الحكومة الإسرائيلية الجديدة وتصاعد انتهاكات الحقوق الرقمية الفلسطينية
تُخطّط الحكومة الإسرائيليّة الجديدة لموجة من التشريعات الجديدة والمرافقة لممارسات تعمّق من انتهاك الحقوق الرقميّة الفلسطينيّة، بما يشمل الحق في حرية الرأي والتعبير، من أجل تسهيل انتهاك حقوق الإنسان الأخرى والتعتيم على تنفيذ الخطط الاستيطانية الإحلاليّة وانتهاكات حقوق الإنسان المختلفة بحق الفلسطينيين/ات، بهدف منع فضحها وإسكات الصوت الفلسطينيّ المناهض للحكومة الجديدة بشكل تام.
من الواضح أنّ هذه الحكومة اليمينيّة المتطرفة تستكمل ما بدأت به الحكومات السابقة وتسعى بشكل علنيّ وغير متردّد إلى تعميق وتوسيع الاستيطان وتثبيت واقع الضمّ ونظام الأبارتهايد، وإلى إعادة العمل على إقرار مشاريع ومسودات سابقة لقوانين خطيرة لم يتم اعتمادها حتّى الآن، لفرضها على الشعب الفلسطيني ومناصريه. من بين هذه القوانين، متوقع أن تعمل الحكومة الجديدة على استكمال تشريع مشروع " قانون الفيسبوك"، وهو تقيّيد قانونيّ إسرائيليّ جديد للحق في حرية التعبير، يهدف إلى منع ما تسميه الحكومة "التحريض" على شبكات التواصل الاجتماعيّ، وفرض رقابة مضاعفة بهدف قوننة إزالة الحكومة للمحتوى على المنصات الإلكترونية أو تقييد الوصول إليه.
فوفقًا لمشروع قانون "الفيسبوك" هذا، سيتم تفويض قاضي محكمة مركزية، بناءً على طلب المدعي العام، لإصدار أمر يُلزم أي ناشر محتوى، أو مالك أو مسؤول عن موقع إنترنت أو تطبيق، سواء كان مجانيًّا أو مدفوع الثمن، بإزالة المحتوى من الموقع. وقد يدفع سنّ مثل هذا القانون الفرد إلى تجنب التعبير عن رأيه أو الموافقة، ضمنًيا، على إزالة أقواله، وقد يرغم المواطنين على فرض رقابة ذاتيّة وزيادة تأثير الردع خشية أن تؤدي بهم أقوالهم ومنشوراتهم إلى إجراءات أمام الدولة والشركات العالميّة العملاقة.
بالإضافة إلى ذلك، هنالك تخوّفات حقيقيّة من إعادة مشروع قانون منع تصوير جنود الاحتلال وبث تلك الأشرطة على لائحة القوانين الجديدة، ما سيزيد حتمًا من التضييقات على الشعب الفلسطيني والنشطاء ويمنع التوثيق والنشر الحر لانتهاكات جنود الاحتلال الإسرائيلي. ووفقًا للقانون، ستُفرض عقوبات قانونيّة على أي شخص يقوم بتصوير جنود الاحتلال دون موافقتهم، ما سيُفقد الشعب الفلسطيني قدرته على تنظيم وحشد نفسه، كما سيحرمه من التواصل مع مناصريه وتغطية الانتهاكات التي يتعرض لها بشكل يومي وممنهج والتي بالكاد تَغطى في وسائل الإعلام العالمية، ناهيك عن التأثير بشكل كبير على عمل منظّمات حقوق الإنسان التي ستفقد القدرة على الاطلاع على أهم التطورات والانتهاكات التي تدور هناك. إن هذا القانون ذاته سيضيق على عمل الصحفيين وسيفقدهم القدرة على ممارسة عملهم بحرية ومهنية. وأخيرًا، سينشر مثل هذا القانون جوًا من الخوف والذعر بين الفلسطينيّين ما سيقيّد نشر ومشاركة الأحداث التي تحصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإيصال الحقائق إلى العالم.
بالإضافة إلى ذلك، في جعبة الحكومة الجديدة قانون جديد تسعى لسنّه يجرّم رفع العلم الفلسطيني في المؤسسات الممولة من قبل الدولة، وهو يستهدف خصوصا الطلبة العرب في الجامعات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، سوف تقوم بملاحقة المعلمين وعدم توظيفهم في حال انتقادهم سياسات السلطات الإسرائيلية و/أو مشاركتهم في الاحتجاج ضد سياسات الحكومة ذاتها. كما ستعمل إسرائيل على فرض الضرائب على تمويل الجمعيات الحقوقية الفلسطينية واليسارية من خارج البلاد واستهداف المنظمات الحقوقيّة الفلسطينيّة في الضفة الغربية وقطاع غزة وفرض العقوبات عليها، الأمر الذي سيساعدها على فرض ودعم روايتها أمام المحاكم الدوليّة.
من جهة أخرى، وضمن تعديلات قانونيّة لدور الشرطة والمخابرات، تخطّط وزارة الأمن القوميّ إلى إخضاع المواطنين العرب الفلسطينيّين في الداخل إلى القبضة الأمنيّة لجهاز المخابرات، تحت ذريعة مكافحة العنف والجريمة، وسيُسمح لجهاز "الشاباك" بالتدخل في القضايا الجنائيّة والمراقبة على المواطنين العرب وشبكات التواصل الاجتماعي. إن تشريعات الحكومة الجديدة تعمل بشكل ممنهج على تشريع العنصرية والتحريض ضد المواطنين العرب والفلسطينيين ومجموعات أخرى تنتقد الحكومة العنصرية، حيث سيتم تشريع قانون يسمح برفض الخدمات على أساس الدين، و/أو القوميّة و/أو الاختلافات الجندريّة.
ولضمان إسكات الأصوات الفلسطينية والمناصرة للفلسطينيين بشكل تام، أعادت هذه الحكومة تفعيل عمل وزارة الشؤون الاستراتيجيّة لتقوم بعدّة مبادرات وبرامج قاسية تهدف إلى مواجهة ما تعتبره "دعاية" فلسطينيّة وجهودًا لنزع الشرعية عن إسرائيل، لتبرّر الانتهاكات الصارخة لحقوق الفلسطينيّين، من خلال حملات تشهير وتشويه سمعة ضد الفلسطينيّين والمنظمات التي تدعم القضية الفلسطينية، والتلويح بإدراج المنظمات والأفراد الداعمة لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) على القائمة السوداء، وتشويه سمعة مؤيديها من خلال تصنيفهم على أنّهم معادون للسامية أو إرهابيون. وتسعى كلّ هذه الانتهاكات إلى المسّ بالحقوق الرقميّة للفلسطينيّين من أجل توسيع السياسات الاستعمارية بشكل محكم دون فضحها للعالم، ومنعهم من ممارسة حقهم في حرية التعبير والحشد والتنظيم والتأثير على الرأي العامّ والمواقف والقرارات الدوليّة، ما يعني أهمية لفت النظر إلى ضرورة حماية الحقوق الرقميّة من أجل الدفاع عن مجمل الحقوق. وهو ما يفرض ضرورة العمل بشكل متكامل ومتكاتف بين مؤسسات المجتمع المدني المختلفة والفلسطينيين عمومًا عبر تنظيم أنفسهم ذاتيًا لمجابهة الواقع السياسيّ الجديد ومحاربة التشريعات والانتهاكات المتصاعدة. تتطلب مثل هذه السياسات والقوانين الجديدة وقوفًا حاسمًا من المجتمع الدولي والشركات التكنولوجية العملاقة في وجه هذه القوانين، بالإضافة إلى وقف التعاون مع السلطات الإسرائيلية فيما يتناقض مع القوانين والمعاهدات الدولية ويعزز من التمييز ضد الفلسطينيين.
نديم ناشف
مبادر اجتماعيّ ومناصرٌ للحقوق الرقمية. وهو المؤسس والمدير العام ل حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، والذي يعنى بالحقوق الرقمية الفلسطينية. نديم عضو سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة". عمل خلال السنوات العشرين الماضية على قضايا الشباب والتنمية المجتمعية، أسس وأدار عدة مؤسسات ومبادرات مجتمعية.