أهميّة رعايّة الحيوانات لتعزيز منظومة القيّم الإنسانيّة لدى الأطفال!
ماذا تعني لك كلمة ""حيوان""؟ وما هو شعورك عند قراءة الكلمة؟ ما هو شعورك عند التّفكير بعيون حيوان تنظر إلى عينيك، وأي حيوان يأتي إلى ذهنك عندما تكتب كلمة ""عيون"" قبل كلمة ""حيوان""؟
في ظلّ الحياة العصريّة، يشهد مجتمعنا الفلسطيني في الدّاخل تحديات وإشكالات مختلفة، جزء منها ينطبق على معظم المجتمعات حول العالم مثل: انتقال محوّر الحياة الاجتماعية والتّواصل إلى الشّاشات، دون رؤية وجه وعيون من نتواصل معهم أو من يبادلنا الرّسائل التي نقرأها، والجزء الآخر يصيبنا بشكلٍ خاص كمجتمع فلسطيني في الدّاخل كارتفاع نسبة العنف المجتمعي، والابتعاد عن التّواصل الوثيق مع الأرض الذي طالما كان جزءًا من تراثنا وثقافتنا، كلاهما نابعان ومتعلقان بسياسات منهجيّة متواصلة تتبعها الدّولة. هذه الأنماط من السّلوك لها عواقب سلبيّة على واقعنا، تتجلى في أشكال مختلفة في أسلوب حياتنا، وهي عواقب لا يمكنّنا السّماح بوجودها اليوم، وخاصةً في ظلّ تهديد أزمة المناخ.
تمس التربيّة الهادفة للمعاملة الحسنة للحيوانات هذه القضايا من زوايا مختلفة، إذا ما تمت بتعمق كافٍ، يمكن أنّ تكون جزءًا من الحل لهذه المشكلات، وحل لمشكلات أخرى متعدّدة. يكمن الارتباط في موقفنا كمجتمع من الحيوانات، الذين هم شركاؤنا الصّامتون على هذه الأرض، سواء كان الأمر يتعلق بالحيوانات الأليفة، أو حيوانات المزارع أو الحياة البريّة، فإنّ تطوير القدرة على رؤية الحيوانات رؤيّة صادقة، وفهم احتياجاتها واحترامها من الممكن أن يساعدنا في الخروج من فقاعة البقاء على قيّد الحياة التي نعيشها في أيامنا، وتطوير فضائل إنسانيّة من الدّرجة الأولى.
التّعليم للمعاملة الحسنة تجاه الحيوانات مهم لجميع الأعمار، إلّا أنه أكثر أهميّة عند الأطفال، فالأطفال هم مستقبل البشريّة، ومن المستحسن زرع هذه القيّم عندهم من جيل مبكر. بالإضافة فإنّ الأطفال لم يكوّنوا بعد عادات اجتماعيّة راسخة، ويسهل عليهم بناء علاقات وطيدة مع الحيوانات دون الشّعور بالخجل، وخًاصة مع الحيوانات الأليفة الأكثر تعبيرًا عن نفسها مثل الكلاب والقطّط، فيطوّرون من خلال الارتباط بها المقدرة على الحب والمسؤوليّة تجاه الآخر، الاهتمام بالأخر وفرحة الحياة. الأمر أكثر أهمية في أيامنا هذه إذ يتم جزء كبير من حياة الأطفال الاجتماعية من خلال الشّاشات، سواء كانت ألعاب محوسبة أو رسائل عبر شبكات التّواصل الاجتماعي، فعندما يكوّن الطّفل علاقة شخصيّة قريبة مع حيوان يحظى بها بردود فعل طبيعيّة مليئة بالحب، وقد يساعده هذا على التّواصل؛ لأنّ للحيوانات المقدرة على تذكيرنا بالإنسانيّة في داخلنا بسبب احتياجها لرعايتنا واهتمامنا، ونظرًا لقدرتها على إعطاء الحب غير المشروط.
التربيّة لرعاية الحيوانات ليست مشروطة بتربية حيوان في المنزل، فالحيوانات موجودة في كلّ مكان: الطّيور على الأشجار، القطّط في الشّوارع، حيوانات المزارع في القرى، الحيوانات البريّة في الغابات، والحيوانات البحريّة في البحر وغيرها. نحن نصادف الحيوانات في كلّ مكان وتعتمد حياتنا عليها. إلّا أنّ حياتنا غدّت سريعة، مليئة بالمحفزات، ونحن لا نتوقف للتمعن ورؤيّة شركائنا على الأرض. نحن نعيش في جهد متواصل، وكلّ شيء متوفر وفوري، ليس هذا طبيعيًا لنا. سماع زقزقة الطّيور على الأشجار أكثر طبيعيًا لنا من سماع صراخها من القفص، والعودة للإصغاء للطيور كما فعل آبائنا وأجدادنا تخفض من درجة القلق والتّوتر. يشكل هذا مثال واحد للعودة إلى وتيرة حياة أبطأ، أكثر تناغمًا وأكثر إنسانيّة. عندما يتعلم الأطفال رؤيّة الحيوانات من حولهم، ويدركون أنّ للحيوانات لغتهم الخاصة وليست لغتنا المنطوقة، وأنّ حركاتهم الرّقيقة هي في الواقع اللّغة التي يتكلمون بها، يتفتح شيء ما في آفاقهم، ويتبلور فهم متجدّد لمفهوم ""الآخر"". ويلعب استيعاب مفهوم ""الآخر"" دورًا مهمًا في الخروج من فقاعة الجري للبقاء على قيد الحياة، وتنميّة الشّعور بالمسؤوليّة تجاه المجتمع والبيئة، لينموا الأطفال ويصبحون أفرادًا نشطين من أجل مجتمعهم.
إلّا أنّ أهم جانب من جوانب التّربية الإنسانيّة نحو تنميّة التّعاطف مع الحيوانات يكمن في الحد من العنف الاجتماعي، لقد أثبتت الأبحاث في هذا السّياق أن هنالك علاقة وطيدة بين تعنيف الحيوانات والإجرام، وأنّ أولئك الذين يعذبون الحيوانات هم أكثر عرضة لاستخدام العنف ضد البشر، بالإضافة، فنسبة عاليّة من الأطفال الذين يسيئون للحيوانات يتعرضون هم بأنفسهم للعنف. بشكلٍ عام الأطفال هم الفئة الأضعف في المجتمع، وإنّ أرادوا التّعبير عن احباطهم، سيتمكنون من إفراغ غضبهم فيمن هم أضعف منهم فقط، أي الأطفال الأصغر سنًّا أو الحيوانات. لسوء الحظ، نحن نشهد الكثير من الإساءة للحيوانات في مجتمعنا، من قبل الأطفال والبالغين على حدٍ سواء، ويكون هذا مؤشر للعنف المجتمعي. عندما يتعلم الطّفل عن عالم الحيوانات وعن احتياجاتهم ومشاعرهم، وعندما يدرك أنّ الحيوان هو أحد ما وليس شيئًا ما، له ميزاته وذكاؤه الخاص، له حياة اجتماعيّة ولغة خاصة به، وأن لكلّ حيوان جماله وميزاته، قد يطوّر مشاعر معينة تجاه الحيوان، كالتّعاطف، الرأفة والتّقدير ولا يسعه بعد الإساءة إليه بنفس اللامبالاة، وعندما يمتنع الطّفل عن الإساءة إلى حيوان ما حتى لو استطاع فعل ذلك بسبب مشاعر ساميّة، فمن المحتمل أنّ ينسخ هذا النّوع من السّلوك في تواصله البشريّ عند بلوغه، ويمتنع عن تعنيف من هو أضعف منه، بالتالي، فتعليم الرّأفة تجاه الحيوانات للأطفال قد يكوّن مركب مهم من الحلّ الممكن للعنف المجتمعي عمومًا.
ذكرت بعض مزايا تعليم الأطفال عن رعايّة الحيوانات، جوانب أخرى لم تذكر هنا تتعلق بحيوانات المزارع والحيوانات البريّة، فمن الممكن أن يساهم التّواصل مع الحيوانات المألوفة في بناء جسر نحو الإدراك العام لشبكة الحياة المحيطة بنا، وخاصةً لأننا نواجه أزمة مناخيّة ودرجات قصوى من التّلويث البيئي، ولا يسعنا بعد أن نتعامل مع الأرض كما لو كانت سلعة ذات موارد لانهائيّة للاستهلاك، فنتجاهل بقية أشكال الحياة التي تدعمنا ونلحق بها ضرّرًا لا بد أن ينقلب علينا إن لم نغيّر من تصرفاتنا فورًا.