كم من مرة كنت بحاجة إلى الضغط لرؤية الخارطة، لعرض الموقع أو الطريق لاستعراض مدى المسار أو المحيط. كم من موقع للتصفح الإلكتروني يعرض معلوماته على الخارطة، مواقع الفروع المختلفة للمطاعم والمتاجر، مواقع العقارات والفنادق ويكفي الضغط على الخارطة لعرض تفاصيل المكان وزيارته بصورة افتراضية، عرض أسعار وحتى صور، ولا شك على رأسها نظم الملاحة مثل نظام الـ waze التي تحسب المسارات وتقارنها وتعرضها مع ما يحيطها من مواقع، حوادث أو مؤشرات وتكون مصحوبة بالتنبيهات والتعليمات وتوجيهات الملاحة وكلها مرفقة بالخارطة.

 الصورة بألف كلمة فكم بالحري حين تكون مدعمة بالمعلومات، الصور وحتى الفيديوهات؟ حين تظهر لنا الخارطة لتعرض لنا الموقع ومحيطه والضغط على أي منطقة لتظهر لنا المعلومات وما يمكن ربطه من بيانات على شتى أنواعها. نتكلم عن نظم المعلومات الجغرافية أو المكانية. في ظل عالم المعلومات وتكنولوجيا المعلومات تظهر الضرورة الملحة للتعامل الخاص والمتقدم مع المعلومات المكانية، حيث تتميز هذه النظم بإمكانية عرض المعلومات على الخارطة وعرض ما يحيطها حتى. نظم المعلومات بشكل عام هدفها حفظ المعلومات بشكل متقدم بحيث يسهل حفظها، البحث بها، تحليلها واستنتاج الأنماط، الاعتماد عليها لاتخاذ القرارات الأفضل والتخطيط الذكي المدعم بالعلم والمعلومات. هذه النظم مدعمة بقدرات وإمكانيات جمة للتعامل مع البيانات والمعلومات، دوال مبنية للعمليات الحسابية والإحصائية، طرق متطورة لعرض البيانات ونتائج التحليل عن طريق رسوم بيانية أو منظومات تحليلية. عندما تختص هذه النظم بالمعلومات المكانية، تصبح الإمكانيات أوسع لتشمل العرض الحيزي على الخارطة وتصبح والتحليلات أوسع لتشمل الجانب المكاني والحسابات الهندسية، العلاقات الطوبولوجية والتحليل الحيزي.  

لم تعد الخارطة المحوسبة صورة صماء للمكان، الموقع وما يحيط به. الخرائط المحوسبة الحديثة مدعمة بنظم معلومات جغرافية، مثل Google Maps، هي من نوع الخرائط الذكية مما يجعلها خرائط تفاعلية تتيح للمستخدم البحث وعرض البيانات لمجرد الضغط على الخارطة. لم تعد بحاجة لتبحث يدويًا أو تحسب المسافات لأن الخارطة مدعمة بقاعدة بيانات. أي أن هناك نقاطًا للأماكن وخطوطًا هندسية للشوارع موزعة في جميع أنحاء الخارطة، حتى لو كانت مخفية. لكل من هذه المعلومات قائمة بيانات. مثلاً، للشوارع: مكتوب اسم الشارع ومعلومات أخرى عنه، مثل نوعه وعرضه ومعلومات كثيرة أخرى، حتى لو لم تكن ظاهرة. عندما يتم البحث، كما في جميع محركات البحث، فهي تعمل على قوائم المعلومات وعند إيجاد المكان المطلوب، حسب البحث الوصفي، تركز الصورة المعروضة للموقع المطلوب، وهو حول مكان النقطة الملائمة على الخارطة التي تفي بشروط البحث. 

هنالك عدة استعمالات مألوفة لنظم المعلومات المكانية كما ذكر سابقاً. ولكن لها استعمالات غير معروفة مختلفة أيضاً. جميع البيانات التي تخص الحكم المحلي، سلطة الأراضي، البيئة، شركات المياه والكهرباء ومواضيع أخرى عديدة تختص بالحيز، مما يدعو للأهمية الكبرى لموقع معلوماتها وأهمية ربطها بالمكان، لذا، يتم تنظيمها من خلال نظم المعلومات الجغرافية أولا لتعرض المعلومات على الخارطة ويكفي ان تضغط على الموقع المطلوب لتحصل على بيانات مثل المستهلك وبياناته، المسكن، صاحبه واستعمالاته. وأيضاً، لتصميم الخرائط بشكل يعرض بياناتها: مثلا تلوين المساكن التي لم يتم بها دفع الضرائب، أو عدادات المياه بألوان تشتد حسب كميه الاستهلاك، أو التيار في أسلاك وخطوط الكهرباء، تلوين كل وحدة مساحة حسب التلويث البيئي وأمثلة مشابهة أخرى. كما يمكن أيضاً عرض البيانات بشكل ثلاثي الابعاد لأهمية الارتفاعات أو طوابق المباني ومساحاتها أو أي موضوع واقعي لأهمية العرض بشكل ملائم للواقع الحقيقي متعدد الأبعاد، وحتى التطرق للبعد الزمني، عرضه وتأثيره.

بالإضافة للعرض والتصميم، تعنى نظم المعلومات الجغرافية أيضاً بالتحليل الحسابي والاحصائي، مثل نظم المعلومات الأخرى مع التطرق للجانب الهندسي وفحص العلاقات الطوبولوجية بين أنواع وطبقات المعلومات المختلفة. مثلاً، تعديات البناء والمسافات المسموحة بين حدود قطع الأراضي والمباني أو حتى بين المباني المجاورة. المقصود قدرات وإمكانيات الفحص، الاكتشاف والعرض بشكل محوسب تماماً لجميع مكونات الخارطة والمنطقة. حتى التحليلات الإحصائية مثل الكثافة المكانية أو تجمع ظواهر معينة في مكان محدد أو أنماط التوزع المكاني أو التغير الكمي أو النمطي وربطه بالمكان. حتى في أعلى مستويات التحليل للبيانات وتنقيب المعلومات، من خلال تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية، بالإمكان تطبيق نظريات التنقيب مع إدراج المتغيرات المكانية والأخذ بعين الاعتبار تأثيرها من ناحية النمط والقيمة. وأكبر مثال على ذلك مثلًا دراسة أسعار العقارات، المؤثرات العامة والمكانية ودراسة صفقات سابقة لمحاولة نمذجة معادلة بنسبة نجاح عالية لتقدير الأسعار والتنبؤ بها مع الأخذ بعين الاعتبار المكان والزمان؛ وهما عاملان يكادان يكونان أهم المؤثرات في هذا المجال بالذات. وهناك أمثلة عديدة مشابهة في مجال الاعمال والاقتصاد وإيجاد المواقع للاستثمار، للبناء أو لفتح مجمعات جديدة حسب معايير متنوعة وذات درجات أهمية متفاوتة. 

أكثر المجالات التي تشتهر بها نظم المعلومات الجغرافية هي تطبيقات الملاحة والتوجيه التنقلي للمواصلات. مثال على ذلك هو تطبيق Waze المشهور. تمتاز نظم المعلومات المكانية بأنها قادرة على اعتبار خطوط الشوارع كشبكة هندسية مع مراعاة طرق الوصول الممكنة، الإشارات والتوجيهات لحساب المسار الأقصر طولاً بين موقعين، كما أنها تعمل على خاصيتين مهمتين، الأولى - رصد الموقع الحالي حسب منظومه تحديد المواقع GPS وحساب سرعتك وإظهار الموقع والسرعة على التطبيق. والثانية - إمكانية التفاعل الجمهوري التي تتيح رصد الإشعارات بشكل مباشر ومن الموقع الحالي لحتلنة الوضع من الميدان، مما يجعلها قادرة أيضا على تقدير الفترة الزمنية المتوقعة للمسار.

 هنالك مجالات أخرى عديدة ومتنوعة مع إمكانيات الدمج والتطوير لما تتضمنه هذه النظم من إمكانيات مدرجة أو حتى تطوير آليات وإمكانيات من خلال لغات البرمجة للإضافات والملاءمة المطلوبة لاستعمالات، تحليلات وتطبيقات متعددة في كل ما يخص الموقع وكل ما حوله. في النهاية، نظم المعلومات الجغرافية هي علم لرصد الواقع وتجسيده هندسيًا ورقميًا ليشكل أداة ذكية لتحليله واستنتاج قرارات مدعمة بالعلم والمعلومات للتخطيط الشامل وصناعة القرار الحكيم مع مراعاة المؤثرات العامة، الجغرافية أو المكانية بأفضل طريقه وأحدث التقنيات. 

د. جكلين جبران - أبو داود

مهندسه مدنية، حاصلة على لقب ثالث بهندسة المساحة ومحاضرة ومستشارة بنظم المعلومات الجغرافية والمكانية

شاركونا رأيكن.م