من الذّاكرة حتّى الواقع - واحد وعشرون عامًا ما بين الهبّتين

عقدان من الزّمن حملا قامة القدس وقصّصها والكثير من الأحداث التي واجهت الجيل الشّاب، وخاصةً ذلك الذي وُلِدَ عام 2000؛ أي عند اندلاع الشّرارة التي أشعلت ما عُرِف باسم "الانتفاضة الثانيّة"، والتي تركت وقعها المدوي على السّاحتين الإسرائيليّة والفلسطينيّة وبضمنها أراضي 48. هذه الانتفاضة التي سميّت آنذاك "هبّة أكتوبر" أو "هبة القدس والأقصى"، خلفت وراءها جيلًا يسير تباعًا للجيل الأكبر منه ويضع قضيّة القدس ورمزيّتها أمام أعينه لتصبح الوجهة المركزيّة لما يليها من هبّات شعبيّة.

في تقريري هذا سأحاور أبناء "عام انتفاضة 2000"، الجيل الذي جاء بعد هذه المحطة الفارقة بالعلاقات بين فلسطينيي 48 والدّولة، لنستطلع آراءَهم حول الحدث وما تبعه من أحداث سياسيّة واجتماعيّة فاصلة ورؤيتهم للمستقبل.

الدّلالات والأحداث وماذا نعرف؟

كثيرًا ما نسمع عن القدس والأقصى، أو ربما هي أحداث تحكى كلّ يوم ولكلّ جيل يبصر النّور، ولمعرفة دلالات ومعنى انتفاضة الأقصى عند جيل الواحد وعشرين ربيعًا بشكلٍ أفضل حاورت الشّابة آية حسين عبّاس من كفركنا التي تدرس علم الحاسوب في جامعة حيفا.

آية من مواليد 2000/4/11، استهلت حديثها معبرة عن نتائج أحداث انتفاضة 2000، قائلة: "لطالما كان موضوع الانتفاضة ضد الاحتلال الحدث الأهم، إذ نسمع دائمًا قصة "أريئيل شارون" وكيف دخل إلى الأقصى مصحوبًا بحراسة مشدّدة مدنسًا زواياه، الأمر الذي أدى لمواجهات عنيفة ما بين المواطنين العرب وقوات الأمن الإسرائيلية ليسقط 13 شهيدًا من مختلف بلادنا العربيّة. فهذه القصة وكلّ ما يتعلق بها رافقنا منذ الصّغر".

أما طالبة علوم الأحياء والعلوم الطبيّة في جامعة تل أبيب سنا خالد خطيب علقت على الموضوع وقالت: "عام 2000 هو عام قدومي للحياة، فأنا من ذاك الجيل الذي جاء إلى العالم في تاريخ 2000/12/12 وسط الصّعاب والأجواء المشحونة التي تراكمت آنذاك إثر الأوضاع السّياسة في البلاد، وعلى الرّغم من كلّ ذلك تربينا على حب الوطن والإخلاص لقضيته وهُويته.

وبدورها أضافت خطيب أنّ "هبة القدس الأقصى"، هو المصطلح الذي رافقها في طفولتها لكن لم تدرك كامل معانيه إلّا عندما قرّرت بنفسها البحث عنه والاطلاع على الصّورة الشّاملة. و"هبة أكتوبر" تعدّ من أهم الأحداث الفلسطينيّة التي تمثلت فيها جلَّ معاني الوطنيّة عندما اتخذ الشّعب الفلسطيني ردة فعل غير مسبوقة لمواجهة هذا الاستفزاز الذي قام به شارون برعايّة المؤسسة، ومنذ تلك الفترة نخلد هذا الحدث بذكرى استشهاد 13 شابًا في كلّ عام من شهر أكتوبر.

العلاقة بين الدّولة والمواطن الفلسطيني...

للحديث عن العلاقة بين الدّولة والمواطن الفلسطيني ولمعرفة من المسؤول عن سلسلة الأحداث حسب روايّة هذا الجيل الصّغير عمرًا الكبير فكرًا، قابلت ابن مدينة النّاصرة طالب الهندسة في جامعة التّكنولوجيا الأردنيّة الشّاب حسن علي دخان الذي وصف العلاقة بين الدّولة الإسرائيليّة والعرب الفلسطينيين في البلاد بأنها علاقة غير العلاقات العاديّة المتعارف عليها بين الشّعوب، وينبع ذلك من الشّعور بعدم الانتماء أولًا لنظام الدّولة، إذ يعدها المواطنون العرب أنها لا تمثلهم لكونها أقيمت على أراضيهم ظلمًا، وثانيًا لتعريفها كدولة يهودية وما يترتب علـى ذلك من تشريعات وقوانين عنصرية تستثنيهم وتميز ضدهم.

وفي سياق الحديث نوّه دخان إلى أنّ الدّولة غير معنيّة أبدًا بالمواطنين الفلسطينيين، كونها تضيق عليهم في مجالات الحياة كافة، وبضمنها التّعليم والسّكن وحتى الأمن والأمان. فهذه أمور يفترض أنّ تكون بديهيّة في كلّ دولة تحترم مواطنيها وتتعاطى بجديّة مع قيّم الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. لكن نحن نرى العكس من طريقة تعامل الحكومة وتحديدًا الشّرطة وقوات انفاذ القانون، وربما آفة العنف والجريمة المستشريّة في مجتمعنا هي أبرز دلالة على ذلك.

وفي شأن ذي صلة حاورت الشّابة لينا سعيد حسن التي أشارت إلى أنّ الجميع يعي أحداث "أكتوبر 2000" المعروفة كذلك باسم "هبّة القدس والأقصى"، التي وقع فيها شهداء وجرحى أكثر من "هبّة الكرامة" في أيار 2021، وكانت المواجهات فيها أيضًا أشد من المواجهات والأحداث الأخيرة، بالإضافة إلى ما آلت إليه هذه الأحداث الفاصلة من تغيّيرات على أوضاع المواطنين العرب في البلاد.

لكن بالمقابل كان التّغيير بعد الأحداث الأخيرة مؤقتًا، باعتقادي، لكنه أحدث وعيًا أكبر عند الفلسطينيين في البلاد. ولفتت حسن التي تدرس الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة حيفا إلى أنّ الدّولة قد تتعاطى بجدية أكبر في المستقبل مع الأمور المتعلقة بالعرب، وحسب رأيها لم يحدث تغيير على المواطن الفلسطيني سوى ارتفاع العنصرية تجاههم ولو بشكلٍ آني، وتعتقد أنّ الأمر سيعود إلى سابق عهده لكن مع ازدياد الوعي لدى الشّاب العربي للأوضاع في الدّولة. 

ما بعد انتفاضة الأقصى...

شهد المجتمع الفلسطيني في الدّاخل الكثير من الأحداث والمواجهات ما بعد هبّة أكتوبر، لتستمر القصة بسرد حكاياتها حتى "هبّة الكرامة" في أيار 2021، وبدورها علقت نور عدنان جبارين من أم الفحم على الموقف قائلةً: "موقفي كان ولا يزال ثابتًا، فلسطين الوجهة الأولى دائمًا وأبدًا، وعلى الرّغم من كلّ الأسى الذي عاشه شعبنا إلّا أنه لا يساوي شيئًا تجاه وجع وأسى أهلنا في غزة".

وأضافت، لطالما كان وجعهم وجعنا ومصابهم مصابنا لكن بالمقابل كنتُ سعيدةً جدًا عندما رأيت الوعي عند شبابنا وأطفالنا في ظلّ "الأسرلة" ومحاولة تفريقنا تحت مسميات عدة مثل: "ابن الضفة"، "ابن 48"، و"عرب إسرائيل".

وفي سياق الحديث عبرت جبارين التي تدرس الفنون التّشكيليّة في جامعة حيفا عن رأيها مؤكدة على أنّ الكبار يموتون لكن الصّغار لا ينسون، والنّكبة لا تزال مستمرة وليست بحاجة لأيّ شخص أن يروي لنا الحكايّة لأننا نراها ونعيش بين تفاصيلها.

وأردفت نور أنها كانت جزءًا فاعلًا في أحداث هبّة الكرامة، إذ رسمت جداريتين في الشّارع بمشاركة الكثير من الشّباب والأطفال الأمر الذي جعلها تقول: "حينها فقط شعرت بقيمة الرّيشة والألوان في بلدي، وآمنت أنّ كلّ شخص بيننا يقاوم بطريقته الخاصة".

أما الذي أدى لاندلاع هذه الأحداث برأيها هو فطرتنا في حب البلاد وغيرتنا عليها. واستغلال مواقع التّواصل الاجتماعي بالشّكل الصّحيح كان له الدّور الأكبر بنشر كلّ حدث حصل في "هبّة الكرامة" ابتداءً من حي الشّيخ جراح لمحاولة اقتحام المسجد الأقصى، ومرورًا بالمواجهات التي حصلت في بلداتنا العربيّة.

وفي سياق متصل تطرقنا لموضوع العمل، وكيف يؤثر في المستقبل على أهداف وطموح الجيل الشّاب في ظلّ الظّروف الرّاهنة؟ فكان لنا هذا الحوار مع الشّابة لمى وتد من بلدة جث المثلث التي وضحت موقفها قائلة: "بداية حسب رأيي الشّخصي الأمر يعتمد على شخصيّة العامل، فإذا كان يستطيع مواجهة الصّعوبات بالتّأكيد يجب أن تكون شخصيته قوية، وهذا الأمر يتعلق بتربية الوالدين وتوجيههم لكيفية التّعامل في ظلّ هذه الأوضاع وهذه نقطة مهمّة.

وأردفت أنه بلا شك في كلّ مكان يوجد السّيء والجيد، مثال على ذلك عملها الحالي، إذ قالت: "أنا لا أشعر بتاتًا أنّ هنالك تفرقة على الرّغم من أنني العربيّة الوحيدة بين مجموعة كبيرة من الموظفين اليهود".

وأضافت لتغيير هذا الحال علينا أوّلًا التّمسك بأهدافنا العمليّة والطّموحات المهنيّة، والمطالبة بالتركيز على هذا الموضوع أكثر من خلال الشّخصيات السّياسيّة المؤثرة في الكنيست وطرح الموضوع بشكلٍ واسع.

ومع كلّ هذه القضايا لا يزال هذا الجيل واثقًا بانتمائه ومتمسكًا بهُويته وبسعيه الدؤوب لممارسة حياته الطبيعيّة أسوة بأقرانه في المجتمعات كافة، ورفضه المهادنة على حقه بالعيش في أمن وأمان، وحريّة وكرامة على الرّغم من معايشته تحديات سياسيّة واجتماعيّة منذ الصّغر.


كتبت التّقرير: سناء مظهر عبّاس، حاصلة على اللّقب الأوّل في اللّغة العربيّة والإعلام- الجامعة العربيّة الأميركيّة، وطالبة تحرير وتدقيق لغويّ.

سناء مظهر عبّاس

حاصلة على اللّقب الأوّل في اللّغة العربيّة والإعلام من الجامعة العربيّة الأميركيّة وطالبة لقب ثاني بتخصص تحرير وتدقيق لغويّ

شاركونا رأيكن.م