حكم ذاتي تحت سيادتها في هذه المنطقة الشاسعة بمساحتها البالغة 266 ألف كلم مربع، بينما تستمر جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بالمطالبة باستقلالها. لكن لحظة، كيف وصلنا إلى نزاع الصحراء؟ هل كل هذا من أجل دعم مواقفنا المختلفة بين معسكر الموحدة (جماعة الرباط؟) وبين معسكر المشتركة (جماعة البوليساريو؟).

عندما استيقظنا على فاجعة وفاة الأستاذ النائب سعيد الخرومي إثر أزمة قلبية حادة. تلاشت جميع الفروق السياسية وتوحدنا كمجتمع واحد الذي يقف إجلالا واكراما أمام هذه القامة الأصيلة، الموحدة بمشتركتها والمشتركة بموحدتها لا فرق بينهم في المصاب الجلل، أعضاء الموحدة والمشتركة هم من وقفوا في مدخل قرية السر يستقبلون الجماهير الغفيرة التي تودع ابن بئر السبع والبلاد عموما، ولبى نداء الواجب في قرية السر غير المعترف بها في النقب الشاهدة يوميا على الغبن والإجحاف السياسي المستمر، في هذه المنطقة الحارقة من ديرة بئر السبع علما بأنه إلى جانب العديد من الملفات الساخنة التي واكبها المرحوم الخرومي عضوية المجلس القطري للتخطيط والبناء من موقعه غير المعترف به في صحراء الجنوب.

لكن لماذا كل هذه الغرابة؟ ألم يكن التاريخ كذلك دوما، لماذا نريد أن نخرج أنفسنا عن مسار التاريخ الذي لا يكتب إلا بوقائع الصراع الدرامي، ولا توجد دراما متماسكة ومشوقة للجماهير ضمن الحبكات المتسلسلة التي تفتقد الصراعات، وهذا ما نشهده ليل نهار بين الأحزاب التي تسعى خلف كل متابع لتبرز قوتها أمام الخضم. كراسات التاريخ تعج بالأمثلة التي تفيد بأن الإنسان لا يتعلم من تجارب الماضي، لا يريد تعلم تجارب الماضي، ومع ذلك هل نحن أمام حالة تفكك مجتمعي؟ أثبتت الموحدة والمشتركة وبقايا النفس الذي ينبض بين ثنايا لجنة المتابعة، التي تعز علينا كثيرا ونريدها قوية ومتماسكة وحولها الالتفاف الجماهيري الذي يليق بها، أننا امام حالة استثنائية، لا مهادنات فيها، وبالطبع لا يوجد مكان لمسح الجوخ، وقول الحقيقة على كل مراراتها، هكذا تتفاعل المجتمعات الحيوية وهكذا يبدو مجتمعنا نابضا بالحياة ولا يهادن في قول حقيقته كما هي. بينما درة تاجه زهرة المدائن للمقدسيين بيننا التي يسكنونها منذ خمسة آلاف عام، لا زيت في سراجهم.

معسكران متناحران الأول محسوب على الائتلاف والآخر على المعارضة، لكن ما هي الخطوة العملية التي تلي هذا اللعب المكشوف والمخفي. المناداة بإسقاط الحكومة مقابل استمرارها، ماذا بعد؟ هل لدينا مشروع انقسام فلسطيني جديد علاوة على المعهود؟ تمكنت الفصائل الفلسطينية بتغذية مكتبات عالمية ورفوف أطروحات الماجستير ورسائل الدكتورة حول جامعات العالم تفيض بالانقسام الفلسطيني الذي يحلو لنا دوما نعته بالبغيض، بينما الوضع على حاله، منذ أن غادر وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في 2014 طاولة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فإن المصالحة الفلسطينية كذلك تراوح مكانها، ولا جديد تحت الشمس التي نريد السير تحت أشعتها حفاة في سبيل طي صفحة هذا الانقسام الذي لن تتنازل فيه جماعة رام الله عن السيادة على الضفة الغربية ولا جماعة غزة عن السيادة على القطاع المحاصر والمعزول.

الجريمة المنظمة، بالإضافة إلى ضائقة السكن داخل التجمعات العربية وانعدام الأفق للأزواج الشابة، تصب جميعها في خسائر كبيرة بالنسبة لشركات التأمين، أبرزها الظاهرة الجديدة التي يقوم فيها الأهالي بفتح ملفات تأمين حياة لجميع أفراد الأسرة، تأمين الحياة هذا هو رد الأهل على ظاهرة الجريمة والعنف التي أزهقت أرواح أكثر من 115 منذ بداية العام. ماذا يخبئه العام المقبل ونحن نقف الآن على عتباته؟ إجابة شركات التأمين واضحة أن عمليات القتل والجريمة لا تصب في مصلحتها وتزيد من خسائرها، فهي تريد جني أكبر قدر من الأرباح وليس دفع عشرات الآلاف عدا ونقدا مقابل عدة أشهر قام بسدادها هذا الأب أو تلك الأم في تأمين الحياة الذي انضم إليه حديثا، ما يعني أن عصابات الاجرام تلعب في ملعب الحيتان وهم ليسوا بمأمن من هؤلاء الذين يفوقونهم عدة وعتادًا وقوة لهذه العصابات ولا قبل لهم بشركات التأمين، حرب الحيتان هذه تصب بمصلحة من في المحصلة؟

الأمر الآخر الأشد وطأة على الشارع الإسرائيلي المتمثل بعزوف الشباب العربي عن البحث العبثي عن قطعة أرض لن يحصلوا عليها في منطقة سكناهم ويذهبون ويبحثون عن بدائل أخرى داخل التجمعات السكانية اليهودية، خصوصا أنه ما دامت الخارطة الهيكلية لهذه القرية العربية أو المدينة على حالها ولن يتم توسعة الرقعة الجغرافية للبلد فالأسهل الانتقال للبلدات اليهودية وبناء أو شراء منزل وانتهى الأمر.

ما يضع البائع اليهودي في حيرة من أمره، فالعربي الذي أمامه لا يقل علما ولا أدبا ولا أخلاقا وربما يفوقهم بها جميعا، ومن الناحية الأخرى القرض العقاري عندما يكون متعلقا ببلدة يهودية فإنه يساهم في منحه قرضا كبيرا، ليس كما هو الحال عند طلب القرض العقاري لنفس البيت داخل بلدة عربية. عند تقديم مبلغ 200 ألف شيكل ومنحه للبنك، يمنحونك مقابل هذا المبلغ أي بيت تبلغ قيمته حتى 2.5 مليون شيكل في بلدة يهودية، بينما نفس المبلغ لا يساوي شيئا داخل البلدة العربية.

ناهيك عن المناطق العسكرية المغلقة في ديرة السبع جنوب البلاد، فالأمر أشد تعقيدا لأن الغالبية العظمى من أراضي النقب هي مناطق عسكرية مغلقة غير مسموح الاقتراب منها لأنها جميعا مناطق نار، الشاب العربي في هذه الحالة لا ينتظر كثيرا ويتوجه فورا للبلدات اليهودية، ونشهد اليوم حارات عربية بأكملها متحدثة فقط بالعربية داخل التجمعات اليهودية، هل هذا ما أرادته السلطات الحكومية منذ البداية؟ لا أظن أن الإجابة هي مجرد نعم أو مجرد لا، فكما للرمادي خمسون ظلا، فهذا هو الحال بالنسبة لعزوف الشباب عن البحث العبثي عن قطعة أرض في بلده.

الاستقطاب على كل التعقيدات التي يجب طرحها دوما وعدم تغافلها، لا يعني أننا إزاء مجتمع عدم مكترث وغير مبال، بل على العكس تماما. جاء في تعريف ""شمس العلوم"" للحميري بشأن المواجهة والمقابلة أنه يعود للجذر وجه، على وزن الْمُفَاعَلَة ""واجه فلان فلانا، إذا جعل وجهه تلقاء وجهه""، هذه المواجهة التي عرفناها، وهذه هي الخصال التي نريد الوصول إليها على كل صعوباتها، لأنها غير مستحيلة.

كايد أبو الطيف

مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة (باحث في مجال الدراسات الثقافية) ومبادر منصة هٌنا الجنوب

رأيك يهمنا