المشاركة السّياسية للنساء الفلسطينيات كسر الصّمت كفرصة للتغيير
في شهر فبراير من هذا العام، قامت النّساء في شتى أرجاء العالم بإحياء الذكرى ال102 لمنح النساء حق التّصويت، أكثر من مئة عام مرت على نجاح نضال نساء حركة ""السوفراج- حق التصويت للنساء"" في بريطانيا والولايات المتحدة. نضال حازم وطويل الأمد من أجل الاعتراف بحقنا نحن النّساء بالتصويت ومن أجلِّ الاعتراف، وهنا المفاجأة الكبرى بكوننا بشرًا نستحق حقوقًا مدنيّةً متساوية مع الرجال. مئة عام مضت منذ أنّ دفعت مجموعة من النساء الشُجاعات ثمنًا باهظًا وأحيانًا لا يُحتمل لتغيير هذا العالم.
دول كثيرة لم تفرح بهذا التّغيير وعلى مدى عشرات السّنوات أعاقت منح حق التّصويت للنساء. والسّعودية كانت الأخيرة، فقد منحت النساء السّعوديات حق التّصويت فقط قبل ثلاث سنوات.
من المحتمل أنَّ يكون النضال من أجلِّ حق التّصويت قد إِنتهى، ولكن النّضال من أجل المساواة بشكل عام وفي الحيز الجماهيري- السّياسي بشكل خاص ما زال بعيدًا عن نقطة النهاية. النّساء في جميع أنحاء العالم ما زالت تكافح من أجلِّ مكان على طاولة اتخاذ القرار وإمكانية الوصول إلى وضعية التّأثير.
غياب النّساء الفلسطينيات في إسرائيل عن الحيز العام وعن السّياسة المحليّة والقطريّة هو أمر بارز جدًا للعيان، ينبع هذا الغياب بالأساس من الأعراف السّائدة في المجتمع الإسرائيليّ عمومًا، وفي المجتمع العربيّ على وجه الخصوص، ومن الآراء المُسبقة والنمطية الدّاخلية والخارجية ومن عدم وجود نساء مؤثرات يمكن أنّ يُشكلن قدوة لغيرهن في المجتمع. مع ذلك، نجد أنَّ العديد من النّساء العربيات يرغبن في إسماع صوتهن ويبحثن عن طرائق للاندماج في الحلبة العامة والتّأثير في الخطاب السّياسي.
وإذا كنا نعتقد أنَّ هنالك مشكلة في تمثيل النّساء السّياسي على الصّعيد القطري- في البرلمان، فإِنَّ المعطيات حول تمثيل النّساء في الحكم المحلي مأساوية، نسبة النّساء المنتخبات لا يتعدى ال 0.7%، و17 عضوة مجلس منتخبة من أصل 770 منتخب في 77 سلطة محلية! وطبعا ""صفر"" رئيسات مجالس أو بلديات.
حلبة السّياسة المحليّة تعتبر عند الرجال العرب على أنها حلبة التّأثير الوحيدة المتاحة لهم، والّتي من خلالها باستطاعتهم التّأثير الحقيقي خاصة بسبب عدم منالية الوظائف الكبيرة المؤثرة في سوق العمل الإسرائيلي للمواطنين العرب، على ضوء ذلك تبقى السّيطرة على زمام الأمور المحلية هي المنفذ الوحيد للهيمنة والتأثير، وهذا يفسر الأهمية الكبيرة الّتي يوليها الناخب العربي وبالأخص الحمائل وممثليها الذكور للانتخابات المحلية، وتشهد على ذلك نسبة التّصويت ( 85% مقارنة ب 35% عند اليهود).
صحيح أنَّ المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يشبه إلى حد كبير في تركيبته الاجتماعية المجتمع الفلسطيني في الضّفة الغربية وغزة، وخاصة في سيرورة الانتخابات المحلية الّتي تعتمد على المركب ""الحمائلي"" وليس الحزبي، ولكن لو نظرنا جيدًا نجد أنَّ الأمور مختلفة، فالقانون الفلسطيني بعكس القانون في إسرائيل الذي يخصص مقاعد للنساء. على سبيل المثال تترأس ليلى غَنّام محافظة رام الله والّتي تعتبر العصب السّياسي والاقتصادي والثّقافي لفلسطين، وبلدية بيت لحم ذات الأهمية الدّينية والسّياسية العالميّة ترأستها وعلى مدار سنوات طويلة امرأة.
تعاني النساء الفلسطينيات من إقصاءٍ ثلاثي الأبعاد في المجتمع الإسرائيلي نتيجة انتمائهنّ لمجموعتَي أقلية– الأقلية الجندريّة والأقلية القومية، فضلًا عن الإقصاء الّذي تعانيه من المجتمع العربي ذي الطابع الذكوري، والّذي لا يتقبل أنّ يكون للنساء دورًا مؤثّرًا في الحيّز العام عمومًا والسّياسي تحديدًا. في المقابل يظهر دور النّساء ضمن الحيِّز العام بشكل كبير في إطار منظمات المجتمع المدني، وخاصة في المنظمات الّتي تتعاطى الشّؤون المألوف اعتبارها ""نسائية""، كالتّربية والتّعليم والرفاهيّة والنسويّة، علْمًا بأنّ صانعي القرارات يتعاملون مع هذه المنظمات كموْرد لها لا كشريك في سيرورة التَّخطيط الاستراتيجي.
تتجلى أمام أعيننا طاقة قيادية هائلة مختزَنة في النساء العربيات، هنالك رغبة وحماس كبير للانخراط في الحيّز العام والتّأثير على الخطاب السّياسي. وبناء الشّراكات مع الرّجال من أجلِّ بناء الإنسان والمجتمع في بلداتنا وفي الدّولة، وأكبر مثال على ذلك يتجلى بقيادة النّساء الشّابات للحَراك الشعبي والتّظاهرات اِحتجاجًا على استفحال العنف والجريمة في مجتمعنا في الآونة الأخيرة. ولكن وبالمقابل فأنَّ السّقف الزّجاجي جدًا منخفض، والعراقيل الّتي تقف بالمرصاد أمام انخراطهنّ في السّياسة جمة. الأحزاب السّياسية الفاعلة في مجتمعنا العربيّ لا تختلف كثيرًا عن الأطر ""الحمائلية"" المهيمنة على السّياسية المحلية: كلهم يعتبرون المرأة ""مخزن أصوات"".
التّناقض بين الإمكانيات القياديّة البارزة عند النّساء العربيات وبين العقبات الّتي تمنعهن خوض التجربة السّياسية يتطلب منا عمل واسع وحازم وكذلك نفسًا طويلًا. النّساء الفلسطينيات وبشراكة مع اليهوديات عليهن العمل من أجلّ تغيير القوانين والعمل على تخصيص أماكن في القوائم تضمن انتخاب النساء والتمثيل اللائق ""محاصصة""، وفي المقابل على النّساء الانخراط في الأحزاب السّياسية والتّرشح من خلالها أو في حالات معينة إقامة قوائم انتخابية نسائيّة لخوض الانتخابات المحلية وذلك من خلال الاعتراف بأن المبنى ""الحمائلي"" وحرصه على الحفاظ على الهيمنة الذّكورية يصعّب على النًّساء المضي قدمًا في صنع التّغيير،
وفي النّهاية استشهد بما كتبته أودري لورد، الأديبة والباحثة والنّاشطة النسوية عن كسر الصمت وتحويله لكلام وفعل: ""يتضح لي مرة تلو الأخرى أنه عليّ التّعبير بالكلمات عما هو مهم بالنسبة لي، أنّ أحوله إلى كلام وإلى شأن عام، حتى وإن كان هناك احتمال بأن تُحرّف أقوالي ويُساء فهمها... أقوالي وصوتي يساهمان أكثر من أي شيء آخر... صمتي لم يحميني. صمتكن لن يوفر لكنّ الحماية. في كل كلمة حق قلتها، في كل محاولة لأعبّر عن الحقائق التي أبحث عنها، نسجتُ علاقة مع نساء أخريات... عندما أجرؤ أنّ أكون صاحبة صوت وقوة، أنّ استخدم قوتي لخدمة حلمي، تقل وتذوب أهميّة مخاوفي وقلقي"".
نحن في الطريق الصّحيح لقد حولنا الصّمت إلى كلام وآن الأوان لنحول كلامنا إلى فعل: قوة سياسية!