نموذج اللّجان الشّعبية ودورها القيادي على المستويين المحلي والقطري وأفق التّغيير!

المجتمع العربيّ في هذه البلاد يعاني كثيرًا من سياسة التّمييز الفعلي من قبل جميع المؤسسات الرّسمية والوزارات المختلفة الّتي يقع على عاتقها تقديم الخدمات المتعددة لجميع المواطنين دون التّمييز بين المجموعات والأعراق والانتماءات سواء كانت عرقيّة أو دينيّة أو مجتمعيّة.

لكن من الواضح أنّ الأمر مختلف عندما نتحدث تحديدًا عن المجتمع العربيّ في هذه البلاد، علمًا أن جميع المؤسسات المذكورة تقر وتعترف بالغبن الشّديد وذلك من خلال تقارير ودراسات تعد ولا تحصى وضعت على يد باحثين ولجان فحص ولجان تحقيق رسمية. الأمر الّذي جعل السّلطات المحلية عاجزة عن تقديم الخدمات المستحقة للمواطنين العرب أسوة بنظرائهم من المواطنين اليهود.

في كثير من الحالات المستعصية آنيًا، نرى حراكًا شعبيًا ينطلق لتشكيل لجان شعبية ارتجالية في الغالب لمواجهة حالة محدّدة هنا وهناك، حينًا تكون محلية، وحينًا آخر قد تكون قطرية كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر:

1 – لجان شعبية في مواجهة استشراء حالة الجريمة والقتل والخاوة.

2- لجان شعبية لمواجهة سياسة هدم البيوت ومصادرة الأراضي وغياب مخططات تفصيلية وقسائم بناء تتناسب واحتياجات المواطنين بحسب التّكاثر الطبيعي للمواطنين العرب.

هنا بودي أن أتطرق للجان الشّعبية رقم 2، ومن خلال تجربتي المتواصلة لأكثر من 15 عامًا، إذ تم تشكيل اللّجنة الشّعبية للدفاع عن الأرض والمسكن لمنطقة وادي عارة- لجنة قرية، بقرار لجنة المتابعة والأحزاب العربيّة والسّلطات المحلية الّتي تضم 7 سلطات (بلديتان و5 مجالس محلية تدير أكثر من 20 بلدة وقرية، و150 ألف نسمة تقريبًا) وجاء ذلك بسبب حالة استنفار لكثرة أوامر هدم بيوت ومصالح تجارية في هذه المنطقة عام 2005 تحديدًا قد وُكلت شخصيًا لإدارة هذه اللّجنة آنذاك.

نحن كلجنة عملنا على متابعة الأمر من خلال:

تصنيف الحالات التي يتعرض لها المواطنون مثل: أوامر الهدم/ ملفات قضائية لمخالفات البناء/ مصادرة الأراضي من خلال مخططات ""وطنية قطرية "" مثل سكّك الحديد– توسعة الشّوارع القطرية– توسعة الغابات– بناء مدينة حريش– بناء مستوطنة ""متسبي ايلان"" – تمرير خطوط الغاز ثم تضييق مسطحات البلاد.

دراسة ميدانيّة لتحديد أعداد البيوت المهدّدة بالهدم والتّواصل مع أصحابها بشكلٍ مباشر ومتواصل، وتقديم الاستشارة والمرافقة الفعليّة في المحافل القضائيّة والسّلطات المحلية ولجان التّنظيم المحلية واللّوائية والقطرية.

التّواصل مع المؤسسات الرّسمية المختلفة بحسب ملفات القضايا المختلفة، مثل:

أ- اللّجنة القطرية للمشاريع الوطنية بما يتعلق بتوسيع شارع 65. وخطوط سكّك الحديد.

ب – التّواصل مع ""الكيرن كييمت"" بكل ما يتعلق بتوسيع الغابات المنتشرة في المنطقة.

ج – اللّجنة اللوائية في حيفا.

د – المجلس القطري للتخطيط والبناء.

هـ - المشاركة في جلسات طاقم ال 120 (التي وضعت توصياتها ل 15 مليارًا والتي تعرف بقرار الحكومة رقم 922).

و – المشاركة الفعليّة في جلسات لجنة الدّاخلية في الكنيست المتعلقة بتعديل 119 لقانون البناء والمعروفة بقانون ""كمينيتس"".

ز – وزارة الإسكان.

ح - لجنة التّنظيم الخاصة لبناء مدينة حريش.

ط – اللّجان الجغرافية (لجان ترسيم الحدود)

هذه المحطات استغرقت مئات الجلسات الفاعلة والمؤثرة على اتخاذ القرارات من خلال المواكبة المتواصلة لهذه التّطورات التي تزامنت مع بعضها البعض لتتمركز في منطقة وادي عارة في المكان والزّمان، الأمر الّذي استوجب أن ننتهج نهجًا لم يكن مألوفًا من ذي قبل، إذ بدأنا نبحث عن أدوات تسهل علينا متابعة المهمة بصفة علميّة ومهنيّة وسياسيّة محليّة وقطريّة إذ كان لا بد من تهيئة أجواء موضوعيّة ومحدّدة مع السّلطات المحلية أولًا، ثم مع جميع الهيئات المحليّة مثل اللّجنة القطريّة ولجنة المتابعة والأحزاب العربيّة.

ثم التّعاون الفعلي مع المؤسسات المجتمعية وعلى رأسها، المركز العربيّ للتخطيط البديل ومؤسسة عدالة القانونية، ثم مع جمعية بمكوم لحقوق التّخطيط.

وقد استطعنا من خلال هذه الجمعيات المحلية العمل بصفة مهنية رفيعة المستوى أمام تلك المؤسسات الرّسمية، الأمر الّذي مكننا من تحقيق إنجازات كبيرة وغير مسبوقة منها للمثال لا الحصر: إلغاء سكة الحديد من وادي عارة مع إقرار خط قطار خفيف ضمن توسيع شارع 65 مما يعني إنقاذ حوالي 700 دونم، ثم تقليص مسطحات الغابات بمئات الدّونمات وكذلك تقليص ارتداد شارع 65 وانقاذ بيوت ومصالح تجارية من الهدم والأهم هو تحويل مدينة حريش لتصبح مدينة مختلطة يحق للعرب ما يحق لغيرهم بالسكن فيها وتقليص مساحات مسطحها إلى 7000 دونم حاليًا من أصل 28300 دونم.

والملاحظة الأخيرة: التماس للمحكمة العليا ضد رئيس الحكومة ووزارة الإسكان ودائرة أراضي إسرائيل بسبب استثناء منطقة وادي عارة من أحقيتها للأفضلية الوطنية، ""עדיפות לאומית"" وذلك يوم 19.4.2021.

الخلاصة

يستوجب على اللّجان الشّعبية التّخصص في مجال محدَّد بحسب القضية المراد معالجتها من خلال امتلاك أدوات أساسية مثل مقرات لها، تخصيص ملاكات مناسبة مثل موظف/ مركز أو مدير. التّفرغ لمتابعة القضية المطروحة، إمكانية التّشبيك مع كلّ المؤسسات المرتبطة في معالجة القضية المطروحة سواء كانت قضايا الأرض والمسكن أو قضايا العنف والجريمة أو قضايا التعليم/ الفقر/ البطالة/ مناطق صناعية وغيرها من القضايا الملحة بحسب تصنيفاتها.

والأمر المهم هو التّحول من العمل النّمطي التّقليدي والملائمة الذّاتية مع التّغيرات والتّطورات التي تواجهنا على حين غرة، والمباشرة بملاءمة الأداء المستوجب لمجابهة هذه القضايا كلّ على حدة.

كما يستوجب على الهيئات العليا الفاعلة مثل لجنة المتابعة العليا واللّجنة القطريّة في البلاد تغيير أداءها كذلك من خلال تشكيل هيئات مهنية (מנהלת)، تمكنها من تقديم التّوجيهات والخدمات والأدوات المناسبة للجان الشّعبية المتشعبة والمتناثرة في طول البلاد وعرضها.

أحمد ملحم

رئيس اللجنة الشعبية في منطقة وادي عارة

شاركونا رأيكن.م