"وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل"
ومن الحياة والطبيعة ما هو عبرة للبشرية جمعاء حيث يحاول أبناء الطبيعة محاكاة التبديلات والتغيرات التي تطرأ على حياة الإنسان دون سابق إنذار وعندها يبدأ الصراع الشاق مع فكرة التجدد والانتصار والبقاء.
قد يقول قائل إن فكرة البعث والتجدد استلهمها البشر من الطبيعة ودورتها عبر سنوات طويلة في الربيع وبداية شهر آذار حيث تولد الحياة من جديد وتتنفس براعم البقاء ونرى الورود بكامل ثيابها.
يستوقفني في هذا السياق المثل الأمريكي ""أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام"" وهو بمثابة دعوة لرفض التموضع والتقوقع نتيجة فقدان عزيز أو ما شابه… إضاءة الشمعة هي السبيل لينطلق الإنسان من رحم المأساة ويشق الطريق نحو التعايش مع المأساة واستخلاص العبر.
تتويجا لما ذُكر وإيمانا بأن ""حبوب سنبلة تموت، ستملأ الوادي سنابل"" انبثقت فكرة إقامة ""جمعية يارا"" التي تحمل اسم الطالبة الجامعية المتميزة يارا حمادي حيث اصطدم حلمها بالقدر المحتوم تحت إطارات عمياء لم ترحم وجهها البريء. حدث هذا مساء الأربعاء 25/10/2017 خلال عودتها من تعليمها الجامعي ونسائم تل الربيع تداعب شعرها الذهبي وتلفح وجهها بكل حنان ومودة.
اتسمت يارا بالنشاط والحيوية ولم تعرف الكلل أو الملل في حياتها قط… وكانت حياتها ممتلئة بالسعادة ومحبة أهلها والناس جميعًا.
لم يشأ القدر لها أن تودع والديها وأختها الصغيرة ولم يسمعوا صرختها الأخيرة عندما ارتطم جسدها الغض بأرض الموت.
انحبست الغيوم ومالت للسواد باحثة عن قصة صبيّة أحبت الحياة… ونامت يارا قبل بزوغ فجر الخميس26/10/2017 فكانت محطتها الأخيرة…في منتصف تلك الليلة كانت يارا تحاول تأليف فجرها الأخير وتزينه بنجاح وهي الموعودة بشهادة ونوافذ أخرى نحو السماء، فلا يوجد بديل للقمة ولا بديل لآيات ايماننا بالقدر المحتوم في تراجيديا الوجود… ومن رحم المعاناة يولد الأبطال…
يارا حكاية بقاء…كيف لا؟ وقد علّمنا الفقدان أن استحضار الغائب يعيد إحياء ذاكرتنا له وذكرياتنا معه بكل تفاصيله الدقيقة والكثيرة، فالحياة دون ذاكرة لا تعاش لتكتمل حكاية الغائب بيننا دائما وأبدا، فمن رحم الموت تولد الحياة ومن أعماق اليأس يولد الأمل، ومن عتمة الليل ينبثق النور ويسطع.
إن فكرة تأسيس جمعية تحمل اسم ""يارا""، جاءت تخليدا ""ليارا"" وكل من لاقى حتفه في ظروف قاسية ومؤلمة وتكون منبرا لكل أم ثكلى وأب ثاكل، كل يتيم ويتيمة، وكل من فقد عزيزا غاليا تحتضنه وتسانده وتدعمه وتسمعه وتشاركه فتكون صوته وصرخته ونداءه وألمه واستغاثته، ومخاطبة الألم بلغته لكي يصل إلى القلب.
تأسست جمعية ""يارا"" عام 2018 في مدينة شفاعمرو مسقط رأس ""يارا"" بهدف إنشاء مركز اجتماعي وتوعوي داعم للمجتمع العربي بروح عربية وثقافية عربية لجميع أطياف المجتمع العربي.
جمعية ""يارا"" هي الجمعية الأولى والوحيدة في الوسط العربي المعترف بها من مسجل الجمعيات التي تعنى بزيادة الوعي لحوادث الطرق وتقليل ظاهرة إرهاب الشوارع الذي استفحل بقوة في البلاد. الجمعية ستكون جزءا من حلم كبير لتخليد ""يارا"" ولتبقى معنا في كل نشاط وفعالية إلى الأبد.
تسعى جمعية ""يارا"" أن تكون طموحة ومعطاءة كطموح يارا وعطائها، وطموح مجتمع نامٍ وجيل صاعد واعد يأبى الخضوع والاستسلام لظروف قاسية ومصائر قاهرة.
أهداف الجمعية:
• عنوان لكل من فقد عزيز، ليجد العزاء، والدعم المعنوي والنفسي من استشارة مهنية وجلسات علاجية.
• جمعية تحمل الألم والوجع وتشارك كل فقدان جراء حادث سير، وتواكب أهل الفقيد ما بعد الحادثة وبضمنها توفير الفحوصات الطبية والعلاجات المختلفة مجانا.
• منبر للناجين من حوادث الطرق وبيت دافئ لهم يحتضنهم ويشد من أزرهم وينشر قصصهم لتكون عبرة للمجتمع برمته.
• برنامج توعوي شامل باللغة العربية للمجتمع العربي وغير مترجم من أي لغة ليكون مؤثرا وذا مصداقية.
• توعية بموضوع الحذر والأمان على الطرق.
• فعاليات تربوية.
• فعاليات رياضية مختلفة.
جمعية ""يارا"" لها حضور واسع على الصعيد المحلي والقطري وقد قامت في السنتين الأخيرتين بتنظيم نشاطات عديدة لاقت استحسان جمهور واسع متعطش لمثل هذه النشاطات والفعاليات ومنها:
• مسيرة دراجات هوائية شاركت فيها عدة فرق من شفاعمرو والقرى والمدن المجاورة.
• تنظيم أمسية ثقافية شارك فيها فنانون مبدعون أقيمت في مدينة الناصرة على مسرح الحنين.
• محاضرات في مدارس عدة حول موضوع ""الحذر على الطرق"".
• يوم توجيهي لطلاب المدارس والجامعات وكان يوما مفتوحا.
• تنظيم سلسلة دورات وحلقات إسعاف أولي.
جمعية ""يارا"" هي عنوان عطاء وطموح مجتمع يرفض أن يستسلم للظروف القاسية بعد الموت… عنوان تحد للموت…
لتبقى ذكرى يارا عطرة تفوح من كل زاوية ومكان وكأن لسان حالها يجلجل بما قاله الشاعر الكبير محمود درويش: ""وحبوب سنبلة تموت ستملأ الوادي سنابل…""
كاتبة المقال: رنين عون الله، أم ليارا وهي مديرة جمعية ""يارا"". للمزيد عن نشاط الجمعية، يمكن زيارة الرابط التالي.
كتبت رنين حين سئلت عن تعريفها: ""رأيت النور في الناصرة مدينة البشارة. رزقني الله بابنتين يارا وميار… سهرت الليالي ولم أدخر جهدا في سبيل توفير العناية الكافية والتربية الصالحة. أعمل سكرتيرة في الكلية التكنولوجية شفاعمرو، ولي اهتمامات في موضوع التنمية البشرية.""