تأهيل المعلمين العرب وسط نظام تعليمي يراوح مكانه!

يُعتبر المعلم الفعّال والكفء ركيزة أساسيّة في نجاح أي منظومة تربويّة فلطالما شغلت مسألة ""إعداد المعلمين وتأهيلهم"" القائمين على السياسات التربوية في العديد من الدول. في الآونة الأخيرة، تحتل هذه المسألة مكانا مركزيا على جدول الرأي العام في إسرائيل وذلك على ضوء النقص الكبير في المعلمين الذي يعاني منه بالأساس جهاز التعليم العبري. هذا الأمر جعل من مسألة إعداد المعلمين، توظيفهم وشروط عملهم، قضية محورية لا يمكن تجاهلها في المجتمع الإسرائيلي.

بالمقابل يبدو أن البطالة في أوساط آلاف المعلمين العرب الذين ينتظرون مطولا لتعيينهم; أو نقلهم من منطقة الجنوب للشمال، لا تشغل بتاتا الأوساط المتنفذة في وزارة التربية والتعليم في إسرائيل وبالتالي ليس هناك أي أمل في حلها في المدى المنظور. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى جملة من المعيقات التي يعاني منها جهاز التعليم العربي في العقود الأخيرة بما يتعلق بتعيين وتأهيل المعلمين.

برأيي أبرز هذه المشاكل تكمن في طرق التعليم التقليدية، التي لا زالت تهيمن على المشهد التدريسي في معظم المدارس العربية : بدءا من المدارس الابتدائية وانتهاء بالمدارس الثانوية . ترتكز هذه الطرق في الأعم الأغلب على الحفظ والتلقين، حيث يعزف غالبية المعلمين عن دمج تقنيّات التدريس الحديثة; توظيف التقنيّات الرقميّة الحديثة وتذويت مهارات التفكير العليا في أساليب التدريس، التقييم والتقويم.

علاوة على ذلك، أبرزت الأزمات الأخيرة، وتحديدا جائحة الكورونا، ضرورة إشراك أولياء الأمور في مجمل العملية التربوية لما في الأمر من أهمية، خاصة مع تعاظم استعمال طرق التدريس التي تعتمد على البحث العلمي. هنالك شعوراً بأن هنالك قصورا كبيرا من جانب المدارس والمعلمين العرب في التعاطي مع دور الأهالي في مجمل العملية التربوية من جهة، واستيعاب التغييرات الحاصلة داخل الأسرة العربية، من جهة أخرى.

هذا بالإضافة الى أن سيرورة تأهيل المعلمين العرب عموما، والمناهج التعليمية تحديدا، تكاد تخلو من اي مضامين تعنى بتعزيز الهويّة الوطنيّة الجمعيّة الدينيّة والثقافيّة، لا بل انها تسعى الى طمسها عوضا عن تعزيزها.

في واقع الأمر لا تفوتني الاشارة الى أن بعض هذه التحدياّت ذاتها وغيرها من العوامل – المتعلقة بمسألة تعيين وتأهيل المعلمين العرب - من الممكن أن تشكل رافعة لجهاز التعليم العربي لما له من خصوصيّة، فيما لو تم استثمارها بالشكل الصحيح.

وتأسيسا على ذلك، وعلى العكس من منظومات تعليميّة كثيرة حول العالم، فإن جهاز التعليم العربي في اسرائيل يتميز بوجود فائض كبير من المعلمين الذين يتوقون للانخراط في جهاز التربية والتعليم. بالتالي من الضروري السعي لإحداث تمايز مهنيّ بين المرشحين من خلال تطبيق قاعدة ""التوظيف للأصلح"". لهذا لا بدّ من تغيير طريقة تدريج المعلمين المتبعة اليوم - التي تعتمد على معايير تقنيّة كالحالة الاجتماعيّة، الأقدمية في التعليم وغيرها من المعايير التقنية- عن طريق استحداث لجان لِوائيّة مهنيّة تتكون من: مفتشي المواضيع، مديري مدارس، مديري أقسام تربية وتعليم في السلطات المحليّة، معلمين وممثلي لجان أولياء أمور. تتلخص وظيفة هذه اللجان بانتقاء وتدريج المعلمين المرشحين للتعيين، وفق معايير مهنيّة عن طريق إجراء مقابلات مهنية، تحاكي عملية التدريس: كبناء مخطط درس نموذجي; عرض شرائح تقديمي; بناء امتحان نموذجي; ومحاكاة لجلسة/محادثة مع طالب و/أو ولي أمر.

من نافل القول أن نشير أيضا، الى ضرورة تعاطي مديري ومفتشي المدارس بشكل جدي أكثر مع فترة الاختبار التي تكون أمام المدرسين- وهي الثلاث سنوات الأولى لكل معلم. بتصوري تفعيل هذا المورد بشكل جدي ومسؤول من شأنه أن يسهم كثيراَ في الارتقاء في جهاز التربية والتعليم العربي.

في سياق ذي صلة، تجدر الإشارة إلى ان الإصلاح الأخير الذي أدخلته الوزارة - تجدد التعلّم في التراث، العلوم الاجتماعيّة والانسانيّة - وبمقتضاه تم الغاء امتحانات البجروت بالمرحلة الثانوية، في المواضيع الإنسانية : التاريخ، المدنيات والتربية الدينيّة يحمل بين طيّاته فرصة سانحة أمام معلمي هذه المواضيع بالذات، بتغيير طرق التدريس والتقييم لجعلها تتلاءم مع متطلبات الألفية الثالثة. هذا التغيير من شأنه أن يشكل متنفسا أمام المعلمين للتركيز على مضامين تربوية تعنى بهُويّة الطالب العربي وبواقعه المعاش، وبالتالي تضع حدا لحالة الاغتراب التي كانت سائدةَ بين الطلاب العرب، نتيجة المناهج التدريسيّة التي درجت الوزارة على فرضها على الطلاب والمعلمين العرب، خاصة في موضوعي المدنيات والتاريخ.

كما أن تطبيق الإصلاح الجديد يقتضي بالضرورة إحداث تغييرا على طُرق التدريس، التقييم والتقويم في المدارس الثانويّة العربيّة، من خلال اكساب المعلمين مهارات بحثية، لتشتمل السيرورة التعليمية على تذويت أكثر لاستراتيجيات التفكير العليا ودمج التقنيات التكنولوجية الحديثة والمنصات الرقميّة. إن التعاطي مع هذين التغييرين يجب أن يتم عن طريق تطوير الوزارة لمنظومة الاستكمال الخاصة بالمعلمين الحاليين من خلال مراكز التطوير المهنّي.

علاوة على ذلك، على كليات تأهيل المعلمين العربية اجراء إصلاحا جوهرياَّ في عملية تأهيل المعلمين بحيث يكون تدعيما أكبر للعلاقة بين المعلم والاسرة، خاصة ان استعمال تقنية الزوم والتعليم المدمج بكثافة اكبر في مجمل العملية التربوية، شأنه ان يسهل التواصل المدارس/ المعلمين وأولياء الأمور. هذا الفهم الأعمق لمبنى ودور الأسر العربيّة الحديثة في سيرورة التربية والتعليم، سيسهم في رفع كفاءة المربين والنهوض بأدائهم، ليتمكنوا من تحمل الدور المنوط بهم في نهضة ورفعة هذا المجتمع.

مع هذا وذاك فإن جهاز التعليم العربي سيبقى يُراوح مكانه إن لم تنتهج وزارة التربية والتعليم تغييرات جذرية تعطي مكانة ودور أكبر لمؤسسات المجتمع العربي ذات الصلة، الى جانب الاختصاصيين التربويين العرب، في اتخاذ القرارات وتحديد السياسات المتعلقة بجهاز التعليم العربي عموما ومسألة تأهيل وتعيين المعلمين العرب، تحديدا.

عمرو اغبارية

مُرَب، مُدرِّس ومحاضر فِي كُليَّة التَّرْبية فِي الجامعة العبْريَّة وَناشِط اِجتماعي

رأيك يهمنا