طالعين عَ الصف الأول.. إضاءات حول الفئة العمريّة الدنيا

في ظلّ علامات السؤال التي تلوح في الأفق حول مصير افتتاح السنة الدراسيّة بموعدها، يواصل التلاميذ وذويهم التحضيرات المعهودة من أجل العودة إلى المدرسة. ولعلّ أكثر فئة عمريّة تدخل في خضم من المشاعر المختلطة هي فئة تلاميذ الصفوف الأولى الابتدائيّة. فما بين مشاعر الفرح لدخول المدرسة تنتاب التلميذ مشاعر الخوف من المجهول الذي سمع عنه كثيرًا من الأخوة والأهل والمحيطين به كلٌّ حسب تجربته الشخصيّة، خاصّة كون هذه المرحلة هي بداية اللقاء مع اللغة العربيّة المعياريّة، والتي رغم انكشافه عليها في سنواته السابقة كتذوّق للّغة ستنتقل به في هذه المرحلة إلى اكتساب اللّغة قراءةً وكتابةً.

يواجه التلميذ المبتدئ صعوبة- تتفاوت في درجتها بحسب الفروقات الفرديّة بين التلاميذ- في اكتساب اللغة العربيّة المعياريّة، وذلك بسبب ظاهرة الإزدواجيّة في اللغة العربيّة وهي الفجوة الحادّة بين اللغة المعياريّة وبين اللهجات العربيّة المحكيّة ممّا يشكّل عقبة أمام اكتساب المهارات القرائيّة الأساسيّة. لذلك صَبّ منهج اللغة العربية المعدّ في وزارة التربية والتعليم عام 2009 جلّ اهتمامه في توفير آليّات عمل للمعلّم من أجل التسهيل عليه أثناء تمرير المواد المطلوبة وصولا للأهداف المرجوّة في نهاية كل حقبة عمريّة، فكان التصوّر الفكريّ الذي صيغ في المنهج بأنّ "" اللغة العربيّة تُعتبر أهم مركب من مركّبات هويّة التلميذ القوميّة والثقافيّة، الفرديّة والجماعيّة، ولها دور أساسيّ في حياته إذ يُعبِّر بواسطتها عن أفكاره ومشاعره وميوله واحتياجاته من جهة ويتمتّع ويكتسب المعارف من جهة أخرى"". وعلى ضوء هذا الأمر تمّ التعامل مع الصفّين الأول والثاني كوحدة واحدة، يكمّل أحدهما الآخر للانتقال بالتلميذ من مرحلة ""يتعلّم ليقرأ"" إلى مرحلة ""يقرأ ليتعلّم"".

يتميّز التعليم عامّة وفي المرحلة الابتدائيّة خاصّة بثلاثة جوانب أساسيّة؛ تعليم، تعلّم وتقييم . تُكتسب المهارات في الصفّ الأوّل الابتدائيّ بطرائق واستراتيجيّات تدريس متنوّعة، وعلى المعلّمة ملاءمة هذه الطرائق لاحتياجات التلميذ الفرديّة؛ فمن التلاميذ من تلائمهم طريقة التدريس التقليديّة الوجاهيّة ومنهم من يحتاج إلى الجلوس بمجموعات صغيرة، منهم من يكتفي باللوح والقلم ومنهم من هو بحاجة إلى التعلّم عن طريق الألعاب، منهم من يحتاج إلى تعليم مصحّح ومنهم من يُدمَج في إطار التعليم العاديّ. إلاّ أنّ الوحدات التعليميّة المحوسبة وجدت طريقها إلى كلّ عقل وحواس كلّ التلاميذ باختلاف قدراتهم واحتياجاتهم وذلك لما تحتويه من محفزّات مرئيّة ومسموعة تشدّ انتباه التلميذ وتوفّر له منصّة مثيرة تُجاري ما يجده في الألعاب الالكترونيّة المتوفّرة بين يديه في أوقات فراغه.

تُختَم كلّ سيرورة تعلّم بعمليّة تقييم، تتمّ عمليّة التقييم في الصفين الأوّل والثاني بمساعدة ""فحص القراءة والكتابة للصفّ الأوّل"" و""فحص القراءة والكتابة للصفّ الثاني"" وهما بمثابة آلية تقييم رسميّة تمّ إعدادها في ""راما- السلطة القطريّة للقياس والتقييم في التربية"" بمرافقة مرشدين مختصّين من وزارة التربية والتعليم.

يتضمّن فحص القراءة والكتابة المعدّ للصفّ الأوّل كافّة المهارات التي على التلميذ اكتسابها في هذه المرحلة العمريّة وذلك وفقًا للمنهج التدريسي الصادر عن وزارة التربية والتعليم، 2009. والهدف منه رصد مدى تمكّن التلميذ من المهارات بالإضافة إلى رصد مكامن الصعوبة لديه من أجل بناء خطّة عمل علاجيّة للتغلّب على الصعوبات ومتابعة تقدّمه. أمّا المهارات الأساسيّة التي يتمّ فحصها فهي: الوعي الصوتيّ، معرفة أصوات الحروف، قراءة مقاطع، قراءة كلمات، كتابة كلمات، قراءة جهريّة لنصّ، فهم المقروء، وفهم المسموع.

لا تختلف المهارات المفحوصة في الصف الثاني عن تلك المفحوصة في الصفّ الأوّل؛ إلاّ أنّها تصبح أكثر تركيبًا وذات درجة صعوبة أعلى من ناحية تراكيب لغويّة، إذ يُعتبر هذا الفحص استمرارًا لفحص القراءة والكتابة المعد للصفّ الأوّل ومكمّلًا له، ويهدف إلى متابعة تطوّر سيرورة اكتساب أسس اللغة لدى التلميذ في عامه التعليميّ الثاني في المدرسة الابتدائيّة.

يتضمن فحص الصف الثاني قراءة كلمات مألوفة وغير مألوفة، قراءة جهريّة لنص، فهم المقروء بمستوى الجملة، فهم مقروء لنصّ إخباريّ، فهم مقروء لنصّ قصصيّ، تعبير كتابيّ.

كما ولا بد من إشراك الأهل في سيرورة العمل مع التلميذ في كلّ مرحلة، إطلاعهم على الصعوبات والتعاون معًا في بناء خطط التدخّل العلاجيّة.

على ضوء ما ذُكر سابقًا ينبغي على الأهل أخذ دورهم في انتقاء الدورات التحضيريّة المعدّة للتلميذ المترفّع للصف الأول، والتي انتشرت مؤخّرًا دون رقابة، فلا حرج في استشارة المختصّين قبل الإقدام والتسجيل لأيّ من هذه الدورات وذلك لتجنّب الضرر الذي سينتج من وراء تذويت مضامين غير سليمة أو غير مناسبة للفئة العمريّة. فمرحلة الانتقال للصف الأوّل هي مرحلة مهمّة وحرجة في حياة التلميذ العاطفيّة، الاجتماعيّة والتعليميّة وعلى هذه المرحلة تُبنى بشكل لولبيّ متوسّع العمليّة التعليميّة التعلّميّة.

بثينة عرابي

معلّمة تربية لغويّة للصفوف الأولى والثانية

رأيك يهمنا