الملل والفتور.. كيف تهبط آمال الزوجين من قمة إفرست إلى قاع المحيط؟!

في السنوات الأخيرة، أجد نفسي أتساءل في بعض الأحيان” هل الأزواج مهتمّة بالزواج أكثر من انّها مهتمّة بالشخص الذي يتزوّجونه؟ “. يبدو سؤالا غريبا، ولكّن أحاديث الأزواج في الغرفة العلاجية تجعلني أطرح السؤال عدّة مرّات.

تعتبر المرحلة الأولى لمعظم العلاقات” مرحلة شهر العسل“. مرحلة مثيرة ومبهجة. عادة، يبذل كلا الشريكين جهدهما ويحاولان اعجاب بعضهما البعض، وغالبا ما يكون هذا هو سبب بقاء أزواج كثيرة في العلاقة لفترة أطول مما ينبغي. فأجد أزواج كثيرة تقول: ""أتمنى لو يعود شريك حياتي للشخص الذي عرفته في بداية العلاقة“. يأملون أن يعود شريك الحياة الى الشخص الذي وقعوا في حبه لتجديد الأمل.

أزواج عديدة تنتقل من مرحلة” كل شيء رائع وكامل! ""الى مرحلة ""لا يمكنني تحمّله/ا بعد الآن“. وهنا يأتي السؤال:” كيف يحدث بأن تهبط أمال الأزواج من مرتفعات جبل افرست الى عمق المحيط، وغالبا في عضون أشهر قليلة؟ “.

تظهر الابحاث ان معدل فترة الوقوع في الحب بين الازواج هي سنتان. قد تستمر هذه الفترة أكثر بقليل من سنتين عند البعض، او اقل من سنتين عند البعض الآخر. وما الذي يحدث بعد هذه الفترة؟ ينخفض الانفعال العاطفي، وتصبح جوانب الحياة الأخرى التي تجاهلناها في فترة الخطوبة أو فترة ”الوقوع في الحب“ بارزة ومهمّة للغاية، حتى انها تزعجنا وتصبح سببا لتحدّيات عديدة ومتكرّرة. اختلافاتنا تصبح واضحة أكثر، وأحيانا نرى نفسنا نناقش بشدة شريك الحياة لذي ظنناه ”الشريك المثالي“. لا تسيئوا فهمي! فتواجد التحديات والمشاكل بين الأزواج هو أمر ضروري وصحّي لأنها فرصة تساعدنا، إذا أردنا، على تبنّي سلوكيات تواصل ومهارات إصغاء صحيّة جديدة. كما انها تشكّل فرصة رائعة للتعرّف بشكل أوضح على العالم الدّاخلي لشريك الحياة، وهو عبارة عن تاريخه، خبراته، تجاربه، ما الذي يحبّه أو لا يحبّه، ماذا يألمه، يفرحه، يقلقه، يخيفه أو يزعجه. وأكثر من ذلك، ما هي أماله، أحلامه، أهدافه وطموحاته.

تكمن المأساة في تصوّرنا بأن الحب هو العامل الوحيد لإنجاح العلاقة، ليظهر ذلك عندما يجلس الزوجان أمامي في وسط الاستشارة ليقولا: ”بطّلنا نحب بعض مثل الأوّل“. ويوضحان ذلك بأنه إذا لم يعد هناك مكان للحب بينهما، فمن غير المتوقّع ان يبقيا معا. وبالتالي هما مستعدان للانفصال.

عندما ينتقلان للعيش معا، يعتقد كل من الطرفين، عند غالبية الازواج، بأن شريك حاتيه سوف يتصرّف وفق مجموعة قواعد سلوكية محدّدة تلائم توقعاته. على سبيل المثال: قد يتوقّع الشخص من شريكة حياته بأن تقوم بجميع المهام المنزلية، مثل: الطبخ، شراء مستلزمات البيت، غسل الملابس والاهتمام بجميع المناسبات الاجتماعية والعائلية، بالإضافة الى تلك التوقعات التقليدية، قد تكون لديه قائمة طويلة أخرى من التوقّعات الشخصية والخاصة - وفق التّربية التي تلقّاها في بيت طفولته. مثلا: قد يتوقّع منها أيّام السبت أن تجهّز له الفطور المميّز، بينما يقوم هو بقراءة الجريدة في الصّباح، ومن ثم القيام بالتنزّه معها في الطبيعة، لتقوم بعد ذلك بتحضير وجبة الغذاء ويتناولانها معا في البيت كوجبة عائلية. بالمقابل، قد تكون لشريكة حياته قائمة توقّعات مغايرة، أو حتى مناقضة تماما لقائمته! وبما أن أيا منهما لم يلائم قائمة توقّعاته مع الآخر، قبل الزّواج (وأيضا خلال الزواج)، فسيكون لذلك دور كبير بخلق التوتّر وما يحمله من أبعاد في فترة ما بعد الزواج.

على مر السنين نتوقّع من شريك الحياة أي يرانا، يسمعنا، يدعمنا ويمدحنا، ولكن في الواقع نشعر بخيبة الأمل والاحباط والغضب، والتي تتجلى في الشكاوى والتذمّر الذين لا ينتهيا.

من أهم العوامل لتشكيل الفجوة بين الحلم والواقع هو التخيل أن شريك الحياة هو المسؤول عن اشباع رغباتنا لنشعر بالسعادة والرضا. لدينا شوق بأن شريك الحياة يلبي احتياجاتنا التي لم يلبيها والدينا في طفولتنا. من المهم ان نعرف ان هذا هو سبب انجذابنا اليه واختياره، وبمجرد اكتشافنا أن الواقع مختلف وان شريك الحياة لن يستطيع تلبية جميع احتياجاتنا، نشعر بخيبة أمل ووحدة.

لكي نعيش في علاقة صحية، قربة وحب، علينا أن نعرف تجارب حياتنا وأن نكون على دراية بمعتقداتنا وأنماط تفكيرنا واستجاباتنا التلقائية التي تدخل العلاقة وتحطم تخيلاتنا وتوقعاتنا.

بهذه الحالة، علينا أن نحوّل الزواج الى زواج واعي أكثر.

كيف نقوم بذلك:

كلّما تعرّفنا أعمق على ذاتنا وعلى شريك الحياة، نفهم جرحه وألمه الذي يطلب شفائه وهكذا نستطيع اخذ المسؤولية على ما نقوله وكيف نقول الأشياء، ونحافظ على جو مريح.

عندما نكون واعين لردات فعلنا التلقائية، بإمكاننا أن نحوّل كل شكوى الى طلب؛ ايجابي، محدّد وواضح. مثلا: بدلا من أن تقول ”لماذا دائما ترمي جواربك في الصالة…“ من الممكن أن نطلب بشكل ايجابي وواضح اكثر ”أطلب منك أن تضع جواربك في السلّة … فأنا بحاجة لمساعدتك“.

عندما نقبل التحرّر من التوقعات الصامتة والخيالية ونفهم ان شريك الحياة لم يأت فقط لتلبية احتياجنا الذي لم يلبّيانه والدينا، بإمكاننا أن نراه كما هو، والتعامل مع احتياجاته ورغباته بنفس الأهمية التي نتعامل بها مع احتياجاتنا الخاصة. إن الوعي بالاحتياجات المتبادلة سيسمح لنا بالنمو والنضج والشفاء في العلاقة الزوجية وأن نكون واحدا للأخر من مكان من الرقة، الدفء، الاستماع والحب.

نعتقد احيانا ان الزواج الناجح يعتمد على اختيار الشريك الناجح. بمجرد أن نفهم أن العلاقة الزوجية تتطلب باستمرار الوعي والالتزام والمسؤولية الشخصية والاستثمار، وهكذا يمكننا الحفاظ على زواج سعيد على مر السنين.

منيرفا مزاوي

مستشارة زوجية ومعالجة عاطفية

شاركونا رأيكن.م