يوم الأسير في ظل الحرب: تنكيل وتعذيب وانتقام

تكثيف المكثف وتقليص المقلص وتحديد الحيّز في انعدام الحيّز. هذه هي الأوضاع التي يعيشها أكثر من تسعة آلاف معتقل وأسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية. منذ السابع من أكتوبر الماضي ولغاية بداية آذار تم اعتقال أكثر من 7400 آلاف فلسطيني، ولغاية آخر شباط وصل عدد المعتقلين الإداريين الى 3765 والمعتقلات الى 227 والأطفال إلى 460.

يخضع المعتقلون منذ لحظة اعتقالهم لمنظومة انتهاكات مُمنهجة تستهدف كسر روحهم وإرادتهم قبل وصولهم إلى التحقيق وتجريدهم من إنسانيتهم وكرامتهم أثناء الاعتقال. تبين إفادات المعتقلين والمنشورة منها كذلك أنه غالبا ما تم استعمال العنف الجسدي والنفسي والإهانات والشتم والضرب واستعمال الكلاب أثناء الاعتقال وإلقاء المعتقلين أحيانا على أرضيّة مركبة الاعتقال ودفع المعتقل بالأرجل وهو معصوب العينين ومكبل اليدين والرجلين. لا يكون التحقيق أحسن حالا، فالتحقيقات تستمر ساعات طويلة في ظروف زنازين صعبة مرافقة بتنكيل نفسي وترهيب ومنع من النوم لساعات طويلة.

يعيش الأسرى والمعتقلون السياسيون في سجون وأقسام تفصلهم عن المعتقلين والمساجين الجنائيين لمراقبتهم والتضييق عليهم حيث وضعت مصلحة السجون أنظمة خاصة صنّفتهم "كمعتقلين أمنيين" لتحرمهم من الصفة السياسية لنضالهم فضيّقت ومنعت وحدّدت الحركة والزيارات. يعيشون في حيّز ضيق خانق حيث تخلفت سجون إسرائيل كثيرا عن مثيلاتها من الدول الغربيّة في الكثير من المجالات وخاصة الحيّز المعيشي الذي يصل إلى ثلاثة أمتار بينما يصلُ المُعدل الأوروبي إلى ثمانية أمتار، معنى هذا أن الحيّز المعيشي المشترك للأسرى ضيق وخانق أصلا.

حصّل الأسرى على مدى سنوات بعض الإنجازات في ظروف اعتقالهم كلّفت بعضهم حياته، حيث خاض الأسرى إضرابات طويلة عن الطعام جماعيّة وفرديّة لتحسين بعض هذه الظروف الأساسيّة المعيشيّة.

جاءت الحرب وجاءت التضييقات وما كان أصلا ضيّقا تم تضييقه أكثر وما تم إنجازه سابقا ألغته مصلحة السجون كليّا في عملية انتقامية عقابية. مع إعلان حالة الحرب بعد السابع من تشرين أول 2023 أعلنت مصلحة السجون عن حالة طوارئ داخلها وأنّ ما كان سابقا لن يكون بعد اليوم وأنها ملتزمة بالحد الأدنى للخدمات،  فأغلقت أبوابها أمام الزوار من ممثلي الصليب الأحمر ومحامين وأهل وانقطعت زيارات الأهل وما زالت. سُحبت الأجهزة الكهربائية المستعملة للشرب والطبخ من الغرف كالطنجرة الكهربائية ومنع الأسرى من إعداد طعامهم في الزنازين، يتم إحضار الوجبات لهم إلى داخل الزنازين وتدل الإفادات على أنها لا تحوي المقومات الأساسية كما دلّت الكثير من الإفادات، بل ووصلتهم بكميّات قليلة وبجودة سيئة جدًا، بل متعفنة أحيانًا وقذرة. مُنع الأسرى من الخروج من الزنازين وقطعت عنهم الكهرباء ساعات النهار. 

 أعلن وزير الأمن القومي عن دعمه لهذا الإجراءات وطالب بتكثيفها وطالب بإتاحة نوم الأسرى على الأرض دون أسرّة. وأدى ارتفاع عدد الأسرى الى ازدحام شديد واختناق في الزنازين ونقص حاد في الأسرّة والفرشات والثياب حتى الداخلية منها، حيث لم يتم تزويد الأسرى بملابس يحضرها الأهل ويتم استبدالها لتلائم الطقس البارد شتاء، وشكى الأسرى من البرد القارس والجوع وخسارة الوزن. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل دلّت إفادات معتقلين أفرج عنهم شاركوها مع وسائل الإعلام أو محامين زاروهم عن تعرضهم للعنف المُمنهج المكثف والمعاملة القاسية غير الإنسانية وصلت حد التعذيب والموت، تعكس سياسة واضحة وليست محض صدفة. ازداد التخوف من وفاة آخرين تحت التعذيب وجراء العنف الممنهج والإهمال الطبي.

طالبت الهيئات الحقوقية وهيئة شؤون الأسرى بإجراء تحقيقات في الأمر حيث بينت  تقارير أن تشريح الجثامين دلّ على وجود علامات عنف وكسور على اثنين منها على الأقل. وفي غياب مرجعيات قضائية وغياب الصليب الأحمر ومنع زيارات المحامين وعرقلتها يزداد الخوف على حياة الأسرى.

أُعلنت الحرب فأُلغيت تصاريح العمل للغزيين وتم زجهم بسجون تابعة لإدارة الجيش ومَنْع أي معلومات عنهم وعُلِم عن مقتل إثنين منهم في بداية الحرب. كثفت إسرائيل من اعتقال الغزّيين من النازحين من داخلها، وصل عددهم إلى قرابة ألفين، منهم نساء وسْط ظروف مهينة لا إنسانية نشرت في وسائل الإعلام. ولم يُسمح للمحامين والمحاميات حتى الآن زيارتهم. استعملت إسرائيل قانون "المقاتلين غير الشرعيين" حجّة لاعتقالهم لكنها عادت واعترفت أنّ أغلب من اعتقلتهم ليسوا مقاتلين.

جاء في تقرير نشرته صحيفة هآرتس في آذار عن مقتل 27 معتقلًا من غزّة في السجون الإسرائيلية التابعة لسلطة الجيش في سديه تيمان (بئر السبع) وعنتوت (القدس)، عِلاوة على  ثمانية أسرى ومعتقلين من الضفة الغربيّة في السجون التابعة لمصلحة السجون.

يزداد القلق على حياة الأسرى في هذه السجون خاصّة، حيث أنّ التعديل بقانون "المقاتلين غير الشرعيين" (كانون أول 2023)  يُتيح اعتقال شخص لمدة 45 يومًا دون إصدار أمر اعتقال ومنعه من لقاء محام مدة ستة أشهر. يُطبّق بهذا الاعتقال مفهوم "الاختفاء القسري" حيث لا تُنشر أسماء وأعداد المعتقلين ولا ظروف اعتقالهم  وترفض السلطات الإسرائيلية التصريح بأي معلومة عنهم.

فعليّا، يمكن أن يختفي المعتقل دون أن يُعلم بمصيره ودون أي رقابة أو مسائلة. رغم عمل المؤسسات الحقوقية المُكثّف لمعرفة ظروف الاعتقال أو إلغاء هذا التعديل لا تلقى هذه المطالبات آذانًا صاغية لا بالمستوى السياسي ولا القضائي حتى الآن.

جاء يوم المرأة وعشرات المعتقلات الفلسطينيات من غزة والضّفة ومناطق 48 معتقلات في ظروف لاإنسانية وبينهن إداريات، وفيما يخص الغزيّات لا تُعرف أي تفاصيل عنهن ولا تتاح للمحاميات زيارتهن ولا للصليب الأحمر الذي ما زال ممنوعا من الزيارة.

جاء رمضان في ظل ظروف قاسية وانتهاكات صارخة بحق الأسرى، ويأتي يوم الأسير ليُعيد الأسرى الى مربع الصفر ليس فقط لأنّ الإنجازات سُحِبت والحقوق انتهكت، بل لخوف وقلق جدي على مصيرهم وحياتهم في ظل صمت، بل وإقرار المحكمة العليا للتعديلات ومع غياب كُلي لقدرة المنظومة الدوليّة الحقوقيّة على التأثير والمُساءلة والمُحاسبة الفعليّة وما زال الصليب الأحمر ممنوعًا من زيارة السجون.

جنان عبده

محامية في اللجنة لمناهضة التعذيب، باحثة وناشطة حقوقية وفنانة تشكيلية

شاركونا رأيكن.م