خطّة وزير القضاء: إلحاق الضرر بحقوق الفلسطينيّين في إسرائيل
نالت حكومة نتنياهو السادسة ثقة الكنيست في الـ 29 من كانون الأوّل المنصرم. بعد أيّام قليلة من أداء الحكومة اليمين الدستوريّ، بدأت هذه تترجم برنامجها السياسيّ على أرض الواقع. في الـ 4 من كانون الثاني الجاري، أعلن وزير القضاء يَريـﭫ ليـﭭـين عن خطّة شاملة لتغيير وجه السلطة القضائيّة في إسرائيل، وإعادة تصميمها وَفقًا لمفهوم معسكر اليمين الدينيّ المتطرّف.[1]
ورقة الموقف هذه تتناول النتائج المترتّبة عن خطّة وزير القضاء وإسقاطاتها على المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، وتدّعي أنّه إلى جانب إلحاقِ الضرر المتوقَّع بالحرّيّات الفرديّة، والمسِّ بمبدأ فصل السلطات واستقلال السلطة القضائيّة، ستُلحِق الخطّة بالمواطنين الفلسطينيّين ضررًا جِدّيًّا ومباشرًا. وحسبما نرى، ستسهّل هذه الخطّة تنفيذ سياسات الحكومة العنصريّة تجاه الفلسطينيّين، التي فُصِّلت في اتّفاقيّات التحالف الجديد وفي خطوطه العريضة، وستترجِم الخطّة نوايا تعزيز وتشريع تفوُّق المجتمع اليهوديّ بالقانون، وستحدّ من إمكان أن يتوجّه المجتمع الفلسطينيّ إلى السلطة القضائيّة لمواجهة هذه السياسات. وممّا لا شكّ فيه أنّ الخطّة ستُلحِق الضرر بالحقوق المدنيّة والقوميّة الجماعيّة، ولن يقتصر الأمر على الحقوق والحرّيّات الفرديّة.
ترمي خطّة وزير القضاء، في ما ترمي، إلى استكمال مشروع اليمين الدينيّ الاستيطانيّ، وهو ترسيخ المكانة المتدنّية للسكّان الفلسطينيّين وتبعيّتهم. وهو جزء من مشروع أوسع، يسعى من خلاله معسكر اليمين بأطيافه إلى استكمال سيطرته على مراكز صنع القرار والسياسات في إسرائيل، وترسيخ طابع الدولة كدولة لليهود فقط. بغية تحقيق ذلك، تحتاج الحكومة إلى ترويض السلطة القضائيّة ومنع الرقابة، وضمان سلطة قضائيّة محافِظة لا تتدخّل في عمليّة التشريع ولا تنتقد سياسات الحكومة.
بنود الخطّة
قدّم وزير القضاء خطّة متكاملة لتغيير مكانة وأداء السلطة القضائيّة بعامّة، والمحكمة العليا بخاصّة. تشمل الخطّة ما يلي:[2]
- فِقرة التغلُّب: تقترح الخطّة سَنّ قانون فِقرة التغلّب، الذي يخوّل الكنيست إعادة سَنّ قانون أبطلته المحكمة العليا بأغلبيّة 61 عضو كنيست فقط، أي بأغلبيّة تمكّن التحالف من التغلّب على قرارات المحكمة العليا دون حاجة إلى دعم من خارج التحالف الحكوميّ. سيحدّ هذا الإجراء على نحو بالغٍ من قدرة المحكمة العليا على التدخُّل وإبطال القوانين، أو بنود معيّنة منها، إذا كانت تتعارض مع قوانين أساس. الهدف هو منع تدخُّل القضاء وضمان محكمة محافِظة، على الرغم من أنّه على أرض الواقع منذ سَنّ قوانين الأساس في منتصف تسعينيّات القرن المنصرم لم تَقم المحكمة العليا بالتدخُّل وإلغاء قوانين أو بنود قوانين إلّا في 22 حالة.
- قوانين الأساس: تسعى الخطّة إلى منع تدخُّل المحكمة العليا في قوانين الأساس، بحيث سيحتاج نقاشُ دستوريّة القوانين نِصابًا كاملًا للمحكمة العليا، أي 15 قاضيًا، ويحتاج إلغاء قانون إلى أغلبيّة خاصّة.
- "حجّة المعقوليّة": منع المحكمة من استخدام "حجّة المعقوليّة" للحكم على التشريعات والقرارات الحكوميّة. هذا يعني تقليص مساحة تدخُّل المحكمة في قرارات السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة.
- لجنة اختيار القضاة: تغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة بغية منح الحكومة سيطرة فعليّة عليها. بِذا يرمي وزير القضاء إلى تقليل حصّة ودَوْر القضاة في عمليّة تعيين قضاة جدد، وزيادة تمثيل السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة، أي زيادة التدخُّل السياسيّ في عمليّة اختيار القضاة. وَفقًا للخطّة، سيُرفع عدد أعضاء اللجنة من 9 إلى 11، بحيث يكون ثمّة تمثيل متساوٍ لجميع السلطات، وسيبدَّل تمثيل نقابة المحامين بمندوبي جمهور يختارهم وزير القضاء بنفسه. بالإضافة إلى هذا، المرشَّحون للمحكمة العليا سيخضعون لجلسة استماع عامّة في الكنيست.
- رئاسة المحكمة العليا: يُلغى نظام الأقدميّة في تعيين رئيس المحكمة العليا، وتُوْلَى الحكومة صلاحيَة تعيين رئيس المحكمة العليا. في هذه الحالة، ستكون الحكومة قادرة حتّى على تعيين رئيس من خارج قضاة المحكمة العليا.
- مكانة المستشارين القانونيّين: وَفْق الخطّة، ستكون مناصب المستشارين القانونيّين للحكومة "مناصب ثقة" للوزراء، وسيعيِّن الوزير المستشارَ القانونيّ للوزارة، وسيخضع هذا الأخير للوزير لا للمستشار القضائيّ للحكومة.
إسقاطات الخطّة
في المؤتمر الصحفيّ الذي عرض فيه وزير القضاء خطّته، قال: "الثورة الدستوريّة، والتدخُّل المتزايد للسلطة القضائيّة في قرارات الحكومة وفي سَنّ القوانين، أدّيا إلى تراجع الثقة في السلطة القضائيّة إلى حدّ خطير، وإلى فقدان "الحَوْكمة" وإلحاق أضرار جسيمة بالديمقراطيّة. نذهب إلى صناديق الاقتراع ونصوّت ونختار، ولكن في كلّ مرة نجد أنّ أشخاصًا لم ننتخبهم يقرّرون من أجلنا".[3]
تصريح ليـﭭـين يوضّح نوايا هذه الخطّةِ الحقيقيّةَ. كسائر ممثّلي معسكر اليمين الدينيّ الاستيطانيّ، يتصرّف ليـﭭـين من منطلق أنّ هذا المعسكر لم يتمكّن حتّى الآن من ترجمة الدعم الواسع الذي يتلقّاه في المجتمع الإسرائيليّ على نحوٍ حرّ، وأنّه غير قادر على ترجمة وتنفيذ الأيديولوجيا والسياسات اليمينيّة دون قيود. يطمح المعسكر اليمينيّ إلى السيطرة الكاملة على عمليّة صنع القرار والسياسات، وتحديد طبيعة المجتمع والدولة كدولة لليهود فقط، ويريد حرّيّة مطلقة في وضع السياسات تجاه المواطنين الفلسطينيّين والاحتلال. اليمين مقتنع بأنّ السلطة القضائيّة، ولا سيّما المحكمة العليا، هي من أهمّ العوائق لفرض هيمنته. وقد وضّح الصحفيّ إيرِز تدمور ذلك على نحوٍ جليّ قبل عدّة أعوام، في كتابه "لماذا تصوّت لليمين وتحصل على يسار؟" الذي صدر عام 2017، حيث ادّعى أنّ المحكمة العليا "أخذت صلاحيَات لم تُمنح لها بموجب القانون، وأعلنت ثورة دستوريّة، وعرّفت نفسها بأنّها المفسِّر النهائيّ لهذه الثورة، وجعلت نفسها هيئة عليا على السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، وداست على مبدأ الفصل بين السلطات ونظام التوازنات" (ص 46).
لقيت خطّة وزير القضاء انتقادات واسعة من قِبل الجهاز القضائيّ، ومن منظّمات حقوق الإنسان، ومن المعارضة في الكنيست. أعرب الكثيرون عن قلقهم بشأن مستقبل السلطة القضائيّة وفصل السلطات، وقدرة السلطة القضائيّة على العمل في ظلّ القيود الجديدة في حال إقرارها. بعض الانتقادات تطرّقت إلى رغبة نتنياهو في تغيير مكانة وفعّاليّة السلطة القضائيّة مبتغيًا السيطرة على محاكمته والإفلات من العقوبة، وكذلك إلى الرغبة في تثبيت تعيين أرييه درعي وزيرًا. وادّعى آخرون أنّ "التغييرات في السلطة القضائيّة تعفي الحكومة من أيّ قيود".[4] الحقوقيّة سوزي نَـﭭـوت قالت: "فِقْرة التغلُّب، وإلغاء حجّة المعقوليّة، وقانون المستشارين القضائيّين وبقيّة بنود الخطّة، تنذر بموت الدولاتيّة وتمهّد الطريق للفساد الحكوميّ وانتهاك حقوق المواطن".[5] رئيسة المحكمة العليا إسْتِر حَيوت اعتبرت الخطّة بمثابة إعلان حرب وثورة مضادّة على سيادة القانون في إسرائيل، وقالت: "هذه خطّة لسحق نظام العدالة، وترمي إلى توجيه ضربة قاتلة لاستقلاليّة الجهاز القضائيّ وتحويله إلى سلطة معطّلة [...] إذا نُفِّذَت الخطّة المقترَحة، فسنتذكّر العام الـ 75 لقيام الدولة بوصفه عامًا تعرّض فيه طابعها الديمقراطيّ لضرر جسيم".[6]
ترى ورقة الموقف هذه أنّ إسقاطات ومخاطر خطّة وزير القضاء على الفلسطينيّين أوسع من المخاطر العامّة التي ذُكِرت حتّى الآن؛ إذ هي تهدّد مكانة المجتمع الفلسطينيّ القانونيّة والسياسيّة. صحيح أنّ الجهاز القضائيّ والسلطة القضائيّة لم يشفعا في الماضي في الدفاع عن حقوق المجتمع الفلسطينيّ، ولم يمنعا الغبن والتمييز في القضايا الجوهريّة والمطالب الجماعيّة بل منحاها غطاءً قانونيًّا (على سبيل المثال: قانون القوميّة؛ قانون الجنسيّة؛ قضايا مصادرة الأرض؛ قانون لجان القبول)، لكن مع ذلك ستؤدّي الخطّة إلى تفاقم الوضع وستُلحِق الضرر بإمكانيّات المواطنين الفلسطينيّين، المحدودة أصلًا، للنضال والعمل من خلال السلطة القضائيّة والأدوات السياسيّة ضدّ العنصريّة والتمييز والاضطهاد. وعلى وجه التحديد، ستوفّر الخطّة المقترَحة للحكومة إمكانيّة تنفيذ الخطوط العريضة لاتّفاقيّات التحالف الموجَّه ضدّ المجتمع الفلسطينيّ، في المجالات المدنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والقوميّة، بعد ضمان تقليص إمكانيّة الاعتراض وتقييد أدوات العمل السياسيّ والنضال، وردع السلطة القضائيّة.
في ورقة موقف سابقة، تناول مدى الكرمل إسقاطات حكومة نتنياهو الجديدة على المواطنين العرب، وأورد فيها أنّه "بالإضافة إلى السياسات العنصريّة البنيويّة تجاه المجتمع العربيّ، سيكون التحالف الجديد أخطر من الحكومات السابقة، وسيعمل على نحوٍ مباشر وجليّ على تقليص الهامش الديمقراطيّ، الضيّق أصلًا، وعلى زيادة جرعات العنصريّة تجاه المجتمع العربيّ، نحو: تزايُد عدائيّة وقمع جهاز الشرطة للمواطنين العرب؛ تقييد الحرّيّات العامّة والفرديّة؛ تقييد جهاز القضاء؛ صَهْيَنة أعمق لجهاز وبرامج التعليم... وسيعمل على تعزيز الهُويّة اليهوديّة والقوميّة لإسرائيل، وتضييق إمكانيّات وأدوات العمل السياسيّ ونضال الفلسطينيّين في إسرائيل".[7] كذلك يوضّح مركز عدالة، في ورقة موقف نشرها مؤخرًّا، أنّ "الخطوط العريضة والاتّفاقيّات الائتلافيّة تُظهِر أنّ الحكومة عازمة على ترسيخ، مَأْسَسة وقَوْنَنة الفوقيّة اليهوديّة والفصل العنصريّ واعتمادها كقيَم رئيسيّة للنظام الإسرائيليّ، بواسطة تشريع قوانين".[8] ويدّعي مركز مساواة أنّ الاتّفاقيّات الائتلافيّة ستعمل على تعميق التمييز والعنصريّة تجاه المواطنين العرب في إسرائيل".[9] بناءً على هذا، يمكن أن نتوقّع أن تكون ثمّة إسقاطات مباشرة للخطّة على المجتمع الفلسطينيّ وإسقاطات غير مباشرة بحيث ستمنع الخطّة، أو تقلّل، إمكانيّةَ الاستعانة بالجهاز القضائيّ لتقليل الضرر والاستئناف على السياسات الحكوميّة والقوانين. من ضمن ذلك:
- أن تكون الشرطة أكثر عدائيّة تجاه المواطنين الفلسطينيّين، بحيث تعتزم الحكومة -وَفق ما يورِد مركز عدالة- استعمالَ سياسة شُرطِيّة عِرقيّة، وإلغاءَ استنتاجات لجنة "أور" الخاصّة بتعليمات إطلاق النار. اتّفاق التحالف يصنِّف على نحوٍ صريح وواضح المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل على أنّهم "تهديد إستراتيجيّ". كذلك ينصّ الاتّفاق على أنّ الحكومة ستتّخذ قرارًا خلال 60 يومًا "بشأن حملة وطنيّة شاملة لاستعادة الأمن الشخصيّ في جميع أنحاء إسرائيل"، وهي حملة تشمل "القضاء على الجريمة القوميّة" وَ "بناء القوّة" المكلّف للتعامل مع "التهديد الإستراتيجيّ في الجبهة الداخليّة وقت المعارك".
- سيطرة غير مسبوقة من قِبل الشرطة، خاصّة على سكّان البلدات البدويّة في النقب والمدن المختلطة. أعربت جمعيّة حقوق المواطن عن قلقها "من أنّ الحكومة قد تستغلّ أزمة الجريمة وانعدام الأمن الشخصيّ في المجتمع العربيّ لزيادة عمل الشرطة في المجتمع العربيّ على نحوٍ مبالَغ فيه، أو إدخال أساليب شُرَطيّة جديدة أو إشراك الشاباك في ضبط الأمن في المجتمع العربيّ.[10] هذا يَكون بالتوازي مع تقييد قدرة المواطنين الفلسطينيّين ومنظّمات حقوق الإنسان على اللجوء إلى السلطة القضائيّة أو إلى المحكمة العليا كما تقترح خطّة وزير القضاء.
- احتمال لزيادة عدد الضحايا من المواطنين الفلسطينيّين. أعربَ الوزير بن ﭼـﭭـير عدّة مرّات عن نيّته تغيير تعليمات إطلاق النار وحماية "رجال الشرطة والمقاتلين" في العمليّات الميدانيّة. بعبارة أخرى، هو يهدّد بوقوع قتلى فلسطينيّين بأيدي الشرطة الإسرائيليّة.
- أقرّت الكنيست بالقراءة التمهيديّة، في الـ 11 من كانون الثاني الجاري، مشروعَ قانون سحب المواطَنة من مواطنين يُدانون بأعمال إرهابيّة (بحسب تعبير مقدِّمي الاقتراح)، وهو ما يتناقض مع القانون الدوليّ. حتّى في هذه الحالة، يُحرَم المواطنون من اللجوء إلى المحاكم في محاولة لمنع تطبيق هذا القانون بسبب خطة ليـﭭـين.
- الوزير بن ﭼـﭭـير هو الوزير المسؤول عن ملفّ ما يسمّى "تطوير النقب والجليل" (وذاك مصطلح يُستخدَم قاصدين به: تهويد النقب والجليل). من المتوقّع أن ينفّذ الوزير سياسة تهدف إلى تنمية وتوسيع البلدات اليهوديّة فقط، وستُمنع البلدات العربيّة من هذا، وهو ما يتماشى مع بنود قانون القوميّة. كذلك في هذه الحالة سيكون من الصعب على البلدات العربيّة التوجُّه إلى المحاكم لمنع التمييز والعنصريّة.
- ستعمل الحكومة الجديدة على قمع هُويّة وانتماء المواطنين الفلسطينيّين. وفعلًا قام مؤخَّرًا وزير الأمن القوميّ بن ﭼـﭭـير، بخلاف القانون، بإصدار أوامر لقيادة الشرطة تمنع رفع الأعلام الفلسطينيّة في الأماكن العامّة.
- من المتوقَّع كذلك أن يزداد التمييز ضدّ جهاز التعليم العربيّ، وأن يجري إحكام السيطرة على محتويات برامج التعليم، ومحاولة صَهْيَنة هذا الجهاز، ولا سيّما في برامج التعليم اللامنهجيّ تحت إشراف نائب الوزير آﭬـي معوز، رئيس حزب "نُوعَم".
- تعهّدت الحكومة بالعمل على تعديل البند 7 أ من "قانون أساس: الكنيست"، من أجل منع احتمال استبعاد مرشَّحين يهود على أساس التصريحات والأعمال العنصريّة الموجَّهة بصورة أساسيّة ضدّ المواطنين الفلسطينيّين. في المقابل، وَفقًا لجمعيّة حقوق المواطن، ثمّة مخاوف من أن يقوم التحالف الحكوميّ بتغيير إجراءات شطب أحزاب ومرشَّحين من الترشُّح للكنيست، الأمر الذي سيمهّد الطريق لحرمان قِطاعات واسعة من المجتمع العربيّ من التمثيل السياسيّ. وهذا مقلق على نحوٍ خاصّ في ضوء نيّة وزير القضاء سَنّ "قانون أساسيّ: التشريع" (الذي يحظر المراجَعة القضائيّة للقوانين الأساس) الذي سيمنع المحكمة العليا من التدخّل إذا سنّت هذه القوانين.
- زيادة التمييز في ميزانيّات السلطات المحلّيّة العربيّة، وجهاز التعليم العربيّ، وتقليص ميزانيّة البرنامج الاقتصاديّ التي أُقِرّت للمجتمع العربيّ، على نحو ما نجد في خطّة تقدُّم 550 -على سبيل المثال.
- من المتوقّع أن تبدأ الحكومة الجديدة بتفعيل رقابة صارمة في مجال الثقافة والفنون، ابتغاءَ إخضاعها لقيم اليمين المتطرّف وصَهْينة المضامين. فقد رأينا بدايات لهذا التوجّه الأسبوع الماضي عندما أمر وزير الثقافة ميكي زوهَر إلغاء ميزانيّات أنشطة ثقافيّة لا تتماشى مع الرواية الصهيونيّة، مثل طلبه بإرجاع الدعم المقدَّم لفيلم "طفلان في اليوم" للمخرج ديـﭬـيد ﭬـاكسمان، الذي يتناول موضوع اعتقال القاصرين في الضفّة الغربيّة، بذريعة أنّ الفيلم "يصوّر جنود الجيش الإسرائيليّ على أنّهم يؤذون الأطفال، ويجري تقديم الإرهابيّين كضحايا".[11]
تقليصُ صلاحيَات جهاز القضاء، ومنعُهُ من إمكانيّة مراجعة القرارات والسياسيّات، سيسهّلان عمليّة سَنّ القوانين والسياسات العنصريّة تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل؛ التعيين السياسيّ للقضاة سيملأ جهاز القضاء والمحاكم بقضاة مُوالين لمعسكر اليمين؛ وسيتأثّر تعيين القضاة العرب تأثُّرًا بالغًا، إذ سيجري اختيار القضاة على أساس اختبارات الولاء لا على أساس الكفاءات. بذا سيحاول اليمين استكمال الهيمنة على المجتمع وصنع القرار ومؤسّسات النظام، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تغيير جِدّيّ في قواعد اللعبة السياسيّة على نحوٍ أساسيّ تجاه الفلسطينيّين في إسرائيل.
خاتمة
في السابق، لم يقف النظام القضائيّ بعامّة، أو المحكمة العليا بخاصّة، إلى جانب المواطنين الفلسطينيّين في القضايا الجماعيّة الجوهريّة. على الرغم من ذلك، سيكون لمشروع تقييد السلطة القضائيّة والمحكمة العليا، ولسيطرة اليمين على هذه المؤسّسات وتسييس تعيين القضاة، تأثيرٌ سلبيّ كبير، وسيُلحِق المزيدَ من الضرر بالمواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، إلى جانب التبعات الواسعة لاستكمال سيطرة اليمين على صناعة السياسات في إسرائيل، وقمع الحرّيّات الفرديّة. بالتوازي لتقييد إمكانيّة المواطنين الفلسطينيّين، الضيّقة أصلًا، من التوجّه إلى السلطة القضائيّة والمحكمة العليا، في محاولتهم منع هذه الأضرار.
هذا التدهور ليس وليدَ الأشهر الأخيرة فقط، بل هو امتداد لعمليّة بدأت قبل عَقدين (وزيرة القضاء السابقة أَييلِت شَكيد تفاخرت عام 2015 بأنّها نجحت في تعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا)، ويأتي بعد أن نجح اليمين بالفعل في تغيير طبيعة الاقتصاد، وفي ردع وتقييد الأكاديميا، وأسّس العديد من المنظّمات غير البرلمانيّة لتَكُون أداة رقابة على المجتمع، وغيَّرَ وجه الإعلام والثقافة السياسيّة بعامّة. أحزاب المعارضة الحاليّة التزمت في الماضي الصمت حيال مظاهر العنصريّة والتمييز ضدّ المواطنين الفلسطينيّين والاحتلال، بل وافقت وكانت في كثير من الأحيان شريكة في هذه السياسة. هذه المعارضة تدرك الآن خطورة سيطرة اليمين على جميع مراكز صنع القرار، وخاصّة على "الحصن الأخير" بالنسبة لها (السلطة القضائيّة والجهاز القضائيّ) الذي بات الآن في قلب العاصفة. ما تبقّى من تيّارات ليبراليّة ومن يسار صهيونيّ يجب أن يستوعب الآن أنّه لا يمكن تجزئة الديمقراطيّة، وأنّه من المستحيل الحفاظ على نظام "يهوديّ ديمقراطيّ" إلّا من خلال أدوات غير ديمقراطيّة. معسكر اليمين عزّز القيم اليهوديّة تعزيزًا بالغًا، وتقريبًا ألغى المضمون الديمقراطيّ على مرّ السنين، أمام صمت واستسلام المعسكر المعارض. وما يمكن القيام به الآن هو تقديم نموذج ديمقراطيّ جوهريّ بديل لجميع المواطنين، من أجل الوقوف حيال استيلاء اليمين الاستيطانيّ الدينيّ على جميع مراكز صنع القرار، وربّما منع الإضرار المستقبليّ بالمواطنين الفلسطينيّين، وبما تبقّى من هوامش ديمقراطيّة ضيّقة وحرّيّات فرديّة.
لقراءة الورقة بصيغة PDF.
الصورة: المحكمة العليا في اسرائيل من موقع "القدس العربي".
[1] فريدسون، يَعيل. (2023، 4 كانون الثاني). ليـﭭـين: سنُقِرّ فِقرة التغلُّب بأغلبيّة 61 عضو كنيست ونغيّر أسلوب تعيين القضاة. هآرتس. [بالعبريّة]
[2] فريدسون، يَعيل؛ وشـﭘـيـﭽِل، نوعا. (2023، 5 كانون الثاني). ما هي الخطّة لتغيير السلطة القضائيّة ومتى تنطلق. هآرتس. [بالعبريّة]
[3] فريدسون، يَعيل. مصدر سابق.
[4] ﭬـِرْتِر، يوسي. (2023، 5 كانون الثاني). يريـﭫ ليـﭭـين لم يعرض تعديلات. كانت هذه ثورة ببثّ مباشر. هآرتس. [بالعبريّة]
[5] نَـﭭـوت، سوزي. (2023، 5 كانون الثاني). التعديلات القضائيّة التي يَعرضها ليـﭭـين: الرقْم السحريّ 61 سيوفّر قوّة غير مسبوقة للسلطة. المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة. [بالعبريّة]
[6] حَيُوت، إستر. (2023، 12 كانون الثاني). هذه الخطّة السيّئة ستغيّر هُويّة الدولة دون رجعة. هآرتس. [بالعبريّة]
[7] وحدة السياسات. (2022، كانون الأوّل). إسقاطات حكومة نتنياهو السادسة على المواطنين العرب. تقدير موقف. مدى الكرمل.
[8] عدالة. (2023 كانون الثاني). الخطوط العريضة والاتّفاقيّات الائتلافيّة للحكومة الإسرائيليّة السابعة والثلاثين: خارطة الطريق لتعميق نظام التفوّق اليهوديّ. مركز عدالة.
[9] مساواة. (2023، كانون الثاني). الاتّفاقيّات الائتلافيّة لحكومة إسرائيل الـ37 .مركز مساواة.
[10] جمعيّة حقوق المواطن. (2022، كانون الأوّل). خارطة المخاطر على الديمقراطيّة في إسرائيل: تهديد على المجتمع العربيّ - فلسطينيّ في إسرائيل. جمعيّة حقوق المواطن. [بالعبريّة]
[11] بن نون، ساﭼـي. (2023، 10 كانون الثاني). الوزير ميكي زوهَر يطلب سحب تمويل لفيلم يتناول اعتقال أطفال في الضفّة الغربيّة. والّا. [بالعبريّة]