إسرائيل... أبارتهايد بأبشع صورة
رأى الباحث الأسترالي ""باتريك وولف""، الّذي وضع اصطلاح ""الاستعمار الاستيطاني"" أنّ هذا الأمر لا يقتصر على حدثٍ تاريخي محدود زمنيًا، بل يشمل داخله مبنى علاقات قوة تقوم بين المجموعات. وعليه فإنَّ أحد تيارات الاستعمار الاستيطاني هو نظام الأبارتهايد. يتسم هذا النّظام بالتّمييز المُمنهج وبمقاومة أبناء المكان الأصلانيين للنظام التّمييزي وللعنف الشّرطوي، الّذي يقوم به أفراد المجموعة المُهيمنة تجاه الأصلانيين.
نُشر قبل ثلاثة أشهر استطلاع شامل أجري في إطار مشروع حمل اسم Middle East Scholar Barometer في وشمل أكاديميين أمريكيين، سُئل هؤلاء عن الشّرق الأوسط بشكلٍ عام، وعن الوضع في فلسطين/ إسرائيل بشكل خاص. أشار معظمهم، أي نحو 59% منهم أنّ الواقع الإسرائيلي اليوم أقرب إلى ""دولة واحدة يناسبها لقب أبارتايد"". كما وأجمع كل من تقرير ""بيتسيلم"" الصّادر قبل حوالي نصف عام وتقرير “Human Rights Watch” الصّادر قبل شهر — أنَّ هناك نظامَا فوقيَا اثنيًا يهوديًا في إسرائيل، بل وأنَّ هناك بضع تسويات تثبّت دونيّة السّكان الأصلانيين الفلسطينيين كالمواطنة الإسرائيليّة، واحتلال وإخضاع سكان القدس، وسيطرة على المناطق C، وحكم ذاتي إداريّ ومناطقيّ في المدن الفلسطينيّة وفي المناطقB، وحصار وتطويق لغزّة ومتابعة استبعاد اللاجئين، ومواليد البلاد الذين هُجّروا من منازلهم وأرضهم خلال النكبة ولا يزالون يطالبون بالعودة إليها.
يتغلغل وعي وجود نظام ""الأبارتهايد"" في أوساط الأجيال الشّابة التي تقود الاحتجاج الشّعبي حاليًا. فمن يتابع تصريحات الشّباب العرب ممن يعبرون عن أنفسهم بالعبرية بطلاقة كما رأينا في صحيفة ""هآرتس"" مثلًا، يُدرك أنّنا نشهد ولادة جيل قوي الإرادة يؤمن بقدرته على تغيير الواقع. فمن وجهة نظرهم لا فرق بين أريئيل وكرميئيل وبين نابلس والنّاصرة. بل وإنّ الفرق يكمن فقط بتسويات عنصريّة بين الفلسطينيين واليهود في هذه المدن.
يقرأ هذا الجيل ويتابع أنباء هدم القرى العربية كأم الحيران في النّقب مثلًا، من أجل إنشاء بلدة يهوديّة مكانها بينما يُمنع العرب السّكن فيها. فمثلًا يعرف أبناء هذا الجيل أنّ هناك 700 بلدة مخصّصة لليهود، بل ويعرفون بالمقابل أنهم ممنوعون من السّكن فيها. كما وتصدمهم مساعي التّهجير من أجل توطين اليهود في جميع أنحاء البلاد، خصوصًا في القدس الشّرقية، ويصدمهم الدّمار والموت اللذان يخلفهما الجيش الإسرائيلي في شوارع غزة. بعد انهيار نظام ""الأبارتهايد"" الإسرائيلي. أي بعد مرور عقدين أو ثلاثة سنشكر هؤلاء الشّباب وأقرانهم في فلسطين/ إسرائيل وفي جميع أنحاء العالم لأنهم عرضوا أنفسهم لخطر جسدي ونفسي بل وخاطروا بمستقبلهم العملي وربما سُجنوا من أجل بناء نظام متساوٍ وديمقراطي للجميع.
يختلف هذا الجيل جوهريًا عن القيادة العربيّة الحاليّة، لقد شوّه أيمن عودة ومنصور عباس وأنصارهما مفهوم كلمة ""تأثير""، فبدلًا من دفع المنظومة السّياسية الإسرائيليّة نحو نهج متكافئ يرفض الفوقيّة اليهوديّة، خضعا لها وانضما إلى اليمين الإسرائيلي في مساعيه لتشكيل حكومة. لا، بل وحثًا ووفقًا لنهج عودة المجتمع العربي على تقبل الدّولة اليهوديّة، أنوه أن هذا النّهج متملّق بل وعلى استعداد لتقبل الفوقيّة والسّيطرة.
في الواقع، علينا الاعتراف أنَّ هناك دعمًا لهذا النّهج في أوساط الفلسطينيين في إسرائيل. ساد دعم مشابه لهذا النّهج في أوساط السّود في الولايات المتحدة قبل الثورة الأهليّة، ولدى عدّد لا بأس به من السود في جنوب أفريقيا قبل إنهاء نظام ""الأبرتهايد"". لكني أوضح، أنّ الرّبط الدّعائي الّذي يقوم به ""الخبراء"" الإسرائيليون بين احتجاج الشّباب الفلسطينيين في إسرائيل وبين حماس عبثي ولا أساس له من الصّحة. حيث بدأ هذا الاحتجاج وانتشر في مختلف أنحاء البلاد قبل أن تطلق حماس قذيفة واحدة نحو الأراضي الإسرائيليّة، بسبب مشاعر الإحباط وخيبة الأمل الناتجة عن التّمييز المستمر، وهدم البيوت، والطّرد والتّهجير والتّعامل الإقصائي بالإضافة إلى غياب حل عادل ومنطقي للقضية الفلسطينيّة عامةً، وخاصة في الأماكن المقدسة في القدس.
يعي الجمهور الفلسطيني في إسرائيل جيدًا أنَّ قوة اليمين الجديد تتعاظم كجزء من تطور ديناميكية الدّولة الفوقيّة الاثنية، كما ويعرف هذا الجمهور أنَّ جزءًا لا يستهان به من هذا اليمين الجديد في إسرائيل ""كاهاني"" وعنصريّ لدرجة أنه يذكرنا بعنصريّة أوروبا خلال القرن الماضي. تحظى هذه النّزعات بدعم رئيس الحكومة بل وبدعم رئيس الدّولة الذي يُعتبر ليبراليًا، حيث عاد الأخير إلى قاعدته الأيديولوجيّة اليمينيّة وهاجم ""مُثيري الشّغب العرب"" في المدن المختلطة. وبالطبع، استنكرت غالبيّة وسائل الإعلام والقيادة اليهوديّة اعتداءات العرب على اليهود دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تغطية ""البوغرومات"" الكاهانية تجاه العرب بشكل مفصل. حيث تجاهلت وسائل الإعلام المنازل الّتي نُهبت، والمصالح التي أُحرقت، والمارة العرب الذين تعرضوا للاعتداءات. كما قال نتنياهو: تُذكرنا الأحداث ""بالبوغرومات"" ضد يهود أوروبا الشّرقية. لكنه نسي أن يذكر أنّ الضّحايا هذه المرة كانوا عربًا، وأن اليهود اعتدوا عليهم على مرأى ومسمع الشّرطة الّتي تساهم في إيذائهم لأنهم عرب فقط!
يدعم السّماح بدخول قوات حرس الحدود إلى اللد والإعلان عن حالة طوارئ ثُلل ""شباب التلة- נוער הגבעות"" وأتباع كاهانا ويشرعن تدفقهم إلى البلدات العربيّة واعتدائهم على المواطنين العرب. لكن، علينا أن لا ننسى أن هذه الاعتداءات الممنهجة هي جزء من الاعتداءات على الفلسطينيين في غزّة، والضّفة الغربيّة والقدس الّتي تتصل بشكلٍ مباشر بذكرى النّكبة الّتي أحياها الفلسطينيون مؤخرًا. لا خيار لنا في ظلّ هذه المخاطر سوى التوجّه للأمم المتحدة وطلب حماية دوليّة للفلسطينيين في إسرائيل. حيث تتيح الاتفاقيات الدّولية والتّسويات المختلفة التّدخل لحماية السّكان الأصلانيين والأقليات القومية. وعليه يجب التّوجه إلى هذه الأطر قبل فوات الأوان.
عن صحيفة هآرتس وموقع ""ملتقى فلسطين""
تصوير: اورن زيف \ موقع سيحا مكوميت"