المطالب الأساسيّة من الدّوائر الحكوميّة والوزارات لمعالجة ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع العربي

مدخل وسياق- الجريمة في الأرقام

تعتبر مشكلة العنف والجريمة في المجتمع العربي مشكلة مركزيّة ومقلقة، إذ تشير المعطيات التي وردت في مسح العنف في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل- الذي أعدته جمعية الجليل سنة 2018، "" 52% من الأفراد يعتبرون أن مشكلة العنف هي الأكثر خطورة من بين المشاكل في المجتمع العربي، وأن 65% من الأفراد يقيّمون انتشار العنف في بلداتهم بأنه متوسط أو عالي، وترتفع هذه النّسبة لتصل إلى 71.5% في منطقة حيفا و86.3% في منطقة المركز. هذا الواقع يعزّز عدم الشّعور بالأمان لدى المواطنين العرب، وقد تبيّن من معطيات المسح أعلاه، أنّ أكثر من نصف الأفراد الذين شاركوا في المسح صرحوا بأنه من المحتمل أن يكونوا أنفسهم ضحايا لشكل من أشكال العنف. هنالك خوف وقلق ملحوظ من ظاهرة انتشار واستعمال السّلاح، 74.4% من الأفراد عامةً يعتقدون بوجود أسلحة ناريّة في بلداتهم، ويوافقون على أنَّ عدم اهتمام الحكومة بمكافحة ظاهرة السّلاح غير المرخص هو سبب في انتشار هذه الظّاهرة في بلداتهم. وهنالك إجماع على أنّ الجهات والمؤسسات الحكوميّة لا تقوم بعملها الكافي لمكافحة العنف بحيث أن أقل من 30% من الأفراد فقط يوافقون بأنَّ الجهات والمؤسسات تقوم بالدّور الكافي لمحاربة العنف، وترتفع هذه النّسبة إلى 45.1% فيما يتعلق بالجهاز القضائي والمحاكم و41.4% فيما يتعلق بجهاز التّربية والتّعليم"".

نلاحظ في السّنوات الأخيرة أنَّ ظاهرة تكرار أعمال العنف والجريمة آخذة في التّفاقم، وتُخلّف الكثير من الضّحايا وتُثير مشاعر الفوضى، وتغيب الأمن والأمان في البلدات العربيّة. يكاد لا يمر يوم دون أن نسمع عن حادث إطلاق نار أو جريمة قتل في المجتمع العربيّ، تدل معطيات مركز ""أمان"" أن دالة جرائم القتل في المجتمع العربي في تصاعد مستمر ومقلق، وحسب معطيات المركز الّذي يتابع ويرصد منذ سنوات عديدة جرائم القتل في المجتمع العربي، أنه منذ مطلع سنة 2000 حتّى اليوم قُتل أكثر من 1,450 مواطنة ومواطنًا عربيًا، وغالبية جرائم القتل نفذت بواسطة الأسلحة النّارية.

إن عمليّات إطلاق النّار في المجتمع العربي، لا تحدث بشكل عشوائيّ إنما هي أعمال مخطّطة من قبل جهات من المفروض أنها معروفة للشرطة؛ وهي جزء من نشاط الجريمة المنظمة والسّوق السّوداء. ومن هنا فإنَّ الشّرطة هي الوحيدة القادرة على معالجة هذه الأعمال وتقليصها بشكلٍ كبيرٍ، ويتمثّل التحدّي الأكبر للشرطة ولسلطة القانون بالقدرة على تغطية مناطق واسعة جغرافيًا والحضور الفعال والنّاجع والسّريع، وتتبّع العدّد الأكبر من الضّالعين والمشتبه بهم وتشديد العقوبات لردعهم. وتُظهر المعطيات الواردة في تقرير مراقب الدّولة حول ""تعامل شرطة إسرائيل مع حيازة السّلاح غير المشروعة وإحداث إطلاق النّار في البلدات العربيّة والبلدات المختلطة""، الذي نُشر في 15.08.2018، إن ""أجهزة الأمن، وخاصة الشّرطة وجهاز الأمن العام (الشّاباك)، فشلت في منع انتشار واستخدام السّلاح غير المرخص في المجتمع العربي، الأمر الذي كان له الأثر الهائل على ارتفاع نسبة الجريمة في الشّارع العربي.""

وتشير المعطيات الواردة في تقرير مراقب الدّولة أنّه بين السّنوات 2104-2016 ""كانت نسبة مخالفات إطلاق النّار في البلدات العربيّة أعلى بنسبة 17.5 مرة من معدل الجرائم المذكورة في المجتمع اليهودي""، وبحسب بيانات الشّرطة نسبة العرب الضّالعين بمخالفات عنف اتجاه الجسد هي أعلى بضعفين من نسبتهم في المجتمع، وأنّ ""نسبة الضّالعين في جرائم قتل أعلى بضعفين ونصف. إن ظاهرة انتشار واستعمال السّلاح في المجتمع العربي أدت وتؤدي إلى تفاقم العنف والجريمة في البلدات العربيّة وتجعل الحياة اليوميّة صعبة ومؤلمة، هذا الواقع سيزداد صعوبة وتعقيدًا ما دامت سياسة الإهمال والاقصاء التي تنتهجها الحكومة وأذرعها المختلفة مستمرة. على الحكومة أن تقتنع بأن إمكانيات النّجاح قائمة، وأن هناك ضرورة للإعلان عن خطّة طوارئ لمواجهة ظاهرة العنف في المجتمع العربيّ، وانه من الممكن إحداث تغيير حقيقيّ في الوضع الذي تمّ وصفه أعلاه وتقليص مستوى الجريمة واستخدام السّلاح وذلك في حال توفّر الإرادة والقرار السياسيّين، إلى جانب معالجة عميقة ومتواصلة وجادّة من قبل الوزارات المختلفة مع ضمان تمويل حكوميّ كافٍ ومتواصل لسنوات عديدة.

على ضوء ارتفاع منسوب العنف والجريمة في السّنوات الأخيرة، وتكرار جرائم القتل وحالات إطلاق النّار المستمرة دون رادع في مجتمعنا العربي، أقامت لجنة المتابعة واللّجنة القطريّة لرؤساء السّلطات المحليّة في مطلع العام 2018 طاقمًا مهنيًا خاصًا من أجل وضع رؤية استراتيجية وبلورة برنامجًا شاملًا للحد من انتشار العنف والجريمة، وانشغل المختصون على مدى أشهر طويلة في مسببات تفشي العنف والجريمة في المجتمع العربي، من النواحي كافة، بدءًا من سياسات التّمييز العنصري والإهمال الاقتصادي الاجتماعي، وصولًا إلى جوانب مجتمعيًة من البيت إلى الشّارع، وفي مرافق الحياة كافة من المدرسة إلى الحياة العامة. ومع نهاية العام 2019 تم الإعلان عن كتاب المشروع الاستراتيجي لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، والذي هو بمثابة تصوّر لإطار عام لبرنامج شامل يتطلع إلى مكافحة العنف في مجتمعنا.

تولي اللّجنة القطرية لرؤساء السّلطات المحليّة اهتمامًا كبيرًا لموضوع مواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، وتقوم بجهود مكثفة من أجل بناء مقترح لخطة تنفيذيّة تشمل المطالب والبرامج التي تضمن تقليص في ظاهرة العنف والجريمة التي تعصف بمجتمعنا، وتشمل أيضًا التّغيير المطلوب في السّياسات والتّدابير الحكومية التي من شأنها معالجة هذه الظّاهرة المقلقة. وكل ذلك من خلال عمل لجنة العنف والجريمة المنبثقة عنها وبالتعاون مع جمعية الجليل، وبالتنسيق مع باقي مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مجال مكافحة العنف. الهدف الأساس لبلورة خطة العمل التّنفيذية هو: الحصول على نتائج مرجوة ومرغوبة وتحقيق التّغيير المطلوب الّذي نطمح إليه، وهو: توفير جودة حياة أفضل في قرانا وبلداتنا ومدننا العربيّة، من منطلق أن الأمن والأمان الشّخصي (الّذي يفتقده مجتمعنا حاليًا)، هو مركّب أساسي ومقياس مُتفق عليه علميًا لجودة الحياة المرجوة.

على ضوء التّحرك والضّغط الجماهيري بما يشمل الإضراب العام والشّامل، بقرار من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة، وتنظيم مظاهرة قطرية غاضبة شارك بها الآلاف احتجاجًا على أعمال العنف والجرائم في المجتمع العربي، وإغلاق شارع 85 المقابل لمجد الكروم. وبناءً على طلب رؤساء السّلطات المحليّة العربيّة، وأعضاء الكنيست من القائمة المشتركة قرّر رئيس الحكومة نتنياهو في أواخر سنة 2019 تشكيل لجنة خاصة مكونة من مديرين عامين للوزارات الحكومية، تهدف وضع خطة حكوميّة شاملة لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، وقد قمنا بالمشاركة والمساهمة في جلسات عمل هذه اللّجنة وطرح تصورنا ومطالبنا العينيّة في كلّ مجال ومجال، وقد تم مؤخرًا نشر ملخص توصيات اللّجنة لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، طبعًا لم يعلن بعد عن الخطة المفصلة وعن حجم الميزانيات والموارد المخصّصة لها من الوزارات المختلفة، وحتى الآن لم تتم المصادقة عليها وتبينها بشكل رسمي من قبل الحكومة.

ملخص رد اللّجنة القطريّة على ""الخطة الحكومية"" لمكافحة الجريمة بالمجتمع العربي

تؤكد اللّجنة القطريّة على دعمها وتبنِّيها للقرارات والمواقف المشتركة الأخيرة التي اتخذت بخصوص الخطة الحكومية، بين ممثلي لجنة المتابعة العليا واللّجنة القطريّة، والقائمة المشتركة في الكنيست، باعتبار المشروع الاستراتيجي الذي أصدرته لجنة المتابعة واللّجنة القطريّة لمواجهة العنف والجريمة في المجتمع العربي، قبل نحو عام، هو ما نستند له وهو المرجعيّة الأساسيّة والمحوريّة في هذا الاتجاه، وضرورة إقامة إطار مُوَحّد وجامع في هذا الصدّد قطرياً ومحليًا، وباعتبار الخطة الحكومية الأخيرة، على بعض جوانبها الإيجابيّة والهامة، إلّا أنها غير كافيّة وغير كاملة وليست شاملة وواضحة بما فيه الكفايّة، على الرّغم مما عرضه ممثلو اللّجنة القطريّة من ملاحظات حولها، خلال الأشهر الأخيرة في مختلف الأبعاد.

الخطة الحكوميّة المقترحة، التي تم تكليف مجموعة من المُديرين العامين للوزارات ذات الشأن لبلورتها، هي خطة الحكومة، وليست خطة الجماهير العربيّة، ولا المتابعة واللّجنة القطريّة والقائمة المشتركة، بما تتضمنه، بما ينفذ منها وما لا ينفذ. فقد تكون هناك بنود جيدة ولكن اختبار هذا الجيد بالتّطبيق، ونحن نحمل موقفا نقديًا من الحكومة وخطّطها.

دعت اللّجنة القطريّة إلى قيام اللّجنة المهنيّة التخصُّصية المنبثقة عنها- الطاولة المستديرة، بالتّشاور والتّنسيق مع الهيئات والجمعيات المهنيّة، ومع القائمة المشتركة ولجنة المتابعة العليا، بإعداد مستند مهني يشمل الملاحظات والاقتراحات التي تمثِّل الجماهير العربيّة واحتياجاتها ومواقفها، في مجمل ما يتعلق بمواجهة العنف والجريمة، ويشمل التّأكيد على الدّور الأساس والمحوري لرؤساء السّلطات المحليّة في هذا الخصوص، في إطار الموقف الوحدوي الجماعي والشّامل.

المستند الذي تمت صياغته هو بمثابة رد شامل ومفصل عن الخطة الحكومية المقترحة، وهو نتاج عمل مشترك بين اللّجنة القطريّة و٢٠ من جمعيات المجتمع المدني، وبمشاركة ٤٠ من المختصين والمهنيين، وبالتنسيق مع سكرتاريا القطريّة ولجنة العنف البرلمانيّة وأعضاء المشتركة. ويشمل المستند ملاحظات ومحاذير وتوصيات، وأيضًا اقتراحات عينيّة في شتى المجالات المتعلقة في مواجهة العنف والجريمة. وقد بدأنا العمل المهني مقابل الطواقم الحكوميّة لضمان ملائمة البرامج والخطّط الحكوميّة لاحتياجات مجتمعنا العربي.

أبرز الأمور الواردة في مستند السّياسات الحكومي، وردنا على محتواه واستنتاجاته والإجراءات المقترحة:

ملاحظات عامة:

وضع خطة حكوميّة لمواجهة العنف والجريمة هو مطلب المجتمع العربي: جاء تشكيل اللّجنة بقرار من رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عقب المظاهرات التي شهدتها البلدات العربيّة العام الماضي 2019، احتجاجًا على تفاقم العنف والجريمة وغياب سلطة القانون وتواطؤ الشّرطة وتقاعسها عن مكافحة جرائم القتل في المجتمع العربي.

إنّ تطور ظاهرة العنف والجريمة في المجتمع العربي لم يأتي من فراغ، وهي ليست مسألة قضاء وقدر، إنما هي نتيجة مباشرة لسياسة حكوميّة طويلة الأمد لإهمال المجتمع العربي، وموقف من التّمييز الممنهج والمستمر ضد الجماهير العربيّة في القضايا الاجتماعيّة والمجتمعيّة، والأرض والمسكن، والاقتصاد والتّجارة والصّناعة، وان سياسات التّهميش والإقصاء التي عمدتها الحكومات المتعاقبة كانت البيئة الحاضنة والمغذيّة للعنف والجريمة التي استفحلت وطورت ثقافة عصابات ومجموعات الجريمة المنظمة، وعليه وضحنا من خلال ردنا، رفضنا لمحاولة تنصل الحكومة من مسؤوليّة المشهد الدّموي الّذي يعيشه المجتمع العربي، ومحاولة تحميل الضّحية كامل المسؤوليّة عن الأسباب والمسببات والواقع العنيف.

محاولة الرّبط بين مشاريع الأسرلة والاندماج بالمجتمع الإسرائيلي وتفاقم العنف والجريمة في المجتمع العربي مرفوضة، إذ ينظر ويتعامل الطّاقم الّذي أعد الخطة مع العنف والجريمة بأنها تقف عائقًا أمام اندماج الشّبان العرب بالمجتمع الإسرائيلي، وكأن هنا تكمن ""المشكلة"" وهذا ما رفضناه رفضًا قاطعًا.

تخطيط العمل الحكومي: لا تأخذ عملية تخطيط العمل الحكومي في الحسبان بشكل منهجي الخصائص الاجتماعية والثّقافية والتّخطيطية للمواطنين العرب والسّلطات المحليّة، ونتيجة لذلك في العديد من المجالات يتم وضع خطط حكومية تحدّد أهداف الأداء على المستوى القطري العام، دون إشارة محدّدة إلى المجتمع العربي. يُظهر فحص المؤشرات والمخرجات والمقاييس في المستند الحكومي أن جزءًا كبيرًا منها هي مؤشرات إشكالية ويصعب تطبيقها وتنفيذها في المجتمع العربي، وهناك حاجة لإعادة فحص مدى ملاءمتها وقابليتها للتطبيق في المجتمع العربي، وإجراء التّعديلات اللازمة وإنشاء مؤشرات ومقاييس ملائمة.

التّنسيق بين الوزارات: هناك نقص في التّنسيق بين الوزارات في العمل الحكومي الّذي يتعلق بمجال منع العنف والجريمة، إذ تعمل كل وزارة بمفردها، دون تنسيق وتزامن.

ميزانية البرنامج والخطّط التّفصيلية: عدم وجود تفاصيل ميزانية الخطة- ما هي التّكاليف والموارد الحكومية لتنفيذ الخطة؟ وأيضًا، في معظم الحالات لا تتضمن الوثيقة الخطط العمليّة للوزارات الحكومية وتكتفي ببيان النّوايا فقط. يجب أيضًا ملاحظة الأولويات في الخطّط المقترحة وفقًا للأهمية ووفقًا لعمليات التّغيير الّتي تهدف إلى إحداثها.

التّركيز على دور السّلطات المحليّة والقيادات المحليّة ممثلة بالرؤساء وبمنتخبي الجَمهور في المجالس والبلديات في مواجهة العنف والجريمة هو أمر مهم، ولكن دون تغييب شبه تام للقيادات السّياسية والحزبية والفعاليات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني ولجنة المتابعة العليا، إذ يناقش المستند الحكومي أعمال العنف والجريمة وكأنه لا توجد قيادات سياسيّة وأحزاب عربيّة، وهذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقع. كما أن أشار المستند الحكومي إلى أن معالجة الظّاهرة بحاجة لتدخل حكومي شامل ومعمّق، عبر توفير الحراسة لرؤساء السّلطات المحليّة وتوفير منظومة حكوميّة لنشر ومراقبة المناقصات والعطاءات، ما يعني وصايّة وإدارة سلطويّة عليا تُشرف على موارد وميزانيات المناقصات. نرى أنه من غير المناسب أن يتم تقليص وتحديد الصّلاحيات ونقل المسؤوليّة من السّلطات المحليّة إلى الجهات الخارجية بطريقة شاملة وجارفة، إنما وفقًا لاحتياجات وبيانات كل سلطة محليّة وبالتعاون الكامل مع الرّؤساء.

الإجراءات المتعلقة بمجال إنفاذ القانون في المجال الاقتصادي والمالي

السّوق السوداء: أقر الطّاقم الّذي أعد المستند الحكومي بأنَّ فوضى السّلاح وظاهرة استعمال الأسلحة ساهمت في تدعيم ""السّوق السّوداء"" في البلدات العربيّة، وهي السّوق التي رسخت معالم العنف والجريمة وتستعمل كوسيلة عقابية ضد كل من لا يدفع الخاوة أو يعجز عن جدولة ديونه لعناصر الإجرام، والسّوق السّوداء التي تتغذى بالأساس من المبالغ النّقدية الكبيرة والضّخمة التي يحتفظ بها الجمهور العربي لأسباب مختلفة، تعود لعدم الإبلاغ عن الدّخل لسلطات الضّريبة، ثم أن تملُك المبالغ النّقدية يُنظر إليه كقوة اجتماعية.

في المستند الحكومي تم تسليط الضّوء على العقوبات الاقتصاديّة وضرورة استخدامها لمكافحة عصابات الجريمة المنظمة في المجتمع العربي. وتطرق لتحفظه على ما أسماه ثقافة ادخار المواطن العربي واحتفاظه بمبالغ ماليّة نقدية في منزله، ما يعني أن هذه المبالغ قد تكون تحت طائلة المصادرة ووضع اليد عليها وتحويلها لسلطات الضريبة بذريعة مكافحة العنف والجريمة. ولا تقتصر العقوبات الاقتصادية على مصادرة الأموال ووضع اليد عليها، بل اقترحت الخطة الحكوميّة أن تهدم منازل وعقارات وممتلكات كل من يُدان بالإجرام وينشط في عصابات الجريمة المنظمة ويرتكب مخالفات جنائية.

موضوع الائتمان والاعتماد (אשראי): إحدى النّقاط المهمة في مجال المعاملات الماليّة هي موضوع الائتمان والاعتماد في المجتمع العربي، أكدنا على ضرورة تسهيل شروط الائتمان وشروط الحصول على القروض في المجتمع العربي من أجل تقليل الاعتماد على قروض السّوق السّوداء. إنَّ عدم وجود توصيات مركزة ومفصلة حول هذه القضية قد يؤدي إلى عدم وضوح وبلبلة في تطبيق التّوصيات الحكوميّة المقترحة.

ومن بين الأسباب المحفزة للعنف والجريمة، أشارت الخطة إلى أزمة السّكن والاكتظاظ في المجتمع العربي، ومشكلة التّنظيم والبناء، وإشكالية تسجيل العقارات، وعدم الحصول على قروض الإسكان، كل هذه الأسباب ساهمت أيضًا في تفاقم الجريمة، لكن دون أن يتم الإشارة إلى مسؤوليّة الحكومة ومختلف الوزارات عن هذه القضايا الحارقة التي يعانيها المجتمع العربي، مع التّوصية بمزيد من التّدخل الحكومي الّذي يتجاوز ما تم إنجازه في السّابق.

الإجراءات المتعلقة بمجال إنفاذ القانون في المجال الجنائي

دون أن تُحمّل الشّرطة المسؤولية، يشير المستند الحكومي بأنَّ تفاقم العنف والجريمة يعود بالأساس إلى انتشار الأسلحة غير المرخصة وفوضى السّلاح في البلدات العربيّة، وهذا أحد العوامل الرّئيسة لتغذية أعمال العنف والإجرام، إذ تستخدم الأسلحة لارتكاب جرائم قتل، وأخرى كالسّرقة، والابتزاز، والخاوة. ويستخدم السّلاح في سياق الصّراعات بين العصابات الإجراميّة والنّزاعات بين العائلات المختلفة.

فتح مراكز شرطة في البلدات العربيّة: في رأينا إن الأمر الأهم في هذا المجال أن يكون التّركيز على جودة ونجاعة عمل الشّرطة، وتأهيلهم للعمل في المجتمع العربي ومهم أيضًا تغيير جذري في مواقف وسياسة الشّرطة تجاه المجتمع العربي. في نفس الوقت هناك مجال لتحديد أهداف واضحة وكميّة لمحطات الشّرطة في البلدات العربيّة.

الشّرطة البلدية: يجب فحص نموذج تفعيل الشّرطة البلدية في البلدات العربية، تنجيع عمل الشّرطة البلدية بحيث يعزّز عمل السّلطات المحلية في مجال توفير الأمن الشّخصي للمواطنين، ولكن يجب إعادة فحص نموذج التّشغيل الحالي، وتوسيع أهداف النّشاط والتّركيز في المجالات التي تحددها السّلطة المحليّة.

موضوع استخدام الوسائل التّكنولوجيّة ونظام كاميرات المراقبة: حظي الموضوع باهتمامٍ ضئيل في تقرير فريق الرّئيس التّنفيذي، ونطالب بتشكيل فريق خاص يقوم بإعداد خطة احترافيّة ومفصلة وميزانيّة، بالتّعاون مع رؤساء السّلطات المحليّة العربيّة. نتوقع معالجة هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن.

انتشار الأسلحة: يجب أن تتضمن الخطة إجراءات ملموسة وأهدافًا قابلة للقياس لمكافحة الأسلحة غير المصرح بها في المجتمع العربي. لا خلاف حول مركزيّة الأسلحة النّارية غير المرخصة في تصعيد حوادث العنف في المجتمع العربي.

البرامج والإجراءات المقترحة في مجال التّربية والتّعليم ومجال الرفاه الاجتماعي

فيما يتعلق بالبرامج والإجراءات المقترحة في مجال التّربية والتّعليم ومجال الرّفاه الاجتماعي والعنف داخل العائلة والعنف ضد النّساء، نرى من الضّروري، التّنسيق والتّشاور مع منتدى مديري أقسام الرّفاه الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني ولجنة متابعة قضايا التّعليم، من أجل فهم عميق للاحتياجات الميدانية والخصائص الفريدة للمجتمع العربي، والتّحديات الخاصة في تنفيذ البرامج التّربوية والاجتماعيّة في البلدات العربيّة.

مواجهة العنف والجريمة في إطار خطة حكوميّة شاملة يجب أن تعالج جذور وأسباب العنف والجريمة. وعليه، فإن التّعليم مركب أساس في هذه الخطة وبدونه سيكون تأثير المخطّط محدودًا. يجب تدعيم المعلمين والمعلمات وإعطائهم الأدوات المطلوبة لمواجهة العنف داخل المدارس، فهم الحلقة الأساس في العمليّة التّربوية وهذا يتطلب تغييرًا جديًا في عملية إعداد المعلمين ومرافقتهم المهنيّة خلال عملهم. وإذا كانت وزارة التّربية والتّعليم معنية بالتّغيير وبوضع حد للعنف عليها أولا تغيير توجهها وسياستها تجاه التّعليم العربي ككل، تبني سياسات مبنيّة على المساواة التّامة، الاعتراف، العدالة الاجتماعيّة، رفع نسبة النّجاح في الامتحانات المختلفة وبلورة برامج خاصة للطلبة المعرفين على أَنَّهم ""في ضائقة"". يجب أن تمنح البرامج الطّلبة مهارات حياتية للعيش في واقع مركب، وعلى وزارة التّعليم ومن خلال حوار متواصل وحقيقي بلورة خطة شاملة مع المجتمع العربي وممثليه وملائمة الخطّط لاحتياجات المدارس المختلفة.

برامج للنساء والفتيات العربيات: برأينا قضية المرأة قضية مهمة ومحوريّة ومهم بناء برامج وأطر مناسبة لاحتياجاتهن، ولم يولي المستند الحكومي الاهتمام الكافي لأهمية العمل مع شريحة النّساء العربيات.

القضايا التي لم يتم تناولها بشكل مناسب في المستند الحكومي

عدم التّطرق لاحتياجات ولخصوصيّة المجتمع العربي في النّقب بما في ذلك القرى غير المعترف بها.

عدم التّطرق لاحتياجات ولخصوصية المجتمع العربي في المدن المختلطة.

عدم التّطرق لأهميّة البنيّة التّحتية التّكنولوجية والرّقمية، وعلاقتها في التّطور الاقتصادي في البلدات العربية. وتأثير هذا الأمر على العنف والجريمة.

عدم التّطرق لبرامج لعلاج وتمكين عائلات ضحايا الجريمة.

لا يُمكن فهم تطوّر هذه الظّاهرة المقلقة دون الاعتراف بأنّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصورة وماهية تعامل الدّولة مع المواطنين العرب. توفير الأمن والأمان للمواطنين هو بالأساس مسؤوليّة الدّولة، ومن المفروض أن تقوم الشّرطة بهذه المهمة، ومن الواضح أن حضور وأداء الشّرطة المتدني وغير النّاجع في المجتمع العربي، يسهم باستمرار وتعزيز أعمال العنف والجريمة في البلدات العربيّة التي تُسفر عن وقوع الضحايا بشكلٍ شبه يوميّ تقريبًا.

محمود نصار

مركز لجنة مواجهة العنف والجريمة المنبثقة عن اللجنة القطريّة لرؤساء السّلطات المحلية العربيّة

شاركونا رأيكن.م