فوق الأحياء العربيّة في القدس وبجوار المسجد الأقصى تجري أعمال تهويد للمدينة، في الفضاء (تلفريك) وتحت الأرض (أنفاق) وفوق الأرض الاستيطان وإقامة البؤر الاستيطانية، وبمصادقة بلدية الاحتلال في المدينة تم إطلاق أسماء ""حاخامات"" على شوارع قرية سلوان في منطقة بطن الهوا، مما يعني بأن التّهويد والأسرلة أخذت حدها وأصبح في خواتمها الكثير من الأمور. ففي مقابل بناء الآلاف من الوحدات السّكنية الاستيطانيّة وتوسيع المستعمرات القديمة والتّخطيط لإقامة مستوطنات جديدة، نرى بأنَّ لجان التّخطيط والبناء ترفض المصادقة على طلبات البناء للعرب بحجة أنَّ الإجراءات التي كانت متبعة حتى اليوم لم تعد مقبولة، الأمر الّذي يعني منع البناء الشّبه التّام للمقدسيين الذين يعانون فيها من مضايقات كبيرة، ورفض الاعتراف بملكيتهم على الأرض و فرض الضرائب. وتتخذ سلطات الاحتلال من واقع أنَّ أكثر من 90% من الأراضي غير مسجلة رسميًا بأسماء مّلاكها في الطابو مما يعني رفض طلبات التّرخيص، مما يدفعهم إلى البناء بدون ترخيص وتعرضهم إلى سيف الهدم. في نفس الوقت تصادق بلديّة الاحتلال على مجموعة من المخطّطات الهيكليّة للمستعمرات التّي تشمل مشاريع إسكانية وتجاريّة ببناء أكثر من 4416 وحدة استيطانيّة في أرجاء حدود البلديّة، كما وضعت مشروعًا لتطوير المنطقة الصّناعية في (عطروت) بهدف توفير عددٍ كبيرٍ من فرص العمل، وبهذا الصدّد قال رئيس البلدية (موشية ليون): ""هذه أخبار مثيرة بالنسبة لي وللأزواج الشّابة في القدس، وسنزيد من عرض الوحدات السّكنية ونعيد الشّباب إلى منازلهم وهذه البداية، وقريبًا سوف تملأ الرّافعات سماء القدس"". وبشكلٍ متوازِ تم رصد ميزانية تزيد عن 200 مليون شيكل، لتكثيف الاستيطان في البلدة القديمة من خلال تعزيز الوجود اليهودي فيما يسمى (حارة اليهود) حيث تشرف "" شركة لترميم وتطوير حارة اليهود"" على المشاريع الاستيطانية، بينها (مصعد حائط المبكى، وقرية جميلة، ومتحف الحي الهيرودياني، وفسيفساء أورشليم). وجاءت هذه المصادقة على المخطّطات الاستيطانية في الوقت الّذي أظهر معطيات جديدة لدائرة الإحصاء المركزيّة الإسرائيليّة بأنَّ القدس تحتل المكان الأوّل من حيث حجم الهجرة السّلبية، إذ إنّ عدد المغادرين للمدينة يزيد عن عدد المهاجرين إليها، ففي نهاية العام 2017 كان ميزان الهجرة سلبيًا في القدس. غادرها (17098) شخصًا ودخلها (11090) شخصًا آخرًا، كذلك كان هذا الميزان سلبيًا عام 2016. وفي السّياق ذاته كان قائد شرطة لواء القدس السّابق (ميكي ليفي) يدعو لسحب هويات المقدسيين وفصل معظم أحياء وقرى القدس الشّرقية لأن هذا الوجود سيهدّد مستقبل القدس بعد 20 عامًا مؤكدًا أن عدد الفلسطينيين المقدسين في المدينة يتضاعف، وهذا الهاجس يؤرق جميع الأحزاب الإسرائيليّة. وهو قانون الأغلبيّة والأقليّة الّذي وُضِعَ عام 1973 ولم تستطع السّياسات الإسرائيلية طوال أكثر من خمسين عامًا أن تحققها بل على العكس تمامًا، فإن السّكان العرب تكاثروا حتى وصلوا إلى 41% من إجمالي عدّد السّكان، وفي مقابل الهجرة السّلبية اليهوديّة كانت الهجرة الإيجابيّة المقدسيّة. وضمن السّياسات الإسرائيليّة للعام الماضي استمر إغلاق المؤسسات الفلسطينيّة التّي تعتبر شوكة في حلق الاحتلال، وأغلقت مكاتب (وزارة التّربية والتّعليم، وفضائية فلسطين) مما أضاف إلى المؤسسات الفلسطينيّة المغلقة منُذ سنوات المزيد من المؤسسات المحظورة وهذا يعني بأنَّ المدينة تواجه أخطر هجمة، بفرض وقائع جديدة وتنفيذ لصفقة القرن باعتبارها عاصمة لدولة واحدة دون شريك فلسطيني، وهذا يؤكده جميع القادة السّياسيين الإسرائيليين بجميع توجهاتهم، مدُعومين بالضوء الأخضر الأميركي، باعترافهم القدس عاصمة للدولة العبرية، وشرعنة الاستيطان ونقل السّفارة الأميركيّة. كل ذلك يؤشر على أنّ المدينة تواجه أحلّك أوقاتها بغياب التّضامن العربيّ الإسلاميّ.

د. خليل التفكجي

مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية وخبير بارز في شؤون الاستيطان

شاركونا رأيكن.م