العبور من المرحلة الثانوية للحياة الجامعية- تحديات وفرص في ضوء أزمة كورونا المستجدة!

نعلم جميعًا أنّ الانتقال من الحياة المدرسيّة إلى الحياة الجامعيّة من أهمِ المتغيرات التي تحدث في حياة الطّالب إذ إنها خطوة كبيرة مختلفة الخصائص والتّحديات التي تؤثر بالسّلب أو بالإيجاب على الشّخصية نفسيًا وفكريًا وثقافيًا ومهنيًا. يُعِد الطّلاب أنّ انتقالهم من مرحلة الثّانوية إلى المرحلة الجامعيّة من أجمل المراحل في حياتهم إذ يصحبها كلّ ما هو رائع وجديد، فالجمال يكمن في الخروج من الحياة العاديّة إلى حريّة الاختيار للمواد التّعليمية وأوقاتها والجديد كونه يتعامل مع بيئة تختلف تمامًا مع تلك التي تعوّد عليها في محيطه، والتي تختلف من طالب لآخر ومن منطقة لأخرى بمجتمعنا العربي. غير أنّ المرحلة الجامعيّة لا تخلو من التّحديات فيواجه الطّالب نمط حياة مختلف مليء بالصّعوبات والمشاكل، مما يجعل كثيرًا من الطّلاب التّخبط في تحمل عبء كبير في اختيار الطّريق الصّحيح. في المرحلة الجامعيّة يرى الطّالب كثيرًا من التّناقضات التي تؤثر عليه؛ فيصاب في كثير من الأحيان بالقلق والإحباط والاضطرابات الجسديّة والدّخول في العزلة بسبب صعوبة التّواصل مع خلفيات اجتماعيّة وفكريّة مختلفة إلى حدٍ كبير، مما يخلق نوعًا من العبء النّفسي في تكوين الصّداقات المريحة.

كلّ انتقال أو تغيير أمر ضاغط، وخاصة عندما يكون من بيئة عَرِفها وتعودها لسنوات طويلة، ومنها لبيئة مختلفة كليًا، لها قواعدها وروتينها. كلّ هذه الأمور تجعل الطّلاب العرب أكثر قابليّة للمعاناة من القلق والخوف، وقد يختلف الأمر وحِدته من طالب لأخر بالنظر لتباين نفسياتنا وشخصياتنا ومقدار وطبيعة ما نلقاه من دعم من القريبين والبيئة.

على كلّ طالب أن يحقق العبور للأكاديميّة بطريقة سلسلة حتى لا يصاب بما يسمى ""صدمة الدّخول إلى الجامعة""، وليتمكن كذلك من التّعرف على المجتمع الجديد وخاصةً في السّنة الأولى من الانخراط بالتّعليم العالي. قد تواجه الطّالب العربي العديد من التّحديات مثل البعد الجغرافي والعيش في السّكن الجامعي والابتعاد عن الأهل، وقد يشكل لدى البعض صدمة نفسية قد تعيقه عن مواصلة تعليمه الأكاديمي رغم جمال الحرم الجامعي وروعة الحياة الجامعيّة. من الطّبيعي أن يعترينا بعض الخوف أو اهتزاز الثّقة بأنفسنا. طلابنا الأعزاء، تذكروا أنّ الإحباطات أمر طبيعي ولكن لا ينبغي الاستسلام لها وكأنها مصيدة لا يمكن الخروج منها، ولتجاوزها سنحتاج للتفكير بواقعيّة وطلب الدّعم والمشورة من دائرة دعمنا ووحدة دعم الطّالب العربي الموجودة لخدمتكم بالجامعة بالأخص بالفصل الأوّل من التّعليم والسّنة الأولى وتحدياتها. لا يوجد أي عيب في طلب الدّعم أو المساعدة حتى وإن بدت لنا أنها أمورًا قد يظنها البعض تافهة أو لا ينبغي التوقف أمامها.

يعتاد الطّلاب في المرحلة الثّانوية على الطّرق الرّوتينية للعمليّة التّعليميّة وتكون المناهج محدّدة مسبقًا ويقوم جميع الطّلاب بدراستها، وليس للطالب حرية في اختيار ما يريد دراسته، أما المرحلة الجامعيّة يدرس كل طالب بمجال مختلف فيستقي العلم من مصادر التّعلم المتنوعة ويكون عليه الجهد الأكبر في البحث والتّفاعل، ويمتلك مرونة في الوقت فكلّ يوم له مواعيد مختلفة. ينتقل الطّالب من حياة التّبعية إلى الاستقلاليّة والاعتماد على النّفس في معظم مناحي حياته، والتّأقلم مع الواقع الجديد وحل مشكلاته وتكوين مجتمعه المناسب له وفي نفس الوقت عليه التّفوق في دراسته التي اختارها باللّقب الأوّل لكي يتمكن من إكمال سيرورة التّعليم العالي بالألقاب المتقدمة حتى درجة الأستاذيّة لدعم الأبحاث والبشريّة.

على الرّغم من ذلك على الطّالب أنْ يوازن بين مزايا المرحلة الجامعيّة، ويفرح بانتقاله إليها فهي نقطة الانطلاق الأولى إلى الحياة العمليّة وسوق العمل المستقبلي والمتغير، وعليه تكوين الذّات وتحقيق الأهداف والأحلام، ويجب البعد عن أي شعور سلبي يصل إليه ويشجع نفسه على الاستمتاع بإيجابيّة هذه المرحلة، وعلى الأسرة والمحيطين تقديم الدّعم والمساعدة لاجتياز التّحديات التي يواجهها، وخاصة في العام الأوّل ""المخيف"" بالأخص بالنّسبة للطالب العربي ستكون تجربة مختلفة لم يصادف مثلها من قبل حتى الوصول إلى بر الأمان بثبات ونجاح وتألق وتميّز.

ثورة توسيع منالية التّعليم العالي وتمكين مجتمعنا العربيّ من الأكاديميّة الإسرائيليّة التي نشهدها في السّنوات الأخيرة، تحدث بفضل البرنامج الشّامل لمجلس التّعليم العالي ولجنة التّخطيط والموازنة. إذ يوفّر البرنامج توجيهًا ومرافقة من المرحلة الثّانويّة ""برنامج رواد التّعليم العالي""، ودعم كلَّ طالب باستشارة فرديّة ودورات تحضير للأكاديميّة وورشات وجولات تعليميّة للأكاديميّة بسنة العبور من الثّانوية وحتّى الاندماج في جهاز التّعليم العالي في إسرائيل. نجح البرنامج في فتح أبواب التّعليم الأكاديميّ أمام ما يقارب 55 ألف طالبًا عربيًّا، من بينهم 46 ألفًا تقريبًا للقب الأوّل، وهم يشكّلون 19٪ من مجموع الطّلاب الجامعيّين في الأكاديميّة الإسرائيليّة.

البشرى السّارة بارتفاع عدد الطّلاب العرب بالأكاديميّة الإسرائيليّة بنسبة 6٪ مقارنة بالعام الماضي، أي انخراط نحو 11243 طالبًا جديدًا في الجامعات والكليات. ولكن التّحديات بالبنيّة التّحتية والافتقار إلى أجهزة الحاسوب وضعف المعرفة الرّقمية يهدّد الفرص للطلاب من المجتمع العربي في تحسين أوضاعهم، وسدِّ الفجوات في ظلِّ أزمة كورونا المستمرة. 74٪ من عائلات طلاب المجتمع العربي تضرّرت اقتصاديًا بأزمة كورونا. حسب بحث د. نسرين حداد- حاج يحيى 35٪ من الطّلاب العرب صرّحوا أنّ شبكة الإنترنت في مكان إقامتهم لا تسمح لهم بالحفاظ على الرّوتين الدّراسي العادي، و 48٪ قالوا أنّ المحتوى والمضامين من خلال التّعلم عن بعد غير مفهوم بالأخص بسبب اللّغة العبرية. الجدير بالذكر أن نقص الحواسيب هو أيضًا مشكلة كبيرة، فقط 31% من طلاب المجتمع العربي يتواصلون بتقنيّة الزوم عن طريق الحاسوب! (بينما الأغلبيّة من خلال الهاتف الذّكي).

تذكر عزيزي الطّالب أن لا أحد مثالي وعلينا أن نتقبل مواضع نقصنا أو ضعفنا مثل مواضع تميزنا وقوتنا، ونحن على أعتاب رحلة سنتعرف فيها على أنفسنا وقدراتنا. بقدر التّجارب التي سنخوضها بمقدار ما سنتعرف على أنفسنا وقدراتنا، وهو ما سيُعرفنا حقًا على ما نريده ويقربنا إليه بخطوات عمليّة. وأنت على أعتاب هذه الرّحلة الرّائعة حاول أن تستمع قدر استطاعتك رغم التّحديات، تعرّف على ميولك ورغباتك وأفضلياتك، رتب أولوياتك واهتماماتك واصقل مهاراتك وعلاقاتك وتمكن من اللّغات الإنجليزيّة، وخصوصًا العبريّة التي تكون في أكثر الأحيان حاجزًا للنجاح بالتّعليم العالي وتمنع الانخراط بالمستقبل بسوق العمل الإسرائيلي. اعلم جيدًا أنّ في عالم اليوم حولك متسعًا كبيرًا جدًا لتحقيق كل آمالك، متى تحققت منها ومن نفسك وقدراتك، وهو ما ستعرفه في سنوات التّعليم العالي ببعض الجهد والعمل.

وأخيرًا التّعليم الأكاديميّ هو بوابة الاندماج في سوق العمل والمهن المستقبليّة، وبطاقة دخول الشّباب العرب لمراكز التّأثير بالدّولة والحياة المشتركة. أتمنّى لكلِّ الطّلاب سنة دراسيّة جامعيّة موّفقة وناجحة وحياة أكاديميّة سعيدة وإلى المزيد من التّقدم والتّألق والازدهار.

أشرف فؤاد جبور

مدير عام برنامج "روّاد التّعليم العالي"

شاركونا رأيكن.م