صعوبات التعلّم: إضاءة على السِمات العاطفيّة الاجتماعيّة بين "العادي"ّ و"الخاصّ"
في السَّنوات الأخيرة، أشغَل الجانب العاطفي الاجتماعي لدى الطلاب في التعليم العاديّ والتعليم الخاصّ العديد من الباحثين، وأجريت أبحاث عدّة في المجال. على مدار السنوات العشرين الماضية، أظهرت الأدبيات البحثية التي تتعامل مع الطلاب ذوي صعوبات التعلم المحدَّدة وغيرها من الاضطرابات الأخرى أنّهم يتميَّزون كمجموعة متنوِّعة الصعوبات العاطفية والاجتماعية والسلوكية، بما يتجاوز الصعوبات في أدائهم الأكاديمي، وتشير النتائج أيضاً إلى وجود عجز كبير في المهارات الاجتماعية والسلوكية لدى هؤلاء الطلاب مقارنة بالطلاب العاديّين (North, 2020; Charles & Carstensen, 2007).
الشعور بالانسجام، على سبيل المثال، هو جانب عاطفي اجتماعي يُعرّف على أنّه" نظرة عامّة إلى العالم ومورد داخلي، ممّايعكس الدرجة التي يجب أن يحدِّد بها اليقين المستمر أن بيئته الخارجية والداخلية يمكن التنبؤ بها، وأنَّ الشخص لديه فرصةعالية للوصول إلى الحل المطلوب" (Antonovsky, 1987; Fullan & Quinn, 2015). يتبيَّن أنّ الأشخاص الذين يتمتَّعون بدرجة عالية من الإحساس بالانسجام يتمتعون في الوقت ذاته بقدرات عاطفية واجتماعية، كالقدرة على ضبط المشاعر والتصرُّف فيها، ومواجهة حالات الضغط واستعمال الإستراتيجيات المناسبة للسيطرة على المواقف الضاغطة (Ben-Naim, Laslo-Roth, Einav, Biran, & Margalit, 2017; McLaughlin, 2019). في المقابل، هناك تأكيد كبير في المؤلّفات البحثية ذات الصلة على أنَّ الطلاب ذوي صعوبات التعلم المحدَّدة يمتازون بمستوى منخفض من الانسجام مقارنة بأقرانهم ممن لا يعانون من هذه الاضطرابات (מרגלית, 2014Al-Yagon, 2010 ;). قد وجِد أيضًا أنَّ الطلاب الذين يتمتّعون بدرجة عالية من الانسجام يشعرون بضغط أقل في المدرسة، وهذا بدوره يعزِّز الحصانة النفسية والقدرة على مواجهة القلق والاكتئاب، كما أنّ تعاملهم مع الضغط يتأتّى بحكمة، ولا تبدو عليهم علامات التوتر مثل صرير الأسنان (Vainio & Daukantaite, 2016).
جانب آخر، هو الاستقرار العاطفي الذي يساهم بشكل كبير في تحسين الأداء الوظيفي والإنجاز في العمل،(Bajaj, Gupta & Sengupta, 2019 ;Rothmann & Coetzer, 2003) وكما هو معلوم فإنّ دَوْره المركزيّ هو الحفاظ على التفاعلات الاجتماعية المعقّدة .(Lee, Dougherty, & Turban, 2000) من المهم ملاحظة أنّ تشخيص الطلاب الذين يعانون من تقلّبات في الاستقرار العاطفي وصعوبات التكيف هو عملية مستمرة لما بعد ذلك، حيث تحديد ما يحتاجون إليه من خدمات (Bajaj et al., 2019;Dever, Dowdy, Raines, & Carnazzo, 2015).
يعدّ جانب القلق، بما في ذلك "قلق الامتحان"، أحد العوامل الرئيسة المؤثِّرة على التعلُّم. ينشأ القلق من الامتحان قبل الامتحان وأثناءه. تتضمَّن ظاهرة القلق من الامتحانات سلسلة من الظواهر العقلية والجسدية التي يمكن التعبير عنها بشكلمختلف من طالب لآخر (סגל ושמעוני, 2000). للقلق من الامتحان تأثير سلبيّ على التعلُّم والأداء الأكاديمي منخلال التأثير على الانتباه والتركيز، الذاكرة واستخدام الإستراتيجيات (כץ, 2011). تؤثِّر الصعوبات العاطفيةوالاجتماعية لدى الطلاب الذين يعانون من اضطراب التعليم المحدَّد أيضًا على استجاباتهم العاطفية لأيّ شيء يُعزى إلىالنجاح والفشل. הבר (1990) يلاحظ أنَّه بسبب ميْل هؤلاء الطلاب إلى المعاناة من التصوُّر الذاتي السيئ، يُنظر إليهم علىأنّهم قلقون ويعتمدون على الآخرين وعلى أنّهم يبدون خائفين. هذه المشاعر بارزة بشكل ملحوظ خلال خوض تجربة الاختبار.في هذا السياق، يجد قسطنطين (קונסטנטין, 2016) أنَّ العديد من الطلاب الذين يعانون من صعوبات تعلم محدَّدة طوروا مهارات تأقلم وتكيُّف مع الصعوبات التي يواجهونها بطرق فعّالة والتعامل معها بطريقة منطقية ممّا أدّى إلى تحسُّن في أدائهم التعليمي.
يُعرّف مصطلح الوحدة الاجتماعية على أنّه تجربة معقَّدة تتضمَّن العواطف والأفكار والأفعال، التي تعكس عدم التوافق بين احتياجات الشخص ورغباته ومهاراته الاجتماعية وواقعه الاجتماعي (Licardo, 2019;Weiss, 1973) . تشير العديد من النتائج إلى أنَّ الطلاب الذين يعانون من صعوبات تعلم محدَّدة واضطرابات أخرى، لديهم مستوى عالٍ من الوحدة الاجتماعية مقارنةً مع الطلاب العاديّين من الجيل نفسه (לויאן-אלול, רביב והרץ-לזרוביץ, 2003; (Margalit, 2010; Sharabi, 2013، وغالبًا يبلّغ هؤلاء الطلّاب عن الكرب الشخصي والصعوبات الاجتماعية والرفضالاجتماعي (Kotzer & Margalit, 2007; Usta, & Karabekirogulu, 2020) . قد ينجم الاغتراب والرفض الاجتماعي عن رد فعل زملائهم على الفشل الأكاديمي (נויברגר ומרגלית, 1998). وجِد في عدد من الدراسات ارتباط سلبيّ بين الشعور بالانسجام والشعور بالوحدة الاجتماعية بين التلاميذ الذين يعانون من صعوبات تعلم محدَّدة أو بدونها (Idan & Marglit, 2014; Sharabi, 2013; Sharabi, Levi,& Margalit, 2012; Usta & Karabekirogulu, 2020).
تشير الكفاءة الاجتماعية إلى قدرة الفرد على استخدام الأدوات الملائمة للتعامل مع متطلبات البيئة والثقافة، وتشكِّل أساسًالعمل الفرد المستقلّ وعاملًا حيويًّا لنجاحه في البيئة التي يعيش فيها (רונן וכוהן, 2011). في هذا السياق، وجِد أنَّالطلاب فاقدي المهارات الاجتماعية يواجهون مشاكل قصيرة وطويلة الأجل، بما في ذلك النزاعات الشخصية والصعوبات الأكاديمية؛ وتعتبر هذه المشاكل معقَّدة بالنسبة للطلاب الذين يعانون من اضطرابات عاطفية وسلوكيّة (Caldarella et al., 2018)، وهو ما يؤكِّد أنّ أفضل مؤشِّر على التكيُّف الجيد ليس التحصيل الأكاديمي أوالذكاء، بل قدرة الطفل على التوافق مع الأطفال الآخرين (Zach, Yazdi-Ugav, & Zeev, 2016). لذلك أظهرت المدارس التي تشارك بشكل منهجي في المجال الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي زيادة في تحصيل الطلاب مقارنة بالمدارس التي لا تتناول كلا العاملين (Morris, McGuire, & Walker, 2017).
جانب آخر يشير إلى الكفاءة الاجتماعية هو قدرة الفرد على تكوين علاقات اجتماعية وصداقات، حيث تشكِّل جانبًا أساسيًّا في مراحل تطوُّر الطفل الاجتماعية. كما أنّه من المهم معرفة رغبة الأطفال في التواصل مع صديق مقرب من خلال اللعب، والتواصل البصري، وإظهار التعاطف تُجاه الأصدقاء أو في ما يخصّ المحادثات، ومن ناحية أخرى لدى الأطفال ثمّة ضرورةتجربة الشعور بالانتماء إلى مجموعة كبيرة من الأقران (בקר, 2009)، حيث يكون رابط الصداقة متبادلًا ومستقرًّا، وهذا بدَوْره يساهم في تطوير وظائف عاطفية مهمة، وبالتالي تمكِّن الطفل من التأقلم والتكيُّف في البيئة. توفِّر المؤسّسات التربوية والمدارس المساحة والفرصة للأطفال لتطوير المهارات الاجتماعية العاطفية وتحسينها، وذلك من خلال الديناميكية الاجتماعية مع مجموعة الأقران، والصعوبات التي يواجهونها تمكِّنهم من تعلم الطرق الصحيحة لفهم الوضعيات الاجتماعية والتعامل معها بشكل صحيح.
د. إيهاب زبيدات
محاضر كبير ، يحمل لقب الدكتوراة في علم النفس العلاجي والصحي. مركز المعلمين الجدد والمربيين في وحده الدخول للتدريس في" كليه سخنين"، له أبحاث في مجالات الجوانب العاطفيه والاجتماعيه والتعليميه للطلاب والمعلمين.