العنف المجتمعي وتأثيره على طلاب المدارس ودور المعلمين في تحسين المناخ الصفي
العنف في المدارس في المجتمع العربي
يمر المجتمع العربي في إسرائيل بأزمة اجتماعية وثقافية وقيمة وأخلاقية، وهذه الأزمة تخترق الشباب أيضًا. ومن علامات ذلك قطبية القيم التي يتسم بها المجتمع العربي اليوم: فمن جهة، هناك من لم يتبنَّ قيم التحديث، ومن جهة أخرى هناك من حصل على التعليم ومن الدعوة إلى نهج فردي. يخلق هذا الاستقطاب صراعًا داخليًا حادًا لدى الشباب.
لا بد من التعامل مع التغيرات الاجتماعية والثقافية وعدم مقاومة الأزمة والتغاضي عنها دون التدخل كما يحدث اليوم. خلاف ذلك، ستكون دوامة مستمرة حيث تكون نتيجتها زعزعة الشباب بقوة وتخلق حالة من عدم اليقين بينهم مما تؤدي إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل الانحراف وتعاطي المخدرات والتسرب من المدرسة - وهي سلوكيات ستضر بالشباب ومجتمعنا.
وفقًا لنتائج أربع دراسات ميدانية أجريت على ما يقرب من 27000 طالب يهودي وعربي في الصفوف من الرابع إلى الحادي عشر، وحوالي 860.1 معلمًا وأكثر من 400 مدير مدرسة في المدارس التي يدرس فيها هؤلاء الطلاب، فالنتائج تظهر أن الفروق بين المدارس اليهودية والمدارس العربية فيمايتعلق بالعنف الجسدي ليست كبيرة. التعبير عن العنف اللفظي، مثل السب والاهانة، أكثر شيوعًا في المدارس اليهودية منه في المدارس العربية. في المقابل، يتعرض الطلاب العرب أكثر من الطلاب اليهود لحالات العنف الجسدي الشديد والعنف الذي ينطوي على استخدام الأسلحة الباردة.
أما عن ظاهرة عنف المعلمين ضد الطلاب، فهناك فجوات كبيرة بين المجموعتين: يبلغ الطلاب العرب أكثر عن حالات الاعتداء الجسدي والإساءة اللفظية والعاطفية وحتى التحرش الجنسي من قبل الهيئة المدرسية أكثر من الطلاب اليهود.
معدل العنف في المدارس في إسرائيل أعلى بست مرات مما هو عليه في الدول الغربية
وفقًا لدراسة أجريت في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD))، يتضح أن 26٪ من معلمي الصفين السابع والتاسع في البلاد أبلغوا عن عنف وتهديدات لفظية، مقارنة بـ 14٪ في بلدان أخرى. أبلغ 13٪ منهم عن عنف جسدي - مقارنة بـ 2٪ فقط بين دول المنظمة العالمية. وبحسب تقرير البحث الدولي ""Talis""، أفاد 26٪ من المعلمين في الصفوف السابعة حتى التاسعة في البلاد ومديري المدارس ""بالتهديد أو العنف اللفظي بين الطلاب""، و13٪ أفادوا ""بالعنف بين الطلاب مما يؤدي إلى الأذى الجسدي"".
تظهر الدراسة أيضًا أن مديري المدارس في إسرائيل أبلغوا عن نقص في الموارد المادية، مثل مساحة للتدريس، نقص في التكنولوجيا الرقمية والبنية التحتية المادية للتدريس، محدودية الوصول إلى الإنترنت وغيرها.
طلابنا والتسرب من المدرسة
لا يؤثر تسرب الطلاب من المؤسسات التعليمية على المتسربين أنفسهم فحسب، بل يؤثر أيضًا على بيئتهم ومشاركتهم في العمل واقتصاد الدولة ورفاهية مواطنيها. يمكن أن تؤدي هذه الظاهرة إلى الفقر والإهمال وتعاطي المخدرات والانحراف والسلوكيات الخطرة. وبالتالي، فإن ظاهرة التسرب تؤثر على مستقبل المتسربين ومستقبل المجتمع الذي ينتمون إليه.
ما هو التسرب؟ نحن نميز بين المرئي والخفي. يتم تعريف الصبي أو الفتاة في سن المدرسة (5-17) عامًا الذين ليسوا في الواقع في بيئة تعليمية تحت إشراف وزارة التعليم على أنهم متسربون مرئيون. من ناحية أخرى، يعتبر الطلاب الملتحقين بنظام التعليم والمسجلين فيه ولكنهم لا يشاركون في الأنشطة التعليمية في النظام وحتى المتغيبين عن المدرسة متسربين خفيين.
عادة ما يكون المتسربون المختبئون أيضًا طلابًا يشعرون بالغربة عن المدرسة ولا يشعرون بالانتماء إليها أو يشعرون أنهم يعتبرون طلابًا ضعفاء في نظر المعلمين. إنهم يعانون من شعور بالرفض الاجتماعي ويكونون أحيانًا ضحايا للعنف والسلوك العنيف. وتجدر الإشارة إلى أن الطلاب المتسربين عادة (من كلا النوعين، التسرب العلني والتسرب الخفي) يعانون من مشكلات اجتماعية.
تظهر دراسات مختلفة أن المتسربين الخفيين يجدون صعوبة في التكيف مع الحياة المدرسية ومتطلباتها. وينعكس هذا في التحصيل الدراسي المنخفض والكثير من الغيابات لأيام كاملة أو لبضع ساعات خلال اليوم الدراسي. وينعكس هذا أيضًا في السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى نسبة كبيرة من المتسربين (السلوك العنيف وتعاطي الكحول والمخدرات وحتى التورط الجنائي). يعاني المتسربون أيضًا من مستوى أدنى من القدرة الشخصية مقارنة بأقرانهم الذين ثابروا في دراستهم، وعادة ما ينتمون إلى عائلات ذات تدني اجتماعيًا واقتصاديًا وعائلات لديها العديد من الأطفال (أربعة أطفال على الأقل)، وبعضهم ينتمي إلى عائلات تعاني من خلل وظيفي في دور الوالدية لديهم، وهو ما ينعكس في التناقضات في التعليم، وعدم التنسيق بين الأب والأم، والجنوح والبطالة في الأسرة.
السبب الرئيسي للتسرب هو صعوبات التكيف مع المدرسة والتأقلم. ومع ذلك، يضطر بعض الطلاب بترك المدرسة للحصول على تأهيل مهني للمساعدة في إعالة الأسرة.
يمكن القول إن الدراسات التي تناولت ظاهرة التسرب تشير إلى عدة عوامل تؤدي للظاهرة
العوامل الأسرية: الوضع الاجتماعي والاقتصادي المنخفض والخلل الأبوي.
العوامل الثقافية: ضعف الأقليات، المواقف السلبية من البيئة تجاه الطلاب.
العوامل الشخصية: ضعف التحصيل الأكاديمي، والمناخ التربوي السيء في المدرسة، وانخفاض مستوى التدريس والمناهج القديمة. أحداث الحياة مثل سوء الحالة الصحية، والجنوح، وتعاطي المخدرات والكحول، وما إلى ذلك؛ الخصائص السلوكية مثل الصعوبات في ضبط النفس ورفض الإشباع، وصعوبة التركيز، والميل إلى العدوانية، ومشاكل سلوكية ونمرده تجاه اصحاب السلطة (مثل المعلم والوالدين)، والمشاكل العاطفية، وانعدام الدافعية والمزيد.
تؤثر العديد من العوامل على مشاركة المراهقين في السلوكيات العنيفة. تنتقل هذه العوامل في دوائر، من الدائرة الأقرب للطالب التي تتضمن خصائصه الشخصية والشخصية، إلى الدوائر الأوسع مثل الأسرة ومجموعة الأقران والحي والمجتمع بشكل عام. تشمل العوامل الشخصية: الجنس، العمر والمزاج وسمات الشخصية الأخرى؛ خصائص الأسرة، أي درجة السلطة الوالدية على أطفالهم، ومبنى الأسرة (على سبيل المثال، الأسر أحادية الوالد مقارنة بالعائلات بالغير أحادية) والوضع المادي للأسرة. تساهم خصائص الحي أيضًا في نصيبها، على سبيل المثال الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للحي الذي يعيش فيه الطلاب، وخصائص الجريمة في ذلك الحي والقدرة على الإشراف على الحي (سواء كان حيًا منظمًا أو غير منظم). علاوة على ذلك، يتعرض الطلاب لمصدر آخر للتأثير وهو الإعلام. يقضي الشاب العربي معظم وقته في أنشطة مجانية غير مراقبة، ويقضون معظم وقتهم برامج خارجة عن السيطرة مثلًا أمام الشاشات الذكية والالعاب الالكترونية.
قد تؤثر جميع العوامل المذكورة أعلاه على عنف الطفل في أي مكان في العالم. إذا كان الأمر كذلك، ما الذي يميز المجتمع العربي في هذا الصدد؟ تؤدي عمليات التحديث في هذا المجتمع إلى الانتقال من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث. هذا الانتقال يجعل من الصعب جدًا على الآباء الإشراف على أطفالهم.
في الماضي عرف الآباء جيدًا مكان وجود أطفالهم في جميع الأوقات وما هي أفعالهم؛ أما اليوم، فقد يجلس الطفل لساعات أمام الكمبيوتر في المنزل ولا يستطيع الوالد معرفة ما يفعله ولأي مضامين ينكشف، والشباب يكاد لا يسيطر عليهم. الأمور أكثر صعوبة في المجتمع العربي، حيث الفجوات بين الأطفال وأولياء أمورهم أكبر.
إن التركيز لا ينبغي أن يكون فقط على التفسير الاقتصادي أو الثقافي لظاهرة العنف في المدارس العربية، وانما يمكن اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع من خلال تحسين الجو في المدارس وتحسين العلاقات بين المعلم واشراك الطلاب في اتخاذ القرارات.
ظاهرة المضايقة والتنمر (Bullying)
التنمّر هو ظاهرة عدوانيّة وغير مرغوب، وهي احدى الظواهر في مجال العنف تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، بشكل متكرر أو طيلة فترة من الزمن، تجاه ضحية لا تستطيع الدفاع عن نفسها بسهولة، أي أنها تعبّر عن افتراض وجود اختلال في ميزان القوى والسّلطة بين الأشخاص، تنتشر هذه الظاهرة داخل المدارس بكافة الأجيال، ولكن درجتها والحدة تختلف من مدرسة لأخرى ومن صف لآخر، نسبة ممارستها تتأثر بالمناخ المدرسي والصفي.
لا يوجد طالب لم يتعرض للمضايقات والمزاح ""الثقيل"" أو الاغاظة، وهذا لا يعتبر تنمرًا إذا اتسم بالدعابة والود والجو المزاحي بين الطرفين، لكن، إذا كان مقصودًا، جارحًا ومتكررًا، بحيث تحدى الخط الفاصل بين المزاح والمضايقة ويستخدم الطالب قوته ونفوذه (سواءً كانت بشكل جسدي، أو إهانة، أو استخدام معلومات شخصية محرجة ضد الشخص الاخر لهدف المس به وإلحاق الضرر به) للتحكم أو الحاق الأذى بالآخرين حينها هذا يعتبر تنمرًا. وبناءً للتصرّف العنيف والمتنمّر دوافع عديدة، منها ما هو مرتبط بالفرد، كالعوامل البيولوجية والشخصية، ومنها ما هو مرتبط بالأطر الجماعية كالعوامل العائلية والاجتماعية والعوامل المدرسية. تستوجب مواجهة ظاهرة التنمّر تدخلًا شموليا يطوّر المناخ الأمثل على الصعيد المدرسي، وذلك لأن للمباني التنظيمية، وللمناخ وللعلاقات بين الأشخاص في المدرسة تأثير كبير على ظهور ظاهرة التنمّر.
كيف تؤثر ظاهرة التنمر على ضحايا التنمر من الأطفال والمراهقين؟
أن الوقوع ضحيةً للتنمّر مرتبط بسلوكيات مقلقة واثار نفسية، مثل: مشاكل في التأقلم، مشاكل صحية، تحصيل متدن وامتناع عن القدوم إلى المدرسة، تصوّر ذاتي منخفض، قلق، رفض اجتماعي، قلّة الأصدقاء أو جودة منخفضة للعلاقات الاجتماعية، هرب من البيت، اضطرابات في الأكل، شرب الكحول، وتعاطي المخدرات أو استخدام السلاح والاجرام. كما أن دراسات أخرى تظهر أن الأطفال أو المراهقين الذين يمارسون التنمر بشكل مستمر ضد الأطفال الآخرين قد يعانون من الفشل في المحافظة على علاقات أو تكوين علاقات صحية.
جميع الظواهر المشار إليها أعلاه يمكن أن تكون أسبابًا للتعرّض للتنمّر أو نتائج له. مثلًا، يمكن أن يكون التصوّر الذاتي المنخفض سمَة سلوكية تزيد امكانية التعرّض للتنمّر، ولكن يمكن أن يكون إحدى نتائج التعرّض للتنمّر أيضًا. رغم ما ذ كر آنفًا، يبدو أن هناك صفات تسبق التعرّض للتنمّر، وأخرى تظهر نتيجة له. مثلًا، يميل الاكتئاب إلى الظهور كإحدى النتائج المترتبة على التعرّض للتنمّر، بينما يميل عدم الثقة بالنفس للظهور قبل التعرّض للتنمّر. لقد أكّدت نتائج الأبحاث هذا، حيث أظهرت أن مَن تعرّضوا للتنمّر في الأجيال 14 - 15 أصيبوا بالاكتئاب أكثر في الأجيال 22 – 2 (Card and Hodges, 2008; Hawker & Boulton, 2000).
تؤثر الاختلافات الشخصية وشدة الفعل المسيء ومدته على قوة الآثار التي يتركها على الطفل. ومن تلك الآثار
• فقدان الثقة بالنفس.
• فقدان التركيز وتراجع الأداء والمستوى الدراسي.
• الخجل الاجتماعي والخوف من مواجهة المجتمعات الجديدة.
• احتمال حدوث مشاكل في الصحة النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، وحدوث حالات انتحار
التنمّر والتنمّر في الشبكة ليسا جزءً ا طبيعيا من جيل المراهقة، لذلك، لا بدّ من إخضاع المراهق المتداخل بالتنمّر أو التنمّر في الشبكة (كمعتد /ضحية/متنمّر ضحية) للتقييم المهني للقرار بشأن تعرّضه للإصابة بالاكتئاب.
من المهم ألا ننسى أنه يمكن منع التنمّر والانتحار عند المراهقين. كبالغين، علينا أن نسأل المراهقين بشكل مباشر ومتعاطف حول تداخلهم بالتنمّر وأفكارهم حول الانتحار، وتوجيههم لتلقّي المساعدة المهنية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن نوصل رسالة للطلاب نؤكّد فيها تفهّمناللصعوبة التي يواجهونها في تحمّل ألَمهم النفسي، ولكن الانتحار ليس الحلّ لمواجهة التنمّر/التنمّر في الشبكة. الانتحار هو حلّ لا رجعة منه لمشكلة مؤقّتة. يجب أن نؤكّد لهم أن الأمل موجود دائمًا، وأن لتداخلهم في التنمّر حلولًا ناجعة أخرى، وأن نعد بأننا، كبالغين ذوي أهمية، سنساعدهم.
كما ذ كر سابقا، يجب أن نحرص على أن يحصل الأولاد والشباب المتداخلين في التنمّر على المساعدة المهنية. بالإضافة إلى ذلك، يجب تفعيل برامج الوقاية المدرسية بشكل شمولي بعيد الأمد، على نحو يدمج بين المجالات المختلفة، يوصَى بالعمل على تطوير الحصانة النفسية لمنع التنمّر.
لماذا يحدث التنمر وما هي الأسباب الشائعة للتنمر؟
لا أحد يولد متنمرًا، ولكن يمكن لأي طفل أن يتعلم سلوك التنمر ويمارسه في ظل ظروف معينه. ومن الأسباب الشائعة التي تجعل الأطفال يتنمرون:
غالبية الأطفال الذي يمارسون التنمر هم نفسهم تم ممارسة التنمر عليهم من قبل.
أن يكون هؤلاء الأطفال جزءًا من اتفاق، عن طريق الانضمام لمجموعة من المتنمرين طلبًا للشهرة أو الإحساس بالتقبل من الآخرين، أو لتجنب تعرضهم للتنمر.
اكتساب وتعلم العدوانية والتنمر في المنزل، أو في المدرسة، أو من خلال وسائل الإعلام.
الشعور بالإهمال والتجاهل في المنزل، أو وجود علاقة سيئة مع الأبوين.
الشعور بالضعف والعجز في حياتهم: فحين يتم تضييق الخناق على الطفل بشكل كبير، فإنه في بعض الأحيان يبحث عن طرق أخرى للحصول على القوة وممارسة السيطرة على الآخرين.
الغيرة والبحث عن الاهتمام لجذب الانتباه.
الافتقار إلى الشعور بالأمان النفسي والعاطفي.
تجارب سابقة نتجت عن تعلم أن التنمر يؤدي لتحقيق الرغبات.
عدم الوعي بالأثر السيء الحقيقي للتنمر على الضحية.
يختار الأولاد ذوو التصرّف المتنمّر إيذاءَ الضحايا كي يظْهروا قوتهم وليحافظوا على مكانتهم الاجتماعية في المجموعة. لذلك، يحصل التنمّر أثناء تواجد شهود بشكل عام (% 80 من حالات التنمّر تحصل بوجود شهود).
من هم ضحايا التنمر
أن من تم اختيارهم ليكونوا هدفًا للتنمر والأفعال المسيئة، ممكن أن يكونوا من الأطفال:
المختلفين: في المظهر، أو الخلفية الثقافية والدينية، أو الحالة الاجتماعية، أو ممن لديهم مشاكل صحية أو إعاقات.
المتفوقين والموهوبين بشكل استثنائي، أو من يحصلون على اهتمام كبير من المعلمين.
المنطوين والخجولين اجتماعيًا الذين هم لا يميلون للتحدث بصوت عالٍ ويعتبرون ضحايا أسهل للتنمر.
طلاب جدد في المدرسة، الحي أو المجموعة.
وأخيرًا ممكن أن يكونوا المسالمين الذين يتنازلون عن حقهم لتفادي المشاكل والمواجهات.
في بعض الأحيان يكونون من غير ما سبق، فأي طفل من الممكن أن يكون عرضة لأفعال التنمر والإساءة.
دور المتفرج المشارك
بالإضافة للمتنمّرين والضحايا، هناك طلاب آخرون متداخلون بالتنمر. بكلمات أخرى، بالإضافة للمضايقة المتكرّرة والمستمرة للضحايا، ومبادرة المعتدي bully لتنفيذ المخالفة بشكل فعّال، هناك أولاد آخرون يتواجدون ويشاهدون دائمًا عملية التنمّر. إن تصرّ ف الأولاد المتواجدين أثناء الحَدَث يعكس موقفهم حول ما يجري، حيث أصبح معلومًا الآن أن معظم الطلاب في الصف الذي يحصل فيه التنمّر يعون تمامًا ما يحصل حولهم، وأن كثيرين منهم يتواجدون اثناء حصول التنمّر.
يؤثر هذا على نتيجة حدَث التنمّر بشكل كبير، حيث ينضمّ بعض الأولاد والمراهقين للتنمّر عندما يشْرَع به آخر ويؤدّون دور معاوني المعتدي، وهناك آخرون الذين لا يعتدون بشكل فعليّ على الضحية ولكنهم يمنحون المعتدي ردّ فعل إيجابيّ على ما يفعل، فيحضرون ليتفرّجوا أو يزوّدونه بجمهور، أو يحرّضونه على الضحية بواسطة الضحك أو تشجيعه على الاستمرار فيما يفعل. هناك طلاب ذوو تصرّف معارض للتنمّر أيضًا، حيث يواسون ""الضحية"" ويقدّمون الدعم، ويحاولون رَدْع الآخرين عن التنمّر، هؤلاء الطلاب هم ""المدافعون"".
لماذا لا يتدخل الأطفال الشهود على حادثة التنمر؟
في معظم الحالات، لا يتدخل الشهود لأسباب متعددة، ومن ضمنها:
يعتقدون أن طالبًا آخرًا سوف يتدخل، أن يخسروا علاقتهم مع المتنمر لأنه يعطيهم الشعور بالقوة والانتماء، يخافون من تعرضهم للإيذاء أو أن يكونوا من غير المحبوبين، كونهم من أصدقاء المعتدي (حتى لو كانوا لا يحبون ما يفعله)، لا تربطهم صداقة بالطفل الذي يتعرض للتنمر ويفضلون الوقوف جانبًا.
حين يشاهد الطالب أفعال التنمر والإيذاء بشكل مستمر، ويشعر بالعجز أمام ما يراه، فإنه قد يشعر بالذنب. كما أنه موجود ولكنه عاجز عن فعل شيء (وفي الحالات القاسية يمكن أن يسبب ذلك حدوث صدمة له). يشعر بالقلق والخوف من أنه قد يصبح الضحية التالية.
التنمر والادوار الاجتماعية
يشاركون الطلاب في التنمر من خلال أداء أدوار مختلفة، وهي:
المعتدي(Bully): المبادر للمضايقة والاهانة، يجعل الآخرين ينضمّون إليه.
المُعاون (assistant): يساعد المعتدي بواسطة الإمساك بالضحية.
مُشجع التنمر (reinforcer): موجود دائمًا هناك، لا يؤذي جسديًّا لكنه يسخر من الضحية، يشجّع المعتدي بواسطة الهتاف ""يللا كمان اعطيه"".
المتجاهل (outsider): لا يكون هناك عادة أو يبتعد، يتظاهر بأنه لا يلاحظ ما يحصل، لا يفعل شيئًا.
المدافع (defender): يخبر بالغً ا عمّ ا يحصل، يحاول إقناع المعتدين بأن يتو قّفوا عمّا يفعلون، يشجّع الضحية، يجند الآخرين لتقديم المساعدة، يبقى إلى جانب الضحية.
الضحية (victim ): ضحية المضايقة. غالبا ما يكون طالبا ذا شعور بقيمة ذاتية منخفضة، يتميز بالنكوص والانطواء ويكون عنيفا في بعض الأحيان.
يواجه الطلاب الذين تعرّضوا للتنمّر صعوبة في التحرّر من هذا الدور الاجتماعي أيضًا، حيث يكون أداء دور مغاير بين أصدقائهم مهمة صعبة بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال أن يتكرّر تعرّضهم للتنمّر حتى وإن تواجدوا في صف جديد.
ليس من السهل الدخول إلى مجموعة جديدة، خصوصًا عند الحديث عن ولد أو مراهق عاش تجربة مأزومة. يتم ""بثّ"" عدم ثقته بنفسه وتخوفاته إلى الزملاء الجدد، الذين يعتبرون الطالب الجديد لقمة سائغة و ""هدفا مناسبا"" للتنمّر، هذا بالإضافة إلى أن توقعات ""الضحايا"" تؤثر،
بشكل لا واع، على تعامل زملائهم معهم.
نتيجة هذا، فأن نقل الضحية إلى صف جديد لا يمكن أن يكون حلًا ناجعًا لمشكلة التنمّر، مفضل معالجة المشاكل في نطاق المجموعة التي ظهرت فيها. وفق هذه الطريقة، سيكون هناك احتمال
لحصول تغيير في الأدوار الاجتماعية، حيث يحْظى كل أفراد الصف بتجربة مصَححة حول كيفية مواجهة المشاكل وتحسن شعور الجميع عندما يتمّ حلّ المشكلة بشكل سليم.
علينا، كعاملين في التربية والتعليم وكطاقم علاجي مهني، أن نبدي المسؤولية تجاه الأدوار الاجتماعية والعمل على إيقاف التنمر، فالتدخّل المدروس في البيئة الاجتماعية التي يحصل فيها التنمّر يمكن أن يمنع ""تبنّي"" الأدوار وترسخَها. إن التد خل المُطرد وذا الصلة مع واقع الطالب، والذي يتم في بيئته الاجتماعية الطبيعية، يزيد احتمال تحقيق ما نريد: الانتقال إلى أدوار إيجابية أكثر وتقليص ظاهرة التنمّر.
لقد أشارت الأبحاث أن العوامل التالية يمكن أن تقلّل من احتمال حصول نتائج صحية واجتماعية سلبية لدى الطلاب في المستقبل: الشعور بالانتماء للمدرسة، الأمل، والقدرة على التعاطف، والإحساس بالقدرة الذاتية. لقد أظهرت النتائج أن الشعور بالانتماء للمدرسة هو الأكثر تدنيا لدى
"المعتدين" و""الضحايا"، والأعلى لدى "المدافعين".
اختلافات بين الفتيان والفتيات
تظْهر أبحاث واستطلاعات واسعة النطاق في الولايات المتحدة والعالم أن للفتيان احتمالًا أكبر للانخراط في حَمْل الأسلحة، أو التعرّض للتهديد بواسطتها أو الإصابة منها، كما أنهم معرّضون أكثر للسرقة أو إلحاق الضرر بممتلكاتهم في المدرسة أو الإصابة جرّاء شجار، أما الفتيات فهناك احتمال أكبر أن يتعرّضن للعنف الاجتماعي والجنسي والمضايقات، سواء في المدرسة أو بواسطة الوسائل الالكترونية. تستخدم الفتيات المضايقة الجسدية، لكنها أقل شيوعً ا لديهن. هن يملن لاستخدام أساليب مضايقة كالنبذ والإقصاء من المجموعة (المقاطعة) ونشر الإشاعات وما شابه.
التنمر والرفض الاجتماعي
تظهر الدراسات أن الأولاد الذين يميلون إلى التصرّف بطريقة مشابهة أو مكَملة وفق ""أدوار المشاركين"" في حالات التنمّر كوّنوا شبكات اجتماعية مع بعضهم البعض. كانت هناك علاقة وثيقة بين تصرّف الفرد أثناء عملية التنمّر وبين طريقة تصرّف أعضاء مجموعته في نفس الأوضاع. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت النتائج أن المعتدين و""المعاونين"" و""المشجعين"" انتموا لشبكات اجتماعية أوسع من تلك التي ينتمي إليها ""المدافعون"" و""المتجاهلون"" و""الضحايا""، وأن الأولاد الذين لا ينتمون للشبكات الاجتماعية هم ""ضحايا"" في كثير من الأحيان.
كما أن مَن يتعرّضون للتنمّر يعانون أيضًا من القلق الاجتماعي والرفض الاجتماعي (علاقة ارتباطية). هناك ميل لاعتبار الرفض الاجتماعي سببا للتعرّض للتنمّر أكثر من أن يكون نتيجة له ولكن من المهم الإشارة هنا إلى أن كَوْن الإنسان مرفوضًا اجتماعيا لا يؤدّي إلى التعرّض للتنمّر بالضرورة. لقد أظهر بحث أَجري في الآونة الأخيرة أن صفات لا تتعلّق بالسلوك، كالمظهر الخارجي والقدرة التعلّمية والقدرة الرياضية، يمكن أن تقلّل من تعرّض
الأولاد المرفوضين اجتماعيًّا للمضايقة والتنمّر لدرجة أن تمنع حصول ذلك، هذا يعني أن ضحية التنمر يكون مرفوضًا اجتماعيًا في الغالب، ولكن لا يتحول كل ولد مرفوض اجتماعيًا إلى ضحية.
تعتبر مواجهة ظاهرة التنمّر مهمة مشتركة مناطة بكل القادمين إلى المدرسة وبالمجتمع الموجودة فيه. لذلك، ولكي يتم تطوير المناخ الآمن ومنع العنف والتنمّر، هناك ضرورة في خلق تعاون بين الجهات المهمة كالإدارة، والطاقم التربوي، والطاقم المساعد، والطلاب، وأولياء الأمور والجهات في البلدة والمجتمع. كلما زاد إحساس الطلاب وأولياء أمورهم بأنهم شركاء في سيرورات لخلق مناخ تربوي أفضل ومنع التنمّر واعترفوا بمسؤوليتهم المشتركة، كان استعدادهم أكبر لتحقيق وتنفيذ هذه السيرورات. يجب أن يجري الشركاء حوارًا ذا معنى وأن يبَلْوروا رؤية تربوية تتمحور في المناخ التربوي في المدرسة، والرفاهية النفسية لدى الطاقم والطلاب، ومنع التصرفات الخطرة.
كي يكون التدخّل شموليا، من المهم الاستعانة بمبان تنظيمية تتيح بلورة البرنامج، تفعيله وتقييمه. يتم تشكيل ""طاقم القيادي للمناخ""، بقيادة مدير المدرسة. يتطرّق هذا الطاقم إلى تطوير مهارات الصداقة ومنع التنمّر، ويجري حوارًا ذا معنى حول الأفضليات وحول الرؤية التربوية المدرسية. على الطاقم تشخيص نقاط القوة في المدرسة ونقاط الضعف والاحتياجات الموجودة في هذا المضمار ومجالات المسؤولية التي يكلّف بها أصحاب الوظائف.
العمل مع المعلمين
يجب العمل معهم على مهارات إجراء حوار ذي معنى مع الطلاب وأولياء الأمور. يبعث الحوار
شعورًا بالتقارب والاكتراث، ويشجّع التوجّه لطلب المساعدة ويتيح تشخيص المصاعب والمحَن. يجب تنمية مهارات المعلمين في توجيه حوار ذي صلة بالطلاب، يتناول المواقف والمفاهيم في المجموعة، ويعزّز الطاقة الإيجابية في الصف والقيادة الطلابية.
الحضور: يجب العمل مع المعلمين على معنى الحضور الجسدي والشعوري في المدرسة وتعزيز حضورهم.
العمل مع الطلاب
يجب التطرّق خلال العمل معهم الى الحدود في المدرسة وتشجيعهم على تسيير أمورهم وفق القوانين المدرسية من خلال السيطرة الذاتية وإشراكهم في سيرورات شمولية تتمحور في تدعيم الحدود في المدرسة.
الحوار: من خلال برنامج ""المهارات الحياتية""، يمكن تدعيم مهاراتهم في الاتصال البين شخصي بشكل عام ومهارات الاتصال الذي يحترم الأصدقاء والبالغين حولهم (أولياء الأمور والمعلمين) بشكل خاص، كما يمكن تشجيعهم على التوجّه لطلب المساعدة عند الحاجة.
الحضور: يجب التطرّق إلى زيادة تداخلهم وحضورهم في الحياة المدرسية بواسطة تعزيز تحمّلهم المسؤولية الاجتماعية ومنع التنمّر.
العمل مع أولياء الأمور
سيتم ذلك بواسطة تعزيز الشراكة بين أولياء الأمور والمدرسة، حيث يشاركون في كتابة الدستور ووضع الحدود في المدرسة. هذا يتيح مسؤولية مشتركة وتداخلًا ودعمًا للعمل المدرسي. سيتم ذلك بواسطة تكريس زمان ومكان لإجراء حوار معهم بغية بلورة الرؤية التربوية وبناء برنامج التدخّل. يتم التشديد أيضًا على تعزيز حضورهم في حياة أولادهم بشكل عام وفي السيرورات التربوية بشكل خاص.
مبان تنظيمية ضرورية لتنمية الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية ومنع التنمر في مجالات الحوار، الحدود والحضور:
- على المدرسة الاهتمام بتوفير مبان تنظيمية تتيح إجراء حوار بين المعلمين والطلاب كزوايا الجلوس داخل المدرسة وتحديد وقت في البرنامج المدرسي يستطيع فيه المعلمون إجراء حوار مع الطلاب.
- على المدرسة تخصيص وقت ليتع لّم المعلمون الموضوع، حيث يحصلون على معلومات جديدة ومحتلنة، ويكتسبون\يطورون مهارات لإجراء الحوار مع الطلاب، ويجرون نقاشًا حول مواقفهم ومفاهيمهم الخاصة حول موضوع ""المسؤولية الاجتماعية ومنع التنمّر"".
- وجود دروس ""مهارات حياتية"" في برنامج الطلاب المدرسي ضمن حصص التربية.
د. سهراب مصري
محاضرة أكاديمية وباحثة في مجال الاستشارة التربوية- الكلية الأكاديمية في سخنين؛ ومعالجة زوجية أسرية، وسلوكية معرفية (CBT، ومرشدة قطرية في مجال الجنسانبة والتعامل مع الطوارئ