الآثار النفسيّة للحرب: حِمْل إضافي على أكتاف العُمال

 ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما نَمُرّ به كشَعب من حروب متتالية ونكبات متكرّرة.

تساءلتُ في نفسي: كيف لنا كَعُمال أن نبدأ يومنا ونَحزم أمتعتنا كل يوم من جديد وعلى أكتافنا حِمل المشاهد والأفكار، والضبابية، والخوف، والعجز؟ وماذا عن هؤلاء العمال الذين صادفوا قذيفةً هنا وهناك خلال دوامهم أو عند عودتهم من العمل متلهفين للقاء أطفالهم؟ أو أولئك الذين أُوقفوا عن العمل لأسباب مختلفة ولا يعلمون كيف سيعتاشون غدًا ويوفرون لقمة العيش لعائلاتهم؟  أو مَنْ فقدوا أحبّتهم وأصبح واقعهم مختلفًا ومغايرًا؟

مِن هُنا بدأت بحثي لِخطّ بداية المقال، ومَسح إسقاطات الحرب على نفسية الموظّفين في مختلف المناطق، وإيصال رسالَتي في الأبعاد التنظيمية الإنسانية التي يمكن لنا أن نكون ذوي تأثير عليها كَمشغِّلين أصحاب مؤسسات.

   تُعتبر الحروب من أكثر التجارب قسوة على البشر، حيث لا تقتصر آثارها على الدمار المادي والخسائر في الأرواح البشرية وحسب، بل تمتد أيضًا إلى الجوانب النفسية والاجتماعية. يُظهر التاريخ أن العمّال هم مِن أكثر الفئات تأثّرًا خلال النزاعات المسلحة والحروب، حيث يواجهون تحديات نفسيّة متعددة نتيجة الظروف المحيطة. في هذا المقال، سأشارك الآثار النفسيّة للحرب على العمال.

نبدأ بالضغوط النفسية الناتجة عن فقدان الوظيفة، إذ تُعدُّ البطالة من أبرز الآثار السلبية التي يعاني منها العمّال خلال الحروب. يمكن أن يُسبب فقدان الوظيفة مشاعرَ القلق والاكتئاب، حيث يشعُر العُمال بعدم الأمان وفقدان الهويّة المهنيّة. على سبيل المثال، في حالة النزاع في سوريا، فَقَد عدد كبير جدًّا من العمال وظائفهم بسبب تدمير المنشآت الصناعية، وقد أظهرت الدراسات أن هؤلاء العمال عانوا من مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب، مما أثر سلبًا على صحتهم النفسية.

أما بشأن تأثير الصدمة النفسية، فيواجه العمال أيضًا صدمات نفسيّة نتيجة تجاربهم المباشرة في مناطق النزاع. يمكن أن تشمل هذه التجارب التعرّض للقصف، وفقدان الأصدقاء أو الزملاء، أو حتى مشاهد العنف نفسها. تشير الأبحاث إلى أن الكثير من العمال الذين عاشوا في مناطق النزاع عانوا من اضطراب ما بعد الصدمة، مما أثّر على قدرتهم على العمل والتفاعل الاجتماعي. على سبيل المثال، أبلَغ بعض العمال في العراق عن تجاربهم المؤلمة التي أدت إلى انسحابهم من الحياة الاجتماعية والعملية.

وهناك أيضًأ التوترات الأسرية والاجتماعية، إذ تُعتبر الضغوط النفسية الناتجة عن الحرب سببًا رئيسًا في تفاقم التوترات الأسرية. عندما يتعرض العمال لضغوط نفسية، فقد ينعكس ذلك على علاقاتهم مع أفراد أسرهم، ويعبر عن نفسه على شَكل مشاعر غضب وإحباط، مما يؤدي إلى صراعات أسريّة. في حالة النزاع الفلسطيني، أظهرت دراسات أن العديد من العمال الذين فَقَدوا وظائفهم أو تعرّضوا للعنف في العمل واجهوا صعوبات في الحفاظ على علاقات صِحية مع أسَرِهم. 

وعن استراتيجيات التأقلُم، على الرغم من التحديات النفسيّة الكبيرة، فإن بعض العمال يتبنون استراتيجيات للتأقلُم مع الظروف الصعبة. تتضمن هذه الاستراتيجيات الدعم الاجتماعي، مثل الانخراط في مجموعات الدعم أو التواصل مع الأصدقاء والعائلة. كما يُمكن أن تساعد الأنشطة الترفيهية، مثل الرياضة أو الفن، في تخفيف الضغوط النفسية. في حالات عديدة، عبَّر العمال الذين شاركوا في برامج الدعم النفسيّ عن تحسّن صحتهم النفسية وقدرتهم على العودة إلى العمل. 

أهمية الدعم النفسي: تُظهر المُعطَيات السابق ذِكرها أهمية توفير الدعم النفسي للعمال المتأثرين بالحرب. يجب أن تشمل الاستجابات الإنسانية برامجَ دعم نفسي متكاملة تهدف إلى مساعدة العمال على التعامل مع آثار الصدمة. يمكن أن تشمل هذه البرامج جلسات علاجية فردية وجماعية، بالإضافة إلى ورش عمل لتطوير مهارات التأقلُم. 

وفي الختام، تظل الآثار النفسية للحرب على العمال قضية معقّدة تتطلب اهتمامًا كبيرًا من المجتمع الدولي والمحلي.  من خلال فَهم التحديات النفسيّة التي يواجهها العمال، يمكن العمل على تطوير استراتيجيات فعّالة لدعمهم في هذه الأوقات الصعبة.

إضاءة: هل فكّرتم كمشغلين وأصحاب مصالح ومؤسسات بتوفير الدعم النفسي لعمالكم؟

يعود أَثَر خطوة كهذه بالفائدة على مؤسساتكم، فهي توفر بيئة داعمة لطواقمكم وتضمن استقرار مؤسساتكم في فترة النزاعات.

أرجو أن يكون مقالي هذا بمثابة دعوة للمبادرة بتوفير هذا الدعم لعمّالكم.

مروة مجادلة بدران

مستشارة تنظيمية ومختصة في مجال الموارد البشرية

رأيك يهمنا