معتقلو هبة الكرامة.. غياب الحاضنة الشعبية وتركهم لمواجهة مصيرهم لوحدهم
بالرغم من الأحداث الأخيرة في البلاد، والتي تتخذ وتيرة التصعيد في تعميق الانتهاكات على جميع أجزاء الشعب الفلسطيني، وفي كل البعد عن الانقسام بين المعسكرين اليمنيين والاحتجاجات المتواصلة، هناك ما تتفق عليه الأحزاب الصهيونية بجميع أطرافها وهو: كيفية تعذيب الفلسطينيين، وبالتالي تشديد العقوبات الجماعية والفردية وخصوصًا على الأسرى، كما رأينا في الآونة الأخيرة بعد تنصيب المتطرف بن غفير من حزب عوتسما يهوديت وزيرًا للأمن القومي وسنّه لقوانين تهدف إلى التضييق على الأسرى في كل مجالات حياتهم، مثل قانون سحب جنسية الأسرى من منفذي العمليات والذي تم التصويت عليه بالإجماع التام بين المعسكرين الصهيونيين المنقسمين، وبغالبية الأطراف والأحزاب مرّ القانون بسهولة. ولا أقول أن بن غفير هو الوحيد الذي اقترح قوانين عنصرية في منابر الكنيست الاحتلالي، ولكنه وسّع مفهوم التعذيب وسياسة الفصل العنصري الذي بدأته الحكومات السابقة، ومن ثم أصبح السباق في هذه الحكومات على من ينتهك حقوقنا أكثر ومن هو عنصري أكثر. وعند إجماعهم وتصويتهم على سحب الجنسية من الأسرى كان من المتوقع أن تعمق هذه الحكومة أيضًا انتهاكاتها فيما يتعلق بملف أسرى هبّة الكرامة. وقد أكملت هذه الحكومة ما بدأته الحكومات السابقة بقرارات جائرة بحق الأسرى والمعتقلين على خلفية الهبة، والذين كانوا قد هبّوا، في نهاية المطاف، في سبيل الدفاع عن بيوتهم ونصرة للأقصى والشيخ جراح وللتصدي لعدوان المستوطنين الممولين من جهات متطرفة مدعومة من منظمات تعتبر منظمات إرهابية بحسب القانون الدولي.
الجيل الشاب وقود الثورة
الجيل الجديد أو ما يسمونه بـ "الجيل الثالث"، هو الجيل الذي قيل عنه أنه سينسى وينسلخ عن مجتمعه ووطنه ولكن هو من كان الوقود والنواة لهذه الهبّة. بدأ ذلك مع خروج أبناء هذا الجيل بطريقةٍ عفويةٍ للدفاع عن بيوتهم وبلداتهم من عدوان المستوطنين الذين جاءوا بحماية الشرطة وقوى الأمن الإسرائيلية. وهذه الفئة من الشباب، التي هبت إلى الشوارع دون الحاجة لتكوين وعي سياسي لديهم، هي التي قادت المواجهات الصعبة والمباشرة مع أفراد الشرطة والجيش. هم من أعاقوا من خلال حراكهم فاعلية الجيش الإسرائيلي في التحرك كما يريد خلال الحرب على غزة، فعملت إسرائيل على إخماد الهبة فورًا والقيام بحملة اعتقالات كبيرة طالت أكثر من ألفين من الشبان والصبايا الفلسطينيين، وأكثر من 600 لائحة اتهام في الداخل.
سياسة ردع
خلال الهبّة وحتى يومنا هذا، شنت المخابرات الإسرائيلية حملة اعتقالات واسعة هدفت لإثبات السيادة والسيطرة على الشباب والصبايا ولخلق سياسة ردع حالية ومستقبلية. وكما ذكرنا سابقًا، وصلت إلى أكثر من ألفي شخص، فقدمت لوائح اتهام كاذبة وغير صحيحة ضد كثيرين من المعتقلين بعد انتزاع اعترافات منهم تحت الضغط والتعذيب واستغلال عدم معرفة المعتقلين لحقوقهم خلال الاعتقال، مما أثر على مجرى التحقيقات لصالح المخابرات الإسرائيلية، ومكنها من تمديد اعتقالهم بذرائع قانونية.
فصل عنصري في الأحكام
تستمر المحاكمات بحق مئات الشبّان على خلفية مشاركتهم في هبة الكرامة أيار/مايو عام 2021، ولا تختلف التهم عن بعضها البعض كثيرًا، إذ تتراوح بين إلقاء الحجارة والاعتداء على شرطي أو على ممتلكات عامّة، والاعتداء على يهود. أما الأحكام فهي جائرة وكبيرة فهناك من صدر بحقه حكم بالسجن 10 سنوات بسبب إلقاء الحجارة، وكما يبدو أن المؤسسة الإسرائيلية مستمرة في تشديد الأحكام على مواطنيها العرب، وتخفيفها على اليهود الذين اعتقلوا على خلفيات مشابهة.
تركهم لمواجهة مصيرهم لوحدهم
على الرغم من أن هؤلاء الشبّان هبّوا ليس فقط لنجدة بيوتهم، بل لنجدتنا نحن جميعاً كقيادة وأحزاب وشعب وفلاحين وأطباء ومهندسين وعمال ورجال دين، ولولاهم لكانت النتائج أكثر خطورة على الفلسطينيين وخصوصًا في المدن المختلطة، لكن المعتقلين وعوائلهم لم يلقوا الدعم اللازم والحاضنة الشعبية المتوقعة، فتُركوا لمواجهة مصيرهم لوحدهم، وذلك بعد العديد من المحاولات من قِبل عائلات المعتقلين لطلب المساعدة والمساندة من لجنة المتابعة وقيادة الأحزاب، ولكن دون أي تحرك يذكر. فقد تمحور عملهم فقط في بيانات قصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض التصريحات المزيفة بالتحامهم مع العائلات أمام وسائل الإعلام ووعود كاذبة لا تتحقق.