ظاهرة التّنمر الإلكتروني - Cyberbullying
مع انتشار استخدام الطلاب للأجهزة الذّكية ووسائل التّواصل الاجتماعي، بحيث أصبح الواقع الافتراضي يشكل حيزًا كبيرًا في حياتهم فيه يُعبر المراهقون عن رغباتهم، وأفكارهم، وآرائهم. كما نشهد أيضًا سلوكيات سلبيّة ومؤذية أحيانًا منها: الإفراط في استخدام الإنترنت والإدمان، والقمار، والانكشاف لمواقع إباحية شاذة أو مواقع تشجع على العنف وغيرها.
من خلال مقالتي هذه، ارتأيت تسليط الضوء على ظاهرة "التّنمر الإلكتروني"، التي تقلق بال الباحثين والأخصائيين وجمهور المربين من حيث خطورتها ومدى انتشارها الآخذ بالازدياد، إذ صرح نحو 40% من الطلاب أنهم تعرضوا للتنمر، أو مارسوا التنمر. أسعى من خلال المقالة إلى زيادة الوعي عند المربين والأهل والجمهور الواسع حول تعريف الظّاهرة وأسبابها، وأشكالها وكذلك طرق الوقاية منها وعلاجها على مستوى العائلة والمدرسة.
التّنمر الالكتروني- تعريف
هو سلوك عنيف ومؤذِ، متكرّر ومتعمد مثل إرسال نصّ أو صور من خلال وسائل التّواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت (مثل Facebook, Instgram, Tik Tok, Snapchat, Whatsapp, Twitter,) يهدف من خلاله المتنمر الافتراء، والتحرش، والإقصاء، والإحراج، والتعذيب، والتخويف أو التهجم على طرف أخر. التّنمر الإلكتروني يعتبر جرم ويعاقب عليه القانون بحيث قد تصل العقوبة للسجن الفعلي.
أشكال التّنمر الإلكتروني الأكثر انتشارًا وسط جمهور المراهقين
النّميمة وبث الشّائعات وتشويه صورة شخص.
التّحريض للمقاطعة الاجتماعية وتدمير علاقات اجتماعية، مثل التّحريض على إقصاء طالب وإخراجه من مجموعات التّواصل.
تمرير رسائل خاصة لأخريين (المس بالخصوصية والتسبب بالفضيحة).
شتائم واستخدام ألفاظ نابية تسبب الاهانة للأخريين.
تهديد ومحاولة تخويف شخص ما عن طريق رسائل ذات مضمون عدائي.
نشر صور فاضحة ومُهينة، ابتزاز الضّحية أحيانًا.
تحرش أو ملاحقة شخص عن طريق إرسال الرّسائل المتكرّرة ضد رغبته ورغم رفضه للتراسل.
إنتحال شخصيّة وهمية للتحايل على شخص ما واختراق عالمه الشّخصي.
سرقة حساب شخص واستخدام الحساب للمس بصاحبهِ أو بالأخريين.
أسباب التّنمر الالكتروني
التّطبيع– normalization: نتيجة للإفراط في استخدام "الشّاشات" التي تخلو من الجوانب الحسيّة والإنسانيّة الدّافئة المتواجدة في اللّقاء المباشر والحقيقي مع الأخر، يحدث ما يسمى بالتعود والبلادة بالمشاعر عند ممارسة أو مشاهدة سلوكيات مسببة للأذى. فنسمع من المراهقين تعابير مثل طبيعي وعادي عند مشاهدة أو فعل سلوك عدائي ومؤذٍ!!
عدم المعرفة والوعي بأن السّلوك الممارس هو سلوك مؤذ ومرفوض. على الغالب نسمع من الفاعل بأنه لم يقصد وأنه مجرد يمازح زميله!!
نقص بالمهارات الاجتماعية وبالأخص انعدام السّبل في حلّ المشاكل الاجتماعيّة، والتّعامل مع مشاعر الغيرة أو الغضب النّاتج من تلك المشاكل.
نتيجة لثقافة اجتماعية عنيفة ينشأ بها المراهق ويذوت مفاهيم تشجع على العنف أما عن طريق تعرضه للعنف من قبل الأهل والبالغين أو يلقى التدعيم الايجابي لسلوكه العنيف.
نتيجة للتجارب المدرسية السابقة في مواجهة التنمر، بالأساس غياب النظم والرقابة الرادعة مما يشجع الطلاب على تقليد الأخريين وممارسة التنمر الالكتروني.
مبنى شخصية متمركزة حول الذات لا ترى الآخر واحتياجاته.
العلامات النّفسية لدى ضحايا التّنمر الإلكتروني
بشكل مشابه لضحايا أنواع العنف الأخرى فإنَّ ضحايا التّنمر الإلكتروني غالبًا ما يشعرون بواحد أو أكثر من المشاعر التّالية:
الحزن والعجز.
الوحدة والعزلة.
القلق والخوف.
الاكتئاب والإحباط.
الغضب والرّغبة بالانتقام.
العار والانتكاسة.
تدني التّقييم الذّاتي.
العلامات السّلوكية والاجتماعية لدى ضحايا التّنمر الإلكتروني
عند التّعرض للعنف الإلكتروني يُظهر ضحايا التّنمر الإلكتروني إحدى السّلوكيات التّالية أو أكثر:
التوقف و/أو التّراجع عن استخدام الأجهزة الإلكترونية الذّكية.
شعورًا سيئًا بعد استخدام الأجهزة الإلكترونية الذّكية.
تغييرات حادة وفجائية في عادات الأكل والنوم (كوابيس).
الامتناع وعدم الرّغبة بالمشاركة بنشاطات اجتماعية.
تغييرات حادة وفجائية بالعلاقات الاجتماعية والأصدقاء وفقدان الثّقة بالأخريين.
تراجع بالتّحصيل العلمي والامتناع عن الذّهاب للمدرسة.
النّتائج الخطيرة للتنمر الإلكتروني
أظهرت نتائج الأبحاث على المستوى العالمي والمحلي أنَّ للتنمر الإلكتروني نتائج خطيرة على الضّحية والجاني وجمهور المراهقين عامةَ، نذكر منها:
المعاناة النّفسية عند الضّحية والأهل.
الانتحار ومحاولات الانتحار من قبل الضّحايا.
تعرض المُعتدي للتحقيق في مركز الشّرطة، التّوقيف، فتح ملف جنائي، جزاء مادي أو حتى السّجن.
تشجيع شباب وأولاد أخريين على تقليد سلوك التنمر.
خطورة التّنمر الإلكتروني مقارنة بأنواع العنف الأخرى
يُعد التّنمر الإلكتروني سلوكًا عنيفًا مثل باقي أنواع العنف، بل ويعدهُ البعض أخطر وأشد ضررًّا على الضّحية وذلك للأسباب التّالية:
ممكن ممارسته بأي وقت ومتى يشاء المُعتدي.
ممكن المس بأي شخص، أينما كان وحتى أولئك غير المرتبطين بالشبكة.
إخفاء هوية المُعتدي وبسهولة نسبيًا.
إنتشار واسع وسريع للسلوك المؤذي (Streaming media).
أسباب عدم طلب المراهقين المتعرضين للتنمر للمساعدة
%61 يشعرون أنهم يمكنهم التّعامل مع الوضع بأنفسهم.
%52 قلقون من الانتقام.
%37 يخجلون من الحادث.
%38 يخشون الوقوع في مشاكل بسبب الحادث مثل المقاطعة ووصمهم بالوشاة.
دور الأهل في مواجهة ظاهرة التّنمر الإلكتروني
التّواجد والحضور في حياة الأبناء الافتراضية، مثل فتح حساب في وسائل التّواصل الاجتماعي لمتابعة شؤون وتصرفات الابن بالشبكة (الرّقابة).
تثقيف الابن حول السّلوك السليم داخل الشّبكة، أي لا يكون مُعتدي ولا ضحية.
أن يشكلوا قدوة حسنة لأبنائهم وألّا يتنمروا هم ذاتهم في تعاملهم مع الأخريين.
التّحدث مع الأبناء حول أضرار ومخاطر التّنمر وإدارة نقاش نسعى من خلاله للإصغاء لآراء الابن، وكيفية تصرفه في حال تعرض للتنمر الإلكتروني وعرض البدائل لكي يختار ردة الفعل السّليمة.
حث الأبناء على التّوجه إليهم لطلب المساعدة والاستشارة عند التّعرض للتنمر الإلكتروني.
حث الأبناء على لعب دور مؤثر وايجابي في مواجهة الظاهرة مثل دعم زميل تعرض للتنمّر الإلكتروني أو إقناع زميل يسعى للمس بزميل بواسطة التّنمر الإلكتروني وصده. كذلك التوجه وإبلاغ المربي أو المستشار/ ة بالأمر، وأن يرى بذلك "بطولة" وليس "وشاية".
الترّبية لقيم التّسامح، التعاطف والعلاقات الإنسانية.
دور المدرسة في مواجهة الظاهرة
قياس حجم المشكلة داخل المدرسة وبناء خطة عمل ممنهجة للحد من هذه الظّاهرة.
إقامة نشاطات توعوية وتربوية للطلاب بواسطة المحاضرات وورش العمل وحلقات النقاش بين الطلاب بهدف سماع أرائهم ومواقفهم حول حالات عينية، وكيفية تصرفهم في حال حدث الأمر معهم أو مع أحد زملائهم.
تهدف هذه النشاطات إلى تحقيق الأهداف التالية:
1. تثقيف الطلاب على الإبحار الآمن وخطورة التّنمر بالشبكة.
2. إكساب الطلاب آليات في كيفيّة الدفاع وحماية الذّات وطلب المساعدة.
3. تشجيع قيم التّسامح، التّعاطف والعلاقات الإنسانيّة في أوساط الطلاب.
4. تشجيع الطلاب على التّبليغ بمثل هذه الحالات، هذه مسؤوليّة وليست "وشاية".
5. العمل على تمكين الأهل وتدعيم الشّراكة معهم بواسطة المشاركة بالمعلومات والتّعاون في حل المشاكل.
الرّسائل التّربوية لجمهور الطلاب
"لا للتّنمر الإلكتروني... نقطة".
فكر مرتين قبل الضغط على like أو Send.
تبني شعار "أصبعك حصانك، إن صنته صانك وإن خنته خانك".
فكر أنَّ هنالك إنسانًا من وراء الشّاشة.
لا تشاركوا ولا تشتركوا في سلوكيات مؤذيّة عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
اليوم هو، غداً أنت!!
أقطعوا الاتصال والمحادثات مع المتنمر بشكل فوري وتوجهوا لشخص بالغ لطلب المساعدة.
كاتب المقال: د. عامر جرايسي وهو مُعالج ومُحلل نفسي وموجه أهالي.