ألا ايها الليل الطويل الا انجلي بصبحٍ، وما الإصباح منك بأمثل
اليوم التاسع عشر للحرب، 25 أكتوبر 2023
انبلج صباحُ هذا اليوم بعد ليلة قاسية ككلّ الليالي السابقة، حيث كان الغفو فيها متقطّعًا تحت هدير القصف المرعب واهتزاز المبنى يمينًا وشمالًا. هذا الاهتزاز الذي يجعلني أتحسّس جسدي لأتأكّد بأنني مازلت مكاني، وأن المبنى لم يهوِ رأسًا على عقب.
لحسن الحظ أن الراديو مازال يعمل. أشعر بالاستئناس قليلًا مع صوت المذيع أو المذيعة ليلًا لأعرف أين وقع هذا الصاروخ أو تلك القذيفة.
هذا الصباح لا يختلف عن الليل بالرغم من نور الشمس، لكن نفس الطائرات مستمرّةٌ بقصفنا حتى الآن، والزوارق الحربية مازالت تدكّ كيفما اتفق، لتُحدث المزيد من المجازر على بيوت العائلات. حسب توثيق وزارة الصحة نحو (700) عائلة ويزيد أُبيدت بالكامل، بعض الأُسر تَراوح عدد الشهداء منها بين 40 فردًا وبين 10 أو 13 أو... أو.... لا نستطيع إحصاء أسماء هذه العائلات التي أُبيدت بالكامل، لم نعد نستطيع ملاحقة أعداد الشهداء الذي تجاوز (6000) شخص حيث أنّ المقابر لم تعد تتسع لدفنهم، عدا عن المفقودين والمفقودات تحت أنقاض بيوتهم. ولا نستطيع إحصاء أعداد الجرحى الذي وصل نحو 20 ألفًا.
القصفُ طال مطحنة القمح التي تزوّد المخابز المتبقية بالطحين، أي أن همجيّة الاحتلال الإسرائيلي لا تقف عند أيّ حد، بل هم يسعون لتجويع الناس بقطع الخبز عنهم، خصوصًا بعد أن أٌجبرَت إسرائيل من قبل الدول الأوروبية وأمريكا بالموافقة على إدخال ما يسمّى بالمساعدات الإنسانية. إن مطلبهم هذا برأيي لم يأت من باب الإنسانية، بل جاء فقط في سياق محاولة الاحتيال لتحسين موقفهم المخجل بتأييد كامل للعدوان الهمجي على قطاع غزة.
هذا مع العلم بأن شاحنات المساعدات القليلة العدد تدخل بشكل متقطّع، لا تُسمن ولا تُغني من جوعٍ لسدّ حاجة نحو مليون وثلاثمائة من النازحين، منهم نحو 600 ألف في مدارس وكالة الغوث - الأونروا، والتي هَدّدت صباح اليوم هي الأخرى بإغلاق خدماتها في قطاع غزة.
بالأمس أيضًا طال القصف محلات بيع المواد الغذائية خلال الأوقات التي يعتقد الناس فيها وجود استراحةٍ ما لدى الطغاة. ولكن يا للأسف، الطغاة مستمرون في إجرامهم لينالوا من النساء والأطفال الواقفين في الطوابير لعلهم يشترون بما قد يجدونه في البقّالات لسدّ جوعهم. لا شك لدي بأن عيون المجرم قائد الطائرة الإسرائيلية تراهم، وعلى الرغم بذلك يقوم بقصفهم وقصف كل ما هو متحركٍ ليلًا ونهارًا.
أحد الصواريخ التي نزلت البارحة على خان يونس دمّرت العمارة التي يوجد فيها فرعٌ للمركز الذي أُديره، وهو مقرٌّ لمشاهدة الأطفال المحضونين من أحد الأبوين المنفصلين. كان في المبنى طبعًا سكّان، وأسفله محلّ حلاقة ومحل لبيع هواتف الجوال، واستشهد أشخاصٌ في الشارع تواجدوا مقابل العمارة لحظة القصف.
هذا الصباح مؤلم. القصف الإسرائيلي لا يتوقف، الناس تريد دفن شهدائهم ولا يجدون مساحةً آمنة من الوقت، الجرحى يصلون باستمرار إلى المستشفيات التي لم تعد تستوعب المزيد، وأقاربهم التي هدمت بيوتهم فأصبحوا نازحين، ولم يعد يتوفّر لدى الطواقم العاملة المستلزمات الطبية اللازمة.
طيلة الليل وهذا الصباح أتساءل بيني وبين نفسي أيّ من القذائف ستقترب أكثر، وإن اقتربت هل سينهار المبنى بشكل جانبي بما يسمح لنا البقاء أحياء، أم أن المبنى سيهوي إلى باطن الأرض ولن نشعر أين سنكون؟ سؤالٌ مشروعٌ خصوصًا بعد أن نسمع الأخبار، وإذا سنح لنا الوقت والاتصال بالإنترنت أن نرى مشاهد الدمار والشهداء والجرحى.
نحن بحاجة إلى مزيدٍ من ضغط الشعوب على حكّامهم لإسقاط الأنظمة الاستعمارية وأذنابهم من الأنظمة العربية كي نكون بخير.
زينب الغنيمي، من غزّة تحت القصف
*المقالات المنشورة تعبّر عن آراء كاتبيها.
زينب الغنيمي
باحثة ومستشارة قانونية، مديرة عامة لمركز الأبحاث والاستشارات القانونية والحماية للمرأة