مسيحيو غزة لا فرق ولا فرار!

في غزة، يعيش نحو ألف مسيحي من أصل 3 آلاف و500 قبل الحصار الإسرائيلي عام 2007، إذ هاجر بعضهم إلى دول عربية وغربية وانتقل آخرون للعيش في الضفة الغربية التي يقطنها نحو 85 ألف مسيحي.

قلة من الفلسطينيين بشكل عام يعرفون تفاصيل واقع المسيحيين في وطنهم وخاصة في قطاع غزة، وهذا يعود بالأساس إلى الاحتلال الذي لا يكف عن بعثرة الفلسطينيين، ويعود أيضًا إلى قصور على المستوى الرسمي بالدرجة الأولى.

لقد عشت ولا أزال في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة، لا أتذكر أن مسيحيًا كان يسكن المخيم، إنهم يعيشون بالغالب في مدينة غزة وفي أماكن محددة فيها، ولأن حواجز الاحتلال قبل الانسحاب كانت تقطع أوصال القطاع لم يكن هناك فرصة للتواصل الدائم مع المسيحيين، لكن في المدينة الأمر مختلف، يعرف المسيحي والمسلم بعضهم جيدًا.

هذا البعد خلق مجموعة من الأفكار غير المنطقية لدينا كـسكان خارج حدود المدينة سواء في المخيمات أو في المحافظات الأخرى، كان ينظر الكثير منا حتى وقت ليس ببعيد إلى المسيحيين على أنهم في كوكب آخر، ويعتقد البعض أنهم لا يعيشون المعاناة التي نعيشها بفعل الاحتلال، اليوم النظرة تتغير وهذا بفعل المؤسسات الفاعلة للمسيحيين والأحداث التي اثبتت مرارًا أن لا فرق بين المسيحي والمسلم.

على صعيدي الشخصي وبفعل تعليمي وعملي، انخرطت بالمسيحيين وبدأت خلال دراستي الجامعية التعرف عليهم، إنهم يعيشون مثلنا يعانون معاناتنا، والأهم من ذلك يحترموننا ويشاركونا المناسبات الدينية، أذكر صديق مسيحي حدثني كم أنهم يبتهجون بطقوس رمضان.

في غزة، لا فرق بين هذا وذاك، فوفق قانون الاحتلال " الكل لا يستحق البقاء على قيد الحياة" برأيي، فطالما أنت تحمل الهوية الفلسطينية فلا معنى إذا كنت مسلم أو مسيحي، سيطالك الموت أو الموت البطيء.

على مدار سنوات الصراع مع المحتل، بقي المسيحي والمسلم جنبًا إلى جنب، في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فتصدوا للحرب معا وصمدوا سويًا أمام الحصار المستمر على القطاع، فلا فرق بينهم، ولا فرار للمسيحي من الواقع المأساوي الذي تفرضه إسرائيل على سكان قطاع غزة.

أعداد لا بأس بها من الشباب المسيحي في غزة محروم من الزواج بسبب ما تمارسه إسرائيل من قطع التواصل العائلي والاجتماعي مع عائلاتهم والوسط المسيحي الأكبر في الضفة الغربية، وكذلك تنغص على مسيحيي غزة أعيادهم ومناسباتهم الدينية والاجتماعية برفض منح أعداد منهم تصاريح سفر.

وعن هجرة المسيحيين من غزة، فلا يجب تهويل الأمر، فالمسيحي يهاجر بسبب الظروف القاهرة الناجمة عن الاحتلال، وهم أفراد وليسوا جماعات ويبحثون عن الأمن والاستقرار بعيدا عن الحروب وجرائم الاحتلال، ويعانون نفس معاناة المسلمين عند الخروج من غزة، وهذا الأمر ينطبق على آلاف الفلسطينيين الذين هاجروا من غزة.

وبرغم الظرف الصعب، تحارب الكنيسة هجرة الشباب المسيحي خارج غزة، وتنفذ برامج تشغيل وتحسين معيشة وأخرى دراسية، أما الاحتلال الذي يخنق المسيحي قبل المسلم فهو من يروج إلى فكرة أن المسيحيين يهاجرون من غزة بسبب النظام الحاكم في محاولة كسب تأييد المسيحيين حول العالم.

نتمنى أن يزول الاحتلال يومًا، ويعيش الفلسطيني في أرضه سالمًا، يعود المُهجرون إلى وطنهم، ويرسم الفلسطينيون لوحة جميلة بالحب المتبادل بينهم والناجم عن حبهم وتشبثهم بأرضهم، لا فرق بين أحد اليوم ولا فرق غدًا.


الصورة: للكنيسة الارثوذكسية اليونانية والمسجد العمري وسط مدينة غزة للمصور حسن الجدي.

نشر في منصتا يوم 1 آب 2021.

عبدالله مغاري

كاتب وصحافي فلسطيني غزي

شاركونا رأيكن.م