لماذا نعمل ولمن نعمل في القدس؟ تجربة مركز الدّراسات النّسوية

 تأسس مركز الدّراسات النّسوية في القدس في العام 1989 بهدف الكشف عن الأوضاع التي تعيشها النّساء في المدينة، وبالتالي وضع البرامج المختلفة وحث المنظمات المختلفة من منظمات نسويّة وحقوقيّة على أخذ تلك الأوضاع بعين الاعتبار. ولا شك بأنَّ أوضاع النّساء في القدس تتشابه إلى حدٍ كبير مع أوضاع النّساء الفلسطينيات في أنحاء الوطن كافة، من حيث تأثرها بالثقافة المجتمعية السائدة وما تفرزه هذه الثّقافة من تمييز مقصود أو غير مقصود ضد النساء، إلّا أن وضع النّساء في القدس قد تأثّر إلى حد كبير بظروف القدس السّياسية من حيث:

  • إعطاء سكان القدس هوية خاصة (هوية القدس الزّرقاء) التي تتعامل مع سكان القدس على أنهم/ أنهن من سكان دولة إسرائيل، ولكن دون إعطائهم الجنسية الإسرائيليّة.

  • احتفاظ سكان القدس بجوازات السّفر الأردنيّة، وعدم تمكينهم من الحصول على جوازات سفر فلسطينية كباقي سكان الضّفة الغربيّة وقطاع غزة، مع الأخذ بعين الاعتبار تحوّل تلك الجوازات بعد سنوات إلى مجرد وثائق سفر، بمعنى أنَّ سكان القدس أصبحوا لا يحملون أي جنسية، مجرد وثائق سفر أردنية ووثائق سفر "إسرائيلية"، وما يعنيه ذلك من عدم وجود أي حقوق مواطنة في أي دولة.

  • حظر دخول سكان الضّفة الغربية وقطاع غزة إلى القدس إلّا بتصاريح خاصة، ووضع شروط للحصول عليها، الأمر الذي يعني عدم تمكين الكثير من الأقارب من زيارة الأهل في القدس.

  • وضع شروط عديدة على سكان القدس للمحافظة على "هوية القدس" من ضمنها السّكن في حدود بلدية القدس وإثبات ذلك، ودفع ضرائب سكن للبلديّة "الإسرائيليّة" وهي ما تسمى ضريبة الأرنونا، رغم حظر البناء في القدس ووضع شروط عديدة تتطلب الجهد والمال والانتظار لفترات زمنية طويلة قبل الحصول على رخص البناء، مما يعني انخفاض العرض مقابل الطّلب وانعكاس ذلك على التّكلفة العاليّة للسكن، مما يضطر العديد من السّكن خارج القدس تعريض أنفسهم لخسارة هوية القدس.

  • في حال زواج المقدسي أو المقدسية من غير سكان القدس فعليهم/ ن التقدم للحصول على ما يسمى "جمل الشّمل" للحصول على هوية قدس، أو إذن بالسّكن في القدس وهذا بالطبع لا يتم بسهولة بل يتطلب وضع محامين وتكاليف والانتظار لوقت طويل، أو السّكن في القدس بطريقة غير قانونية مما قد يعني مساءلة قانونية.

 

كل ذلك يتم في ظلّ ثقافة ما زالت تعتبر البنت أو المرأة مواطنة من الدّرجة الثّانية، مما يعني أنها وبمجرد السّكن في القدس وهي لا تحمل هوية مقدسية فهذا يعني بأنها بعيدة عن أهلها، ولن تتلقى أي دعم أسري في حال تعرضها للعنف، بالإضافة لمواجهة ضغوط عدة نذكر منها:

  • عدم الخروج من البيت إلّا للضرورة حتى لا تعرّض نفسها للترحيل من القدس في حال تم الكشف بأنها لا تحمل هوية القدس.

  • السّكن عند أهل الزوج نظرًا لقلة فرص السّكن، أو ارتفاع تكلفة السّكن في القدس مما يحرمها الشّعور بالاستقلالية.

  • تعرض الكثير من المنازل للهدم نتيجة البناء غير المرخص؛ وهو ما تضطر العديد من العائلات للجوء إليه في حال عدم تمكنهم من الحصول على رخصة بناء أو استئجار بيت.

  • مرافقة الأطفال الذين يتم الحكم عليهم بما يسمى "الحبس المنزلي للأطفال"، وهي سياسة تتخذها سلطات الاحتلال للضغط على الأطفال وضمان عدم مشاركتهم بالنّضال ضد الاحتلال والذي عادة ما يكون من خلال المشاركة في التظاهرات وإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال...

  • حرمانها من التّواصل مع أهلها في حال كانت لا تحمل هوية القدس؛ وبالتالي عدم الحصول على الدّعم الأسري في حال تعرضها لأي طارىء مثل المرض أو اعتقال زوجها أو أطفالها...الخ.

  • الحرمان من التّعليم الثانوي أحيانًا في حال كانت المدرسة الثّانوية تتطلب التّنقل من حي إلى آخر في ظلّ خوف الأهل من تحرش الجنود بالبنات، أو كنتيجة لضعف التعليم وعدم توفر الخدمات الكافية في المدارس التي تشرف عليها بلدية القدس في الأحياء العربية، وعدم تمكن العائلات من ذوي الدخل المحدود من إرسال بناتهم إلى مدارس خاصة.

  • وجود الحواجز العسكرية ما بين القدس وبقية مناطق الضّفة يحرم الكثير من الفتيات من العائلات المحافظة من التّعليم في الجامعات التي تقع معظمها خارج حدود بلدية القدس، وما يتطلبه ذلك أيضًا من مصاريف تنقل عادة ما يتم تفضيل صرفها على الذّكور في المجتمعات التّقليديّة.

 
كل ذلك والكثير من المعيقات تحول دون توفير حياة كريمة للنساء والفتيات في منطقة القدس الأمر الذي استدعى مركز الدّراسات النّسوية للعمل على:
  1. تأسيس برنامج "المرأة والاحتلال والفقدان" والذي يساعد النّساء اللواتي تعرضن لصدمة الفقدان، سواء صدمة اعتقال أحد أفراد الأسرة، أو تعرض طفل من أطفال الأسرة إلى الاعتقال المنزلي وفقدان الحرية أو فقدان شخص عزيز، أو فقدان السّكن للتكيف مع الوضع والصمود عبر عدة استراتيجيات تم تطويرها تتراوح ما بين الدّعم النفسي الفردي، والدّعم الجماعي، وتأهيل المجتمع للتعامل مع هذه الحالات. وضمن هذا البرنامج أيضًا يتم توعية المجتمع الدّولي بما تعاني منه النّساء حيث تم تنظيم لقاءات للنساء الفاقدات مع الممثليات كما قام وفد منهن بزيارة البرلمان الأوروبي للإجتماع معهم والحديث حول المعاناة التي يتعرضن لها هن وأسرهن.

  2. العمل في المدارس في برامج مختلفة لتعزيز حقوق البنت من جهة، والتّصدي للتحرشات الجنسية التي يعمل الاحتلال على تقويتها من خلال إسقاط بعض الشباب والشابت (برنامج تعزيز حقوق الطفلة، وبرنامج أمان).

  3. جمع التّبرعات والمساهمة في دفع تكاليف التّعليم الجامعي لبعض الطالبات المحتاجات.

  4. العمل مع الشّباب والشّابات لكي يكونوا سند للفكر التّقدمي الّذي يحث على تشجيع الشّباب والشاّبات للقيام بمبادرات من شأنها أن تعمل على رفع مستوى الوعي في المجتمع الفلسطيني، وتدريبهم وتدريبهن على كيفية مواجهة المشكلات التي يواجهونها (برنامج سند).

  5. العمل على مساعدة النّساء للتفكير بمشاريع تدّر الدّخل عليهن من مثل تأسيس تعاونيات، أو تسويق بعض المنتجات التي ينتجنها داخل منازلهن.

  6. نشر ما تعانيه النّساء المقدسيات والوصول إلى المجتمع المحلي والدّولي من خلال نشرات المركز والصّفحة الإلكترونية، والنشر في صفحات العديد من المنظمات الشريكة في دول عربيّة وأجنبيّة.

  7. التّنسيق ما بين النّساء في القدس والضفة وقطاع غزة عبر المنتديات والشّبكات المختلفة الفلسطينيّة والإقليميّة التي يشارك في عضويتها مركز الدّراسات النّسوية.

 

هذا وفي ظلّ الأزمة الأخيرة التي عانت منها وتعاني نساء القدس كما كلّ سكانها، من حيث الهجمة على بيوت العائلات في الشّيخ جراح لإخلائهم من بيوتهم بحجة غير صحيحة يدعون فيها بأن ملكية الأرض التي أقيمت عليها هذه البيوت تعود لجمعية يهودية قبل العام 1948، وهو إدعاء كاذب ومحاولة الاعتداء على المسجد الأقصى ومداهمته كونه يعد مكان مقدّس لكلّ الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، فإن المركز يتابع العمل مع التّجمع النّسوي المقدسي ومنظمات القدس المختلفة لإيصال الصّوت إلى المجتمع الدّولي وشارك في لقاءات مع القنصليات الأجنبية والعديد من المنظمات الدّولية، وشارك في إصدار البيانات والمذكرات للجهات الدولية على طريق إحقاق الحق وحماية ممتلكات الأسر المقدسية وعدم تشريد العائلات الفلسطينية التي هجّرت وشرّدت من بيوتها في العام 1948، وما زالت بيوتها هناك يسكنها المحتلين ولا يطالبون بإخلائها وليس لأصحابها وصاحباتها الحقيقيين الحق بالمطالبة بها، وبيت جدي في حي القطمون في القدس التي تم احتلالها في العام 1948 خير شاهد على ذلك، حيث ما زال البيت قائم وتسكنه أسرة يهودية وليس لنا الحق للمطالبة به، وهنا يتجلّى التّمييز العنصري بشكل لا يسمح بالتّشكيك.

 


كاتبة المقال: ساما عويضة وهي المديرة العامة لمركز الدراسات النسوية.

تصوير: طارق بكري

ساما عويضة

المديرة العامة لمركز الدراسات النسوية في القدس

شاركونا رأيكن.م