أدوات أخرى لقمع المدنيين: الاعتقال الإداري والمقاتل غير الشرعيّ

منذ اندلاع العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده بعد السابع من أكتوبر، شنت سلطات الاحتلال حملات اعتقالات واسعة لا زالت مستمرة في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 طاولت نحو 7500 معتقل ومعتقلة من مختلف المناطق في الضفة والقدس والداخل المحتل. وتزامنت عمليات الاعتقال هذه مع حملات اعتقال جماعية كبيرة نفذتها قوات الاحتلال في قطاع غزة، من المدارس ومراكز الإيواء التي لجأ إليها النازحون وأيضًا من المشافي التي داهمها الجيش. تأتي حملات الاعتقال الواسعة هذه في ظل توغل كبير وتضييقات قاسية على حياة الأسرى والأسيرات داخل السجون، حيث تشهد الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال واحدة من أصعب المراحل التي مرت عبر تاريخ السجون من حيث الظروف المعيشية.

من الجدير بالذكر أن سلطات الاحتلال حولت أكثر من 80 في المئة من معتقلي الضفة الغربية والقدس إلى الاعتقال الإداري التعسفي، ليصل عدد المعتقلين الإداريين اليوم إلى نحو 3600 معتقل إداري، وهو الرقم الأعلى منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن أعداد المعتقلين الإداريين أعلى من أعداد المحكومين والموقفين، علمًا أنّ عدد المعتقلين الإداريين قبل السابع من أكتوبر كان قد بلغ نحو 1320 معتقلا. إن الاعتقال الإداري هو اعتقال بدون تهمة أو محاكمة، يعتمد على ملف سريّ وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليها، ويمكن حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية تجديد أمر الاعتقال الإداري مرات غير محدودة، حيث يتم استصدار أمر اعتقال إداري لفترة أقصاها ستة شهور قابلة للتجديد، وهو  إجراء مرتبط بالوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحركة الاحتجاج الفلسطيني على استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهو عقاب وإجراء سياسي يعبر عن سياسة حكومية رسمية لدولة الاحتلال باستخدامها الاعتقال الإداري كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين، والاعتقال الإداري بالشكل الذي تستخدمه قوات الاحتلال محظور في القانون الدولي لأنه اعتقال تعسفي يرقى ليكون شكلا من أشكال التعذيب النفسي إذا ما استمر لفترات طويلة. 

هذا ويُشار إلى أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستخدم سياسة الاعتقال الإداري التعسفي كسياسة من سياسات فرض السيطرة والقمع بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث يلجأ الاحتلال لاعتقال المئات من الفلسطينيين تحت مسمى الاعتقال الإداري دون تقديم تهم أو لوائح اتهام بحجة ما تسميه "بالملف السري"، وهي بذلك تحرم المعتقلين من حقهم في الدفاع عن أنفسهم، وتحرمهم من أدنى ضمانات المحاكمات (العادلة)، حيث تلجأ سلطات الاحتلال للاعتقال الإداري كخيار أول وأخير ضد الفلسطينيين لقمعهم وإحكام السيطرة عليهم، كما تستخدمه كإجراء (عقابي) في كثير من الأحيان.

وفي ذات السياق، اعتقل الاحتلال المئات خلال الاجتياح البري المستمر داخل قطاع غزة منذ بدء العدوان، علمًا أن الاحتلال يتعامل مع غالبية معتقلي القطاع بموجب قانون "المقاتل غير الشرعي"، وهو قانون شبيه جدًا بالاعتقال الإداري التعسفي من حيث المبدأ، بمعنى أنه يسمح باعتقال الأفراد بناء على معلومات غير معلنة أو أدلة ودون اتهامات واضحة، ويقوم جيش الاحتلال باستمرار بنشر صور ومقاطع فيديو تظهر المعاملة غير الإنسانية بحق المعتقلين، ولغاية الآن، منذ أشهر، يتكتم الاحتلال على مصير المعتقلين من القطاع أو حتى الإفصاح عن أعدادهم، ويمنع المحامين والصليب الأحمر من زيارتهم، وهو ما يعتبر ضمن جريمة الإخفاء القسري بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

علاوةً على ذلك كله، عملت سلطات الاحتلال منذ اليوم الأول على إجراء عدة تعديلات قانونية على قانون "المقاتل غير الشرعي"، حيث تم تمديد الموعد النهائي لإصدار أمر الاعتقال عدة مرات ليصبح 45 يوما من بداية الاعتقال، ويمكن إجراء المراجعة القضائية بعد 75 يومًا من الاعتقال، بدلاً من الـ 14 يومًا كما كان سابقًا، ويعني ذلك  أنه يجوز احتجاز الشخص دون تهمة أو محاكمة لمدة تصل إلى 75 يومًا قبل أن يقرر القاضي ما إذا كان الاعتقال قانونيًا أم لا، أما بخصوص منع لقاء المحامي، فقد أجرت سلطات الاحتلال تعديلات تقضي بمنع لقاء المعتقل من محاميه لمدة 75 يومًا بدون الحاجة إلى أمر من المحكمة، أما التمديد من قبل المحكمة فيمكن أن يصل لمدة 180 يومًا. [1]

وتُعدّ هذه التعديلات بخصوص الفترات التي يمنع المعتقلين من القطاع من لقاء المحامين والتعديلات التي تخص المُدد التي يجب عرض المعتقلين فيها على القضاة، تُعدّ شكلًا من أشكال الإخفاء القسري وتهدف بشكل أساسي إلى منع المحامين من رصد وتوثيق الجرائم والانتهاكات بحق المعتقلين الذين يتعرضون لأبشع ظروف الاحتجاز وأصعبها.

ويعيش الأسرى والأسيرات داخل سجون الاحتلال ومعسكرات التوقيف والاحتجاز ظروفًا مأساوية وصعبة جدًا، حيث استخدمت سلطات الاحتلال كافة السبل والوسائل التنكيلية ضمن سياسة العقاب الجماعي الممارس بحقهم منذ السابع من أكتوبر، فقد استخدمت إدارة السجون سياسة التجويع والتعطيش بحقهم، فضلًا عن سحب كل الأدوات الكهربائية والأغطية والملابس الشخصية منهم، ولم يكتفِ الاحتلال بهذا الحد من التنكيل بالأسرى، بل تعدى ذلك ليصل حد استخدام العنف المفرط، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الأسرى نتيجة الضرب المبرح الذي تعرضوا له، يذكر أن الاحتلال أعلن ارتقاء 13 أسيرًا داخل سجون الاحتلال منذ السابع من أكتوبر، ونحو 27 أسيرًا من قطاع غزة أعلن عن ارتقائهم في السجون ومعسكرات الاحتجاز التي يستخدمها جيش الاحتلال لاحتجاز معتقلي قطاع غزة، حيث يحتجز الاحتلال معتقلي قطاع غزة في معسكرات تابعة للجيش في ظروف صعبة جدًا، ودون أدنى مراعاة للظروف الإنسانية الخاصة بهم.


[1] https://www.addameer.org/sites/default/files/publications/Full%20Report%20on%20the%20situation%20after%20October%207th.pdf

عبد القادر هيلان

صحفي متخصص في مجال الأسرى

ندآ قزلي
الله يعطيكك العآفية يا چدع❤️
الأربعاء 3 نيسان 2024
Alia
يعطيك العافية عبود ✨
الاثنين 15 نيسان 2024
رأيك يهمنا