المسؤوليّة الأساسيّة للقضاء على العنف والجريمة تقع على عاتق الدّولة

إرتفعت جرائم القتل في المجتمع العربي إلى أبعاد غير مسبوقة خلال 2020، وبلغ مجموع القتلى 113 شخصا بينهم 96 رجلا و17 امرأة، مقارنة مع العام المنصرم (94) بزيادة 20 في المئة.

بحسب بيانات الشّرطة التي ظهرت في تقرير مراقب الدولة ، فقد قُتلت بين الأعوام 2014 و2016 (نهاية أكتوبر) 30 امرأة عربيّة، شكّلن 42٪ من مجمل النّساء المقتولات في إسرائيل في الفترة ذاتها (ضعف نسبتهنّ في المجتمع ككل). بين السّنوات 2017-2019، قُتل عدد مشابه من النّساء العربيّات . عدد كبير من بين هؤلاء النّساء كنّ قد توجّهن قبل قتلهنّ إلى أقسام الرّفاه الاجتماعيّ أو إلى الشّرطة واشتكين عن العنف الذي عانين منه .

أكّد تقرير مراقب الدّولة الذي نُشر في 15.08.2018، أنّه بحسب بيانات الشّرطة نسبة العرب الضالعين بمخالفات عنف اتجاه الجسد هي أعلى بضعفين من نسبتهم في المجتمع، وأنّ نسبة الضّالعين في جرائم قتل أعلى بضعفين ونصف. من ضمن أبرز ظواهر العنف في المجتمع العربيّ: حيازة أسلحة غير قانونيّة مثل؛ البنادق، والمسدّسات، والقنابل اليدويّة، والقنابل الصوتيّة، والعبوات النّاسفة، وكثرة حوادث إطلاق النار والتّخريب التي تشكّل خطرًا على حياتنا جميعًا. كما يشير التّقرير إلى أنّ نسبة مخالفات إطلاق النّار في المجتمع العربيّ بين السّنوات 2014 و2016 كانت أعلى بـ 17.5 مرّة من نسبة المخالفات ذاتها في المجتمع اليهوديّ. كذلك، فإنّ نسبة المتضرّرين من أحداث العنف التي استخدمت فيها أسلحة في المجتمع العربيّ أعلى بـ2.5 حتّى 12 مرّة من نسبة المتضرّرين من أعمال عنف كهذه في الأوساط الأخرى من المجتمع الإسرائيليّ.

لا تقوم الشّرطة ولا وزارة الأمن الدّاخليّ بتوفير بيانات منهجيّة ومفصّلة حول هذه القضية، إلّا أنّ مؤسسات المجتمع المدني المتابعة للقضية قد وجدت أنَّ غالبيّة الضّحايا قُتلت بنيران أسلحة غير مرخّصة.

تتفاقم ظاهرة الجريمة واستخدام الأسلحة الناريّة من سنة إلى أخرى. ويؤدّي التوفّر الكبير للأسلحة في المجتمع العربيّ إلى زيادة عدد أحداث العنف الخطيرة، مثل القتل والاعتداءات. تقع هذه الحوادث العنيفة في البلدات العربيّة، بالأساس، كما أنّ ضحاياها هم، بالأساس أيضًا، أبناء وبنات المجتمع العربيّ. تشكّل مخالفات حيازة الأسلحة وإطلاق النّار خطرًا على الحياة كما لا يقتصر ضررها على الضالعين فيها فقط، بل على الأمن الشّخصيّ وجودة حياة المواطنين الأبرياء.

يُلزم الوضع الذي تمّ وصفه أعلاه تدخّلًا حكوميًا جادًا وعميقًا وشاملًا. فمن الممكن إحداث تغيير حقيقيّ في الوضع الذي تمّ وصفه أعلاه وتقليص مستوى الجريمة واستخدام السّلاح وذلك في حال توفّر الإرادة والقرار السياسيّين، إلى جانب معالجة عميقة وجادّة من قبل السّلطات. لذا فالمطلوب هو خطّة حكوميّة شاملة، وتكامليّة، تشدّد على التّدابير الوقائيّة، وتتأسّس على المعرفة والتّجربة الموجودة في إسرائيل والعالم.

هذا ما توصلنا إليه في مجموعة نساء ضد السّلاح حيث عرضنا ورقة موقف مفصلة وقع عليها أكثر من 40 منظمة وشخصيات مستقلة قدمت للكنيست وللوزارات المختلفة وشملت الورقة مقترحات مفصلة حول التّدابير: التي تُلزم بعمل مشترك بين السّلطات، سياسات بمسؤوليّة الشّرطة، ضروريّة من خلال التشريعات، ضروريّة بقيادة وزارة الأمن الداخليّ، ضروريّة بقيادة وزارة المساواة الاجتماعيّة، والامتثال للالتزامات الدوليّة لمنع نشر الأسلحة الخفيفة والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

1. خطة حكوميّة ووزاريّة للقضاء على الجريمة المنظّمة في المجتمع العربيّ تجمع عدّة وزارات، للقضاء على هذه الظّاهرة في المجتمع العربيّ.

2. تفكيك البنيّة التحتيّة الاقتصاديّة للجريمة المنظّمة من خلال خطّة قُطريّة لكلّ السّلطات المرتبطة بالموضوع، وتخصيص الموارد المطلوبة للقضاء على الجريمة المنظّمة بشكل يضمن الوصول إلى المنابع الاقتصاديّة التّابعة لهذه المنظّمات وتجفيفها.

3. منع تسرّب سلاح قانونيّ للسوق السّوداء وتجفيف مصادر السّلاح والجريمة– بحسب تقرير مراقب الدّولة، تصل الأسلحة للمجتمع العربيّ من ثلاثة مصادر أساسيّة: سرقات من الجيش الإسرائيليّ، تهريب من الأردن، وإنتاج بالمناطق الفلسطينيّة المحتلّة. يجب وضع خطة تجمع عددًا من الوزارات والمنظّمات وتهدّف إلى منع استمرار تسرّب السّلاح والذّخيرة من مصادر مرخّصة إلى مصادر غير مرخّصة.

4. فكّ رموز الجرائم وضمان محاكمة المجرمين وتحسين مؤشّر ""احتمال القبض على المجرمين"" (تحسين منظومة التّحقيقات. تقديم لائحة اتهام والقبض على المتّهم ومحاكمته وربما إدانته).

5. ثورة بتوجّه الشّرطة كهيئة وبتوجّه عناصر الشّرطة كأفراد تجاه المجتمع العربيّ نحو استئصال التّوجه الأمنيّ والعنصري وتطوير وتجذير التوجّه الخدماتيّ (المطلوب هو تغيير في الفرضيات الأساسيّة التي ترى بالمجتمع العربيّ عدوًا بدل أن يراه مجتمع مواطنين متساوي الحقوق بشكل كامل).

6. حملات جادّة وطويلة الأمد لجمع السّلاح ( ترتكز إلى تجارب قامت بها دول أخرى، وكذلك على الدّروس المستفادة من هذه التّجارب: كاختيار توقيتها في فترة ازدياد الوعي الجماهيريّ، وتنفيذها في إطار تشريعيّ أو تغيير واسع النطاق في السّياسات، وعلى مدى فترة زمنيّة لا تقلّ عن ستّة أشهر، ضمان السّريّة في حملات جمع السّلاح ووضع نقاط التّسليم في أماكن مناسبة وحياديّة خاليّة من أي تداعيات أمنيّة، وتوفير ظروف تضمن الحصانة ومحفّزات مناسبة وذات مصداقيّة، تخطيط حملة جمع السّلاح من خلال علاقة وثيقة مع الجمهور، وبالتّعاون مع جهات في المجتمع المدنيّ والقيادة المجتمعيّة، تفكيك وتخريب قطع السّلاح التي تمّ جمعها من أجل منع دخولها مجدّدًا إلى مخزون السلاح غير المرخّص.)

7. حماية الشّهود والمهدَّدين هي حق مدنيّ أساسيّ وشرط ضروريّ لتحسين قدرة الشّرطة على فكّ رموز الجرائم

تدلّ البيانات أنّ الكثير من النّساء العربيّات اللواتي قُتلن في السّنوات الأخيرة، كانوا معروفات للسلطات، بما في ذلك الشّرطة، إذ كنّ قد تقدمنّ بالإبلاغ لها عن عنف في العائلة. يردع فشل الشرطة في حماية هؤلاء النّساء نساءً أخريات، والجمهور بشكل عامّ، من التوجّه إلى الشّرطة عند الحاجة.

8. وقف العلاقات التّبادليّة بين الشّرطة ولجان الصّلح و""المحكَّمين"" (التخلّي فورًا عن ""التّفسيرات الثّقافيّة"" التي تقدّمها للتعامل الخاص التي تقوم به أو تسمح به لمعالجة المخالفات في المجتمع العربيّ، والتي ترتكز على توجّه أبويّ واستعماريّ وليس على تحليل اجتماعي، أحد أوضح النّماذج على الاستخدام الخطير للتفسيرات الثقافيّة هو في موضوع لجان الصّلح في المجتمع العربيّ برعاية الشّرطة، والذي يضاعف الغبن تجاه الضحيّة ويمنع معاقبة المجرمين وردعهم، كما وأنها آلية تُقصي النّساء من دوائر اتخاذ القرارات حتّى عندما يكنّ ذوات شأن بالقضية، أو يكنّ هنّ المهدَّدات الأساسيّات. لذلك، على الدّولة والشّرطة الامتناع عن تقويّة هذه الآلية وعدم التّعاون مع لجان الصّلح وذلك لمنع تقويّة العناصر المستفيدة منها. يجب أن تُستبدل لجان الصلح بعمليات التحكيم المهنيّة التي ستعمل، عند الحاجة وحيث يمكن ذلك، لحلّ الصراعات في المجتمع).

9. تشريعات وقائيّة، وتغييرات في قوانين ترخيص الأسلحة الناريّة والإشراف عليها: وضع شروط صارمة أكثر للحصول رخصة وتشديد الرّقابة والإشراف

10. إقامة هيئة مشتركة لوضع سياسة السّلاح في إسرائيل

11. دمج تحليل حسّاس جندريًّا في تخطيط وتطبيق سياسات مرتبطة بالسّلاح والجريمة حيث يؤثّر توفّر الأسلحة الناريّة وشيوع العنف المسلّح وتوسّع الجريمة على النّساء وعلى الرّجال بأشكال مختلفة ومتمايزة.

12. جمع المعلومات عن الجرائم والضّحايا، تقسيم وتحليل المعلومات ونشرها كبنية تحتيّة أساسيّة لتحديد مراكز العنف بشكل دقيق، ولتشخيص مجموعات معرّضة للأذى من أجل اتّخاذ تدابير وقائيّة إلى جانب معالجة ذكية وناجعة لمُسَبّبي العنف والمتضرّرين منه

13. تخصيص وسائل لائقة وكافية لإعادة تأهيل السّجناء

14. تطبيق خطّة للقضاء على العنف ضد النّساء

ثُلث النّساء اللواتي قُتلن في سنة 2018 في إسرائيل (32٪) قتلن رميًا بالرّصاص. بحسب الأبحاث في العالم، تزيد منالية الأسلحة الخفيفة في الحيّز المنزليّ، بشكل كبير، من احتمال قتل النساء، إذ وجد ارتفاع بـ 3 إلى 5 أضعاف في احتمالات قتل النساء في بيت فيه سلاح ناريّ.

كما هو مذكور في مقدّمة هذه الورقة، يبرز التّمثيل الزائد للنساء العربيّات بين ضحايا قتل النّساء في إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير إعلاميّة بالسّنوات الأخيرة إلى ارتفاع متزايد لضلوع الجريمة المنظّمة في قتل النّساء وفي فتح قنوات لـ""طلب"" القتل من جهات إجراميّة.

15. تقديم تقرير عن تنفيذ إسرائيل لـ""برنـامج العمـل لمنـع الاتجـار غير المشروع بالأسلحة الصّغيرة والأسلحة الخفيفـة ومكافحتـه والقضاء عليه"" كدولة عضو في منظّمة الأمم المتحدة، دولة إسرائيل ملزمة بالجهود الدوليّة لمنع انتشار الأسلحة الخفيفة. بحسب هذا البرنامج تلتزم كلّ الدّول الأعضاء بالأمم المتحدة بإدخال تحسينات في قوانين الأسلحة الناريّة، وتقوم بتشديد إدارة مخازن الأسلحة الخفيفة وتطوير آليات الإشراف على استيراد وتصدير السّلاح. لقد وافقت الدّول الأعضاء أيضًا على تقديم تقارير حول التقدّم في تنفيذ الخطّة قبيل الاجتماعات الدوريّة، التي تُعقد في هذا الشأن. في سنة 2018، وصل عدد الدّول التي قدّمت تقارير تقدّم وطنيّ إلى ذروة، حيث قدّمت 120 دولة تقاريرها. إسرائيل كانت من بين 73 دولة لم تقدّم التقرير.

يُلزم برنامج العمل، مثل قرار الأمم المتحدة رقم 1325، كلّ دولة أن تفحص وتدمج اعتبارات جندريّة في مسار تطبيق برنامج العمل. ومثلما تم التوضيح في الاجتماع الأخير للدول في عام 2018، فإنّ المطلوب من أجل تحقيق ذلك هو أن تكون هناك بيانات شاملة ومقسّمة بحسب الجندر وبحسب مجموعات انتماء، لتشخيص المخاطر والاحتياجات الجندريّة والمجموعاتيّة الخاصّة.

نبيلة اسبانيولي

أخصائية نفسية ومديرة مركز الطفولة مؤسسة حضانات الناصرة

شاركونا رأيكن.م