الإقتصاد في ظل أزمة كورونا
ما زال العالم يواجه شبح فيروس كورونا وإسقاطاته على البشرية جمعاء، بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، ونحن في الداخل الفلسطيني، نُعاني تأثيرًا كبيرًا جراء هذه الأزمة التي قد تُعيق التطور الاقتصادي الذي شهدناه في السنوات الأخيرة، وذلك لطبيعة العلاقة بين اقتصاد المجتمع العربي في الداخل، وبين الاقتصاد الإسرائيلي، ومدى تأثّر اقتصادنا بهذه العلاقة.
الاقتصاد الإسرائيلي دخل الأزمة الاقتصادية في العام الماضي، تحت عبء اقتصادي ثقيل خلّفته ثلاث جولات انتخابية والرابعة على الطريق، حيث أدّت إلى تفاقم العجز، وأفضت إلى حكومة دون ميزانية مُصادَق عليها، كما أن الحكومة الإسرائيلية، صبّت جُلّ اهتمامها على ارتفاع نفقات الدولة وتخفيض الضرائب، دون توفير محركات نمو اقتصادي. كلّ ذلك أدى إلى ما شاهدناه في معطيات 2019، حيث وصل العجز إلى ما يقارب 52 مليار شيقل في موازنة الدولة. إن العجز في الاقتصاد الإسرائيلي، ينطوي على عجز حقيقي، وهذا يعني أن هنالك شريحة كبيرة جدًا من العمال، سوف تبقى في البيوت، لمنع انتشار العدوى.
ويبدو أن التأثير الاقتصادي لهذه الأزمة، سوف يكون من خلال انخفاض في الطلب الكلي، وهبوط في أسواق الأوراق المالية، وسوف يؤدي إلى وقف تام للسياحة، مع تقليص المواصلات العامة، وإيقاف عمل جهاز التربية والتعليم. نتائج ذلك رأيناها في الأيام الأُولى لهذه الأزمة، من خلال هبوط في أسعار الأسهم، وكذلك الضرر الذي لحق بالعديد من صناديق التقاعد، هذا كان مردوده واضحًا على القدرة الشرائية لدى الجمهور الإسرائيلي.
ولكن عندما نتحدث عن الأرقام في المجتمع العربي، فهي أعمق بكثير، وتتمحور حول قطاعين: قطاع الأعمال وقطاع العُمّال؛ فقطاع الأعمال في الوسط العربي، كانت إنتاجيّته ما قبل كورونا أقلّ، وتركيزه متمثّل في الصناعات التقليدية، والمرافق التجارية والخدماتية، مقابل قطاع الأعمال في الوسط اليهودي. هذا القطاع لديه في المجتمع العربي قدرة ضعيفة جدًا في الحصول على قروض وسيولة مالية من قِبَلِ البنوك، وذلك بسبب الآراء المسبقة للبنوك التجارية في إسرائيل، تجاه صاحب المصلحة التجاريّة العربي.
هذه الحقيقة، جعلت قطاع الأعمال التجارية في الوسط العربي أكثر تأثرًا وعُرضة للإغلاق، وذلك لثلاثة أسباب: أوّلها- أن المصالح التجارية في المجتمع العربي، تعاني بشكل عام من عدم توفر السيولة، بالإضافة إلى صعوبة الاقتراض من البنوك الإسرائيلية.
ثانيها- أن الأعمال في المجتمع العربي، ومنذ قيام الدولة، تتصدر لائحة الإفلاس الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي في كل عام، ما يعني أن الأزمة سوف تبقى وستزيد وتُفاقم إغلاق المصالح التجارية عند العرب.
ثالثها- أن الأعمال (القطاع الخاص) في المجتمع العربي، هو بمثابة سوق هامشية للسوق المركزية الذي يتركز في المدن اليهودية الكبرى، وهو يرتبط به ارتباطًا وثيقًا من خلال الخدمات التي يقدمها للسوق المركزي اليهودية. وبطبيعة هذه العلاقة، فإنه في فترة الأزمات، دائمًا ما يسحب الاقتصاد المركزي هذه الخدمات، ويكون المجتمع العربي هو الأكثر تضررًا على مستوى القطاع الخاص، وعلى مستوى العمّال الذين هم في طليعة من يخرجون إلى عطلة بدون أجر وبطالة.
وبما أن القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للنمو، إلا أنه وبعد ثلاث موجات من الإغلاق، لم تنجح الحكومة الإسرائيلية في وضع خطة إنقاذ يتعافى من خلالها القطاع الخاص في المجتمعين؛ اليهودي والعربي. وأضف إلى ذلك، أن إسقاطات أزمة كورونا أدّت إلى نسبة بطالة عالية جدًا في المجتمع العربي، والتي وصلت إلى 32% مقابل 20% في المجتمع اليهودي. وذلك لطبيعة الأعمال التي يرتكز بها العمال العرب، والمرافق الاقتصادية التي يعملون فيها؛ فالمرافق الاقتصادية الأكثر تضررًا في جائحة كورونا هي مرافق تشغل عمالًا عربًا.
وبما أن القطاع الخاص والعمّال العرب هم أكثر من تضرروا، إلا أن المجتمع العربي كان الأقل حظًا، في الحصول على مساعدات من الدولة، والأقل حظًا في الحصول على قروض من البنوك التجارية أو على قروض بكفالة الدولة. هذه الإسقاطات، أدّت إلى توجّه العديد من أصحاب المصالح التجارية إلى السوق السوداء للحصول على قروض بنسب فائدة عالية جدًا، وبعد انقضاء بضعة أشهر، وعدم تمكن التجار العرب من تسديد قروضهم، لاحظنا بشكل واضح الارتفاع البيّن في نسبة العنف والجريمة كنتيجة لذلك.
إن تدهور وضع القطاع الخاص في المجتمع العربي، لم ينعكس على العمال العرب فقط، بل على الخدمات التي تقدمها السلطات المحلية للسكان: فإذا كان 20% من دخل السلطات المحلية يأتي من جباية ضريبة الأرنونا التي يدفعها أصحاب المحلات التجارية، فهذا يعني أننا سنرى انخفاضًا لهذه الخدمات بسبب انخفاض دفع القطاع الخاص لهذه الضرائب.
المجتمع العربي هو محرك أساسي للنمو الاقتصادي في المجتمع الإسرائيلي، وإذا لم تستثمر الحكومة من خلال توسيع ميزانيات الدعم للمجتمع العربي، فسوف تفقد قدرتها على استعادة عافية الاقتصاد بسرعة، فقد أثبتت الأبحاث فاعلية المجتمع العربي في إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي وزيادة نموه بشكل ملحوظ.