الأمريكيون يهجرون محطات التلفزة ويغزون وسائل التواصل الاجتماعي

رغم وجود أكثر من ألف وسبعمائة قناة تلفزيونية في الولايات المتحدة، كثيرة منها إخبارية بشكل كامل أو بشكل جزئي، ورغم وجود قنوات تناسب كافة الأذواق والتوجهات سواء أكانت سياسية أو دينية، يبتعد الأمريكيون عن هذه القنوات لصالح وسائل التواصل الاجتماعي.

تهيمن صناعة الاخبار على شاشات الأثير، ومنذ أن بدأت سي إن إن دورة الأخبار التي تستمر لأربع وعشرين ساعة متواصلة، ثم لحقت قنوات أخرى بركبها، أصبحت القنوات تتسابق في الحصول على الخبر بسرعة، تماما كما هو الحال في باقي العالم.

في الولايات المتحدة، باتت توجهات محطات بعينها علنية، ولا تخبئ ميولها السياسية أو الحزبية، ولا تحاول الاختباء وراء الموضوع، وبات لا يمكن الهروب من البرامج الموجهة والمؤطرة وتلك التي يعلن فيها المقدم ميله صراحة إلى هذا الحزب أو ذاك، أو وقوفه على يمين موضوع أو يساره.

كل هذا يخلق جوا من المنافسة، لكنه أيضا يسهم في خلق بيئة استقطاب واسعة، زادت في حالة الانقسام والاستقطاب في الولايات المتحدة.

خصوصية المحتوى وتنوعه في الولايات المتحدة أثْرت المحتوى التلفزيوني الإخباري منه وغير الإخباري، والخصوصية هنا تأتي من أسباب مختلفة، كالتنوع الجغرافي، وتتابع الاحداث، والانقسام الشديد، بالإضافة إلى كون واشنطن مركز الأحداث، وكل تصريح من واشنطن يترك اثرًا في كل زاوية من زوايا العالم.

لذا؛ نجحت القنوات الإخبارية الأمريكية في غزو موجات الأثير، وحتى غزو العالم إلى حد ما إخباريا، لكنها فشلت في غزو قلوب الأمريكيين.

فها هم الأمريكيون يهجرون القنوات الإخبارية، ويحصلون على أخبارهم ومعلوماتهم من وسائل تواصل اجتماعي حديثة العهد، وقليلة الخبرة، وبعيدة كل البعد عن توثيق الحقائق أو مراجعتها للتحقق من صحتها؛ ولكن هذه قصة ثانية.

وفق استطلاع رأي لمركز بيو للأبحاث، أكثر من ثمانية من كل عشرة بالغين (٨٦٪) في الولايات المتحدة يتلقون أخبارهم من هاتف ذكي، أو حاسوب، أو جهاز لوحي، كثيرا أو أحيانا، أي، لا اعتماد على وقت معين لتلقي الخبر، ولا انتظار لنشرة تأتي مرة أو مرتين خلال اليوم، يمكن الوصول إلى المعلومة في وقتها، ومن أي مكان.

في استطلاع رأي اخر لمركز بيو للأبحاث من نوفمبر من عام ألفين وعشرين، وصل عدد الأمريكيين الذين يتلقون أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي خمسة وخمسين في المائة، وهو أعلى من عدد الأمريكيين الذين كانوا يتلقون أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي خلال انتخابات عام ألفين وستة عشر حين بلغت اثنين وأربعين في المائة.

والانتخابات، غيرت معادلة الأخبار بشكل كبير في الولايات المتحدة، لم تظهر حجم الانقسام الكبير على أكثر من مستوى فقط، ولكن أيضا، أظهرت توجه الأمريكيين إلى الأخبار التي يفضلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتنتشر أيضا الأخبار الكاذبة ونظريات المؤامرة، ومعلومات غير موثقة، وغيرها من الأخبار التي أصبحت تنتشر كالنار في الهشيم دون أن يكون لها أي أساس من الصحة.

بكل الأحوال، وسائل التواصل الاجتماعي هي المصدر الثاني للأخبار!

ولأن محطات الأخبار تتبع أجندات بعينها، أصبح لها متابعون يتفقون وهذه الأجندات، وأصبح المصدر الثاني -وسائل التواصل الاجتماعي هي الأخرى لها متابعون يتفقون معها!

يتفقون معها، أي، تغذي آراءهم وتزيد قناعاتهم، وهذا يعني أنهم يبتعدون عن مصادر أخبار أخرى، قد تظهر وجهات نظر مختلفة.

لا غرابة أن الأمريكيين يلجؤون أكثر فأكثر لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، ولربما كانت الانتخابات الأمريكية الماضية حافزا لقطيعة المحطات الإخبارية، أو على الأقل، حافزا لقطيعة ما يعارض آراء وتوجهات المشاهد إلى تلك التي تعبر عن وجهة نظره، ووجهة نظره وحسب.

التسلسل هنا يبدو أكثر من طبيعي، والنتيجة أيضا. والنتيجة هي أن الأمريكيين الآن أكثر انقساما، بل إن أكثر من نصفهم وفق استطلاع رأي يعتقدون أن واحدة أو كلا الانتخابات في ألفين وستة عشر وألفين وعشرين كانت مزورة.

وهي ليست الحالة الوحيدة! من تفشي جائحة كورونا إلى الخلاف الروسي الأوكراني وموقف واشنطن منه الآن، مرورا بالتحديات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، ينقسم الأمريكيون بشأنها وفق توجهاتهم الحزبية، ورأيهم في أي أو كل من هذه القضايا يعتمد بشكل تام على رأيهم الحزبي، وإن اختلفت الحدة!

أما ما يشد انتباه الأمريكيين من وسائل التواصل الاجتماعي فيأتي فيسبوك في المقدمة مع ما يقارب من ثلاثة أرباع الأمريكيين البالغين، وأكثر من نصفهم يحصل على معلوماته الإخبارية من هناك، المصدر الثاني من يوتيوب، ثم مصادر متنوعة أخرى مثل تويتر وإنستاغرام ولينكدين وسناب تشات وغيرها.

ارتفع أيضا عدد الأمريكيين الذين يتابعون وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات بشكل كبير، خمسة في المائة فقط من الأمريكيين كانوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي عام ألفين وخمسة، تضاعف هذا الرقم عام ألفين وأحد عشر، وارتفع إلى اثنين وسبعين في المائة عام ألفين وتسعة عشر.

خلال ألفين وعشرين، وصل عدد الأمريكيين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي إلى مائتين وثلاثة وثلاثون مليون أمريكي.

تشير الباحثة نداء إبراهيم في دراسة حول متابعة وسائل التواصل الاجتماعي والأخبار في الولايات المتحدة إلى أن المواطنين يتابعون المحطات الإخبارية التي تلبي احتياجاتهم، وبالتالي، متابعة وسائل التواصل الاجتماعي تسهل الوصول إلى الأخبار بوجهة نظر تعكس آراءهم.

وهذا يعني أن الاعلام البديل يصبح أكثر المصادر الرئيسية لتلقي الأخبار، وإن كان ذلك جيدا فيما يتعلق بسرعة الحصول على الأخبار، لكن ذلك لا يأتي من دون آثار جانبية، من انتشار أخبار من مصادر غير معروفة، ولا تستند إلى معلومات موثقة، والأسوأ من كل ذلك، انتشار أخبار تعتمد بشكل كلي على نظريات مؤامرة، مصدرها في كثير من الأحيان، في غياهب اللامعقول.

ريما أبو حمدية

مراسلة في قناة العربي في العاصمة الأمريكية واشنطن. قبل ذلك، عملت أبو حمدية مع قناة آرتي في واشنطن العاصمة كمراسلة لها إضافة إلى عملها لثلاث سنوات في المقر الرئيسي للشبكة في موسكو. بدأت أبو حمدية عملها الصحفي في فلسطين، حيث عملت منتجة ومراسلة، بالإضافة إلى عملها في أفلام وثائقية نال بعضها جوائز مرموقة. بدأت حياتها المهنية بالعمل مع المعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية حيث عملت في عدد من البرامج بما في ذلك العمل مع أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من بين برامج أخرى

شاركونا رأيكن.م