تحديات الشيخوخة والعيش بكرامة في ظل التغيرات التي يمر بها المجتمع الفلسطيني في أراضي ال48

إن جودة الحياة عند المسنين العرب في إسرائيل مقلقة جدا. هذه شريحة جيل فقيرة جدا، وتعاني من مشاكل في الصحة وتدهور وظيفي وذهني كبير.

بحسب المعطيات فإن حوالي 12٪ من جميع سكان دولة إسرائيل تبلغ أعمارهم 65 عامًا وأكثر، والتوقعات هي أن هذه النسبة سترتفع إلى حوالي 15٪ بحلول عام 2040. متوسط طول العمر في إسرائيل هو 82.5 سنة في المتوسط، حيث تعيش النساء في المعدل حوالي 84 بينما يعيش الرجال حوالي 81 سنة، مع وجود فجوات عرقية وجغرافية مقلقة للغاية لصالح السكان اليهود ولصالح أولئك الذين يعيشون في منطقه المركز.

يوجد في إسرائيل ما يقارب من 91,000 من كبار السن والمتقاعدين العرب، ويشكلون حوالي 5٪ من السكان العرب، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بحلول عام 2040. ويبلغ معدل طول العمر لكبار السن العرب حوالي 79 عامًا (81 بين النساء و78 بين الرجال) وهذا اقل بأربع سنوات من العمر للسكان اليهود في إسرائيل في كلا الجنسين.

يصاحب ارتفاع معدل طول العمر بين السكان العرب زيادة في معدلات الامراض المزمنة (خاصة مرض السكري وأمراض القلب)، وتدهور وظيفي وذهني. فحسب المعطيات فإن 80٪ من كبار السن يعانون من مرض مزمن واحد على الأقل، وفي المعدل ، يستهلك كل مسن حوالي 5 أنواع من الأدوية، وتبلغ التكلفة الشهرية حوالي 1،023 شيكل. علاوة على ذلك، فإن أكثر من 60٪ من كبار السن العرب هم تحت خط الفقر، 31٪ فقط منهم يتمتعون بدخل تقاعدي منخفض والأغلبية ليس لديها دخل تقاعدي. كما وتشيد المعطيات بأن 40٪ من كبار السن العرب يتلقون الدعم والمساعدة من مكاتب الخدمات الاجتماعية، 17٪ من كبار السن العرب يعيشون بمفردهم، بدون دعم ومن دون مساعدة اجتماعية وعائلية مناسبة. كما تفيد المعطيات فإن أكثر من 40% من كبار السن العرب يشعرون بالوحدة بالرغم من تواجد شبكة عائلية بمعدل خمسة أشخاص. كما وأن نسبة كبيرة منهم لا تنهي الشهر، والكثير منهم غير قادرين على شراء الأدوية والملابس والغذاء الصحي والتدفئة لفصل الشتاء.

في الوقت نفسه، شهدنا في العقود الأخيرة ضعف الشبكة الأسرية التي تدعم كبار السن في المجتمع العربي بسبب عمليات التمدن والحداثة التي أدت إلى التغيرات الكثيرة التي يمر بها المجتمع العربي. تسببت هذه العمليات لإحداث تغيرات كبيرة في مختلف مجالات الحياة - اجتماعيًا، ثقافيا واقتصاديًا: تغييرات في مكانه المرأة وأدوارها، وتفكك القيم والتقاليد، وتفكك الأسرة الممتدة والكبيرة إلى أسر صغيرة تسعى إلى الاستقلال والانفصال الاجتماعي والاقتصادي عن أفراد الأسرة الآخرين، إلخ. كما تسببت هذه العوامل في إلحاق ضرر شديد بمكانة المسن العربي في الأسرة والمجتمع، وأضعفت الالتزام التقليدي والديني والثقافي للأسرة، وتقديم المساعدة والدعم لكبار السن، بل وزادت من سوء المعاملة وإهمال كبار السن من قبل أفراد الأسرة. علاوة على ذلك، فقد ولدت هذه التغييرات بدائل رعاية لم تكن مقبولة في المجتمع العربي التقليدي مثل افتتاح عدد أكبر من دور رعاية المسنين (بالرغم من أن نسبة المسنين العرب داخل هذه الأطر ما زال أقل من 1%)، واستخدام الخدمات الرسمية مثل المراكز النهارية وإدخال مقدم رعاية أجنبي للرعاية المنزلية للمسنين.

تثير هذه التغيرات والمعطيات المقلقة العديد من الأسئلة والمخاوف. من ناحية، بالرغم من الصعوبات والتحديات من المهم أن تحافظ الأسرة على استمرارية رعاية المسن والحفاظ على رفاهية كبار السن للعيش بكرامة واحترام في بيئتهم الطبيعية. من ناحية أخرى، يجب على الدولة والسلطات والحكومة ووزاراتها تقديم الدعم والخدمات للمسنين وللأسرة التي من شأنها تعزيز رفاهية كبار السن الذين يريدون أن يعيشوا بما تبقى من العمر في مكانهم الطبيعي بين أفراد العائلة والأقارب. في ضوء الزيادة المتوقعة في عدد كبار السن العرب في إسرائيل، تبرز الحاجة بأن يقوم صانعو السياسات ومخططو الخدمات لبناء خطة شامله مصممة للشيخوخة المثلى لكبار السن العرب، والتي من شأنها أن تسمح للمسنين بالعيش بالاحترام الذي يستحقونه بمكانهم الطبيعي بين عائلاتهم.

يجب أن يبدأ هذا البرنامج من خلال تعزيز القيم الثقافية التقليدية منذ سن مبكرة كما هو الحال في آسيا ودول أخرى، وتطوير خدمات مجتمعية رسمية مصممة خصيصًا للمسنين العرب، وتقديم الدعم والمشورة لمقدمي الرعاية من قبل المتخصصين، الاعتراف بمقدمي الرعاية من العائلة كأصحاب حقوق، وتوسيع نطاق حقوق أفراد الأسرة الذين يعتنون بوالديهم المسنين ويدعمونهم، كما حدث في العديد من البلدان الأوروبية، حتى يتمكنوا من القيام بمسؤولياتهم كما هو متوقع منهم.

كلمة أخيرة أوجهها لجميع العائلات التي لديها والد/ ه مسن/ه: لا تنتظر من والدك أو والدتك أن تطلب منك المساعدة والدعم. لن يفعلوا ذلك لكنهم يتطلعون إليه بشدة. قم بزيارتهم، وتحدث إليهم، وتحقق مما ينقصهم في المنزل وفي الثلاجة، وتأكد من أن لديهم ملابس مناسبة لفصل الشتاء والصيف، وتأكد من أن لديهم تدفئة جيدة في الشتاء، وتأكد من حصولهم على الدواء في نهاية شهر، ادفعوا لهم فواتير الكهرباء والمياه والممتلكات، ولا تنسوا قول كلمة شكر وعانقهم بكل حب واحترام وعاملهم بما يحب ويرضي الله ويرضيهم.

بروفيسور ربيع خلايلة

نائب رئيس "كلية صفد" وباحث وخبير في علم الشيخوخة

رأيك يهمنا