الرّباط في بهيّة المساكن خطوة قويّة للحد من تمرّد المحتل

بين حقنا في الوجود وزرع هُويتنا في هذه الأرض، وواجبنا في الدّفاع عن مقدساتنا وعروبتنا التي لا تزال تجابه ظلم الاحتلال وتقلق سيطرته في الاستيلاء على كلّ مكان يحمل طابعًا دينيًا وقوميًا، ويثبت حق الوجود للفرد الفلسطيني على هذا القطر العربي. جاءت فكرة الرّباط في المسجد الأقصى وبين أزقته وفي ساحاته، وتحت قبته الذّهبية التي يطمع فيها ذاك المستعمر الّذي يعرف تمامًا أن هذا الوطن للإنسان العربي؛ وأنه يحاول سلب حقه في العيش في بيته وأرضه رغمًا عنه.

نشأة الرّباط وفكرته:

خلق المواطن الفلسطينيّ في القدس والدّاخل قوة جديدة وكسر حاجز الفاشيّة الصّهيونية، وأقدم على تشكيل إرادة شعب مقاوم. وبدوره أعلن الشّيخ رائد صلاح عن فكرة الرّباط لدعم المسجد الأقصى والعمل على استمراريّة حمايته من أي مواجهات وكان ذلك عام 2010، بداية كانت جمعية إعمار هي الدّاعمة ماديًا ومعنويًا؛ إذ باشرت مجموعة من الرّجال في مناطق 48 على تسيير باصات بشكل أسبوعي من أجل حماية المقدسات وعدم خلوها من المصلين بهدف تشكيل الدّرع المتين الّذي يتصدى لاعتداءات الشّرطة الإسرائيليّة ومنعها من تدنيس أماكن العبادة.
ومع بداية عام 2011 أخذت نساء الدّاخل الفلسطيني وبنات المقدس أيضًا المسؤوليّة في الرّباط وحماية المسجد الأقصى، واستمر ذلك حتى عام 2015 حيث منعت قوات الاحتلال حينها فكرة الرّباط وحظرتها كليًا، ولم تكتفِ بذلك بل عزمت على اعتقال كل فرد حاول الاعتكاف داخل المسجد وفي حرمه.

حكاية مرابطة:

خلال السّنوات الأخيرة اختلف البعض بالسؤال عن المرابطين والمرابطات، أين هم؟ وماذا حدث لهم بعدة فترة مليئة بالمناوشات مع القوات الإسرائيليّة؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها قمت بحوار إحدى أفراد العائلة المرابطة، الّتي اجتهدت وسعت لتكون المعلمة والمركزة والدّاعمة لكل خطوة ومشروع في إطار الرّباط في المسجد الأقصى وحماية المقدسات السّيدة هنادي حلواني طالبة دراسات عليا في مجال حقوق الإنسان والدّيموقراطية، وابنة حي وادي الجوز المحاذي للمسجد الأقصى، التي بيّنت لنا حكايتها التي بدأت عام 2011 في الوقت الذي عقدت العزم فيه على الرّباط الدائم واليومي في المسجد، وكان معها 50 امرأة وشابة.

أشار البعض ممن عرف هنادي لتأثير الكبير والجيّد لكلّ من عرفها كونها معلمة ومركزة لمشاريع فكرة الرّباط، عملت على تأسيس مشروع "مصاطب العلم" الّذي ضمّ حلقات التّعليم والقرآن الكريم في حرم المسجد الأقصى وكثفت التواجد فيه، لكن سرعان ما قمعت قوات الاحتلال هذه التّجمعات بحجة زعزعة الأمن والأمان في محيط قبة الصخرة باعتباره حيّز عام وليس مكان لإنشاء المشاريع التّعليمية الدّينية، لينتقل بعدها لداخل المسجد.

تحدثت هنادي بموضوع ابعادها عن المسجد الأقصى إذ قالت: "أوّل مرة تلقيت أمر الابعاد لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد كان عام 2013، شمل هذا الأمر اقتحام البيت وتكسيره، منعي من السّفر والاعتقال من مرتين إلى ثلاث مرات، وجاء قرار الابعاد إثر التّهديدات الكثيرة من قبل الشّرطة والمخابرات الإسرائيليّة عام 2012، التي وصلت أهلي وزجي أيضًا بهدف ردعي من مواصلة الرّباط".

أما في ما يتعلق بحصيلة الاعتداءات والابعاد كافة أضافت السيّدة حلواني: "منذ عام لم أصلي في المسجد الأقصى وممنوعة من زيارته، فقد تلقيت الاعتداءات 62 مرة، ومرات الاعتقال فهي 9 مع السّجن أحيانًا لأيام قليلة إضافة لاقتحام البيت والحاق الضرّر فيه لأكثر من 10مرات. وكلّ هذا كان بحجة تقديمي للمنشورات التّحريضيّة بجانب علاقتي مع أفراد يشكلون خطرًا على الدّولة الإسرائيليّة كما يدعي المحتل".

وفي السّياق ذاته أردفت هنادي أنه تم إغلاق صفحتها على "الفيسبوك" بعد وصول عدّد المتابعين لربع مليون، بذريعة تحريض النّاس على الحكومة والسّلطات الإسرائيليّة.

 كيف يشكل الرّباط بعدًا دينيّا ووطنيًا؟

وفي سياق متصل كان لنا حوار مع مدير عام "مدى الكرمل"- المركز العربي للدّراسات الاجتماعيّة التّطبيقية الدّكتور مهند مصطفى، إذ وضّح لنا أهميّة الرّباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وعن البعد الدّيني والوطني لهذه الفكرة؛ قائلًا: " إن مشروع الرّباط جاء ليشكل جزءًا حاميًا ومناصرًا للمسجد الأقصى في ظلّ محاولة تعزيز سيطرة الاحتلال عليه، ومحاولة إعادة سيناريو ما جرى في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل".

وفي ما يتعلق بالبعد الدّيني والبعد الوطني أشار د. مصطفى أنَّ فكرة الرّباط تعمل على إحياء الوجود داخل الحرم المقدسي، وتعزيز التّعبد وإقامة الصلاة فيه. ونوه أيضًا للمكانة الوطنية التّي يحملها المسجد من أجل تثبيت صمود المقدسيين، إذ صار رمزًا دينيًا ووطنيًا يمثل القوة لمقاومة مشاريع التّهويد في القدس وخصوصًا في البلدة القديمة.

وبدوره أشار د. مصطفى لفاعلية فكرة الرّباط موضحًا كيف تردع فرض وقائع في المسجد الأقصى والاستفراد بالمقدسيين، لافتًا لرفعة هذا المكان المقدس الذي يمثل نقطة اللّقاء والتلاقي بين الفلسطينيين لا سيما في القدس والدّاخل المحتل.

منع الرّباط وتفكيكه:

على الرّغم من كلّ المحاولات الحثيثة لإبقاء فكرة الرّباط إلّا أن الحكومة فرضت سيطرتها في قمع وإجبار المواطنين على الانسحاب بطرائق عدة كالضّرب والتّهجم على النّساء. إذ استطاعت الحكومة الإسرائيلية حظر الرّباط والإعلان على أنّه "تنظيمًا محظورًا"، لكن بقي الشّاب العربيّ يصّر على حماية القدس وتشكيل السّد المنيع لمقاومة كلّ مواجهة تصل للمسجد الأقصى وتمس بالمقدسات.


كتبت التّقرير: سناء مظهر عبّاس، حاصلة على اللّقب الأوّل في اللّغة العربيّة والإعلام- الجامعة العربيّة الأميركيّة، وطالبة تحرير وتدقيق لغوي.

سناء مظهر عبّاس

حاصلة على اللّقب الأوّل في اللّغة العربيّة والإعلام من الجامعة العربيّة الأميركيّة وطالبة لقب ثاني بتخصص تحرير وتدقيق لغويّ

رأيك يهمنا