سياسات الكشف عن العنف الجندري المبني على النوع الاجتماعي بالجهاز الصحي خاصة في أوساط النساء الفلسطينيات في البلاد

يعتبر العنف ضد النساء أو الفتيات من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارا وإساءة، ولا يزال مستمرا عبر التاريخ رغم الأذى الذي يلحقه بالنساء، وبخاصة الآن ونحن في القرن الحادي والعشرين ونواجه جائحة عالمية.

من ناحية الصحة العامة، تعتبر منظمة الصحة العالمية العنف ضد النساء جائحة عالمية لما له من تأثير كبير على صحة النساء الجسمانية والنفسية على حد سواء. ووفقا للإحصائيات العالمية، تتعرض ثلث النساء في العالم إلى العنف خلال حياتها وتعتبر هذه نسبة مرتفعة جدا، وهي أعلى من أي مرض أو وباء على الإطلاق.

لقد تم تعريف العنف الجندري على أنه فعل عنيف قائم على النوع الاجتماعي الذي يؤدي أو قد يؤدي إلى إلحاق الأذى الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو المعاناة للنساء، يتضمن ذلك التهديد بأفعال كهذه، أو الإكراه أو حرمان المرأة من حريتها، سواء على الصعيد الخاص أو العام. ويشمل العنف أفعالًا تمارس بشكل متعمد أو غير متعمد تجاه النساء، حيث تعتبر هذه الأفعال من ناحية قانونيَّة جرائمَ كراهية وتمييز، إذ تستند إلى جنس الضحية كدافع أساسي، وغالبًا ما يستخدم العنف كآلية لإخضاع النساء والسيطرة عليها.

أما العنف الزوجي الذي يقع على المرأة من قبل زوجها فهو من أسوأ أنماط العنف ضد النساء، إذ يعتمد على الإساءة والأذى والترهيب والقوة من أجل السيطره على المرأة ووضعها في حالة خنوع ودونية من قبل أقرب الناس إليها ألا هو زوجها. قد يتخذ العنف من قبل الزوج أشكالًا عديدة؛ منها العنف الجسدي، أو الجنسي أو النفسي أو الكلامي أو العنف الاقتصادي والسيطره الاجتماعية.

وفقا لدراسات عالمية فإن حوالي 40% من حالات قتل النساء تكون من قبل الزوج أو شخص قريب لها، في حين أنَّ أغلبية حالات قتل الرجال تتم قبل أشخاص غرباء.

إن العنف ضد النساء مشكلة بنيوية تعتمد على هيكلية المجتمع ووضعه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ولا تقتصر فقط على العلاقة بين الزوجين، فالعنف الزوجي قد يكون بمثابة مشكلة مزمنة تستمر مدة طويلة؛ وذلك لقلة الحلول والأطر المجتمعية الداعمة للمرأة المعنفة. تعاني النساء المعنفة من مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة تضطرها إلى ترك عملها ودراستها في الكثير من الأحيان، وقد يضطر عدد كبير من هؤلاء النساء إلى الهروب من المنزل وتصبح من دون مسكن أو مأوى بين ليلة وضحاها. حيث تفقد الكثير منهن الشبكة الاجتماعية الداعمة أو حتى الدعم العائلي الأساسي. أضف إلى ذلك أن مسؤولية رعاية الاولاد واحتياجاتهم تقع على عاتق هذه النساء عادة.

ومن هنا فإن تأثير العنف وإسقاطاته على صحة المرأة يكون كبيرًا جدا. حيث تظهر الأبحاث أن النساء المعنفات يتعرضن وبنسبة كبيرة إلى الإصابات والإعاقة والأمراض المزمنة، ويعانين أيضا من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والاضطراب النفسي واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات النوم والأكل وقد تعاني هذه النساء من مضاعفات خلال الحمل والاكتئاب بعد الولادة.

وفقا لدراسات كثيرة تلجأ النساء المعنفات إلى الخدمات الصحية والطوارئ لتلقي العلاج وذلك قبل لجوئهن للشرطة أو الخدمات الاجتماعية أو السلك القضائي. وهنا تكمن أهمية دور الجهاز الصحي والطواقم الصحية في الكشف المبكر واستجواب النساء عن العنف ضدهن وتوجيههن للعلاج المهني قبل فوات الأوان.

من هنا توصي منظمة الصحة العالمية الأجهزة الصحية اعتماد سياسة استجواب النساء خلال زيارتهن للخدمات الصحية وذلك للكشف عن العنف وعلاجه وفق الأطر الملائمة.

تعتمد الكثير من المنظومات الصحية في العالم سياساتٍ لاستجواب العنف الزوجي وتحديد طرق الكشف عنه وتوجيه النساء للأطر الملائمة. حيث تثق النساء بطبيب العائلة والممرضة في العيادة الاولية. إلا أنه ووفقا لأبحاث عديده تقوم نسبة قليلة فقط من الأطباء والطواقم الطبية باستجواب النساء من أجل الكشف عن العنف ضدها. وقد تم طرح العديد من المعيقات لذلك مثل قلة الوقت وقلة الوعي أو المعرفة عن الموضوع وعدم تلقي التدريب والأدوات للاستجواب. كما صرح آخرون يتخوفهم من المس بمشاعر النساء أو إلحاق الضرر بهن من قبل الزوج المعنف خاصة في حالة عدم توفر الحلول من قبل الاجهزة المختلفة مثل الرفاه الاجتماعي وغيرها، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بنساء الأقليات التي تنقصها هذه الخدمات مثل النساء العربيات الفلسطينيات بالبلاد.

على الرغم من ارتفاع نسبة العنف ضد النساء خلال أزمة كورونا إلا أننا وجدنا وفقا لدراسة أجريناها خلال إغلاقات الكورونا أن نسبة قليلة من النساء (19%) تم سؤالها عن العنف الزوجي خلال زيارتها للخدمات الصحيةـ، وذلك مقابل 50% في دراسة أجريناها قبل الكورونا. كما وجدنا أن نسبة الاستجواب عن العنف الزوجي كانت أقل عند النساء العربيات مقابل النساء اليهوديات: 17% مقابل 20% خلال أزمة كورونا ونسبة 37% مقابل 53% قبل أزمة كورونا. هذه النتائج تشير إلى أن النساء العربيات يتم سؤالهن عن العنف الزوجي بنسبة أقل علمًا أنهن يعانين من نسبة مرتفعة أكثر من العنف ضدهن. السؤال لماذا؟ عند عرض النتائج على الطواقم الصحية وجدنا أن الكثيرات يتخوفن من السؤال اعتقادا منهنَّ أنه بغياب حلول جذرية للعنف الزوجي والعنف ضد النساء عامة في المجتمع العربي لا توجد حاجة للسؤال، وبخاصة أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم العنف ضد المرأة. من هنا تبقى هذه النساء عرضة للعنف من دون أن تكون لديها الفرصة لتلقي المساعدة من المعالجين في الجهاز الصحي؛ ولذلك يجب فحص العوائق التي تحول دون السؤال عن العنف بين المهنيين في مجالات الطب والتمريض. وفحص العوامل الداعمة التي يمكن أن تساعد في إزالة المعيقات بينهم. كما أنه من المهم التشديد على الإرشادات والتدريب وتطوير أدوات الاستجواب وملاءمتها لاحتياجات النساء العربيات. أخيرا توثيق العلاقه المهنية بين الجهاز الصحي وجهاز الخدمات الاجتماعية بما يتعلق بإيجاد الحلول للعنف ضد النساء، وبخاصة العنف الزوجي من أجل ابتكار حلول شمولية ومستدامة للمشكلة.

بروفيسور نهاية داوود

رئيسة لجنة متابعة القضايا الصحية في المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد 

شاركونا رأيكن.م