أين العالم من فلسطين في اليوم الدولي للشعوب الأصلية؟

ليس صدفة اختيار اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 كانون أول ديسمبر 1994، بموجب قرارها رقم 49/2014، ليكون 9 آب أغسطس من كل عام بصفته يوماً مميزاً للشعوب الاصلية، تخليداً لذكرى أول اجتماع لفريق عمل الأمم المتحدة المعني بالسكان الأصليين التابع للجنة الفرعية لدعم وحماية حقوق الإنسان عام 1982، السؤال لماذا هذا التمييز من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة؟؟ لماذا أفردت يوماً دولياً ليكون إحتفالياً ورمزياً بهدف إبراز عمل وحضور ما يسمى الشعوب الأصلية؟؟ أليس ذلك ملفتا الاهتمام بالشعوب الأصيلة؟

لقد تعرضت العديد من الشعوب لحالات الظلم والابادة من قبل شعوب يفترض أنها محضرة، كان الواجب أن تأخذ بيدها وتعمل على تطويرها وإشراكها في الحياة، ولكن الوقائع المؤلمة أكدت أن شعوب أوروبا بالذات عملت على إبادة شعوب أميركا وافريقيا وحتى أسيا، لتكون مكانها وبديلاً عنها، وتحتل بلادها، وتسرق خياراتها.

هذا ما حصل لما يُسمى الهنود الحمر وهم سكان أميركا الأصليين، الذين تعرضوا لموجات إبادة منهجية منظمة من قبل الأوروبيين الذين استوطنوا أميركا واحتلوها ليكونوا بديلاً عن الهنود الحمر، وتحول بقايا هؤلاء لنموذج من الظلم والتمييز في الولايات المتحدة وكندا، كما تعرض العديد من شعوب إفريقيا لحالات الإبادة من قبل الأوروبيين ليكونوا على انقاضهم ورفاتهم، مستوطنين جدد في البلاد، على حساب الأفارقة في جنوب افريقيا وروديسيا وزمبابوي وغيرهم، وحاولوا ذلك في الجزائر على يد الفرنسيين واستوطنوا واحتلوها أكثر من ربع القرن، ولكنهم خرجوا منبوذين مهزومين.

في فلسطين كانت التجربة الفاقعة الاشد قسوة، حيث نجح المستعمرون المستوطنون الأجانب من احتلال كامل خارطة فلسطين، وطرد نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه عام 1948، وارتكاب عشرات المجازر المنظمة على يد المنظمات الصهيونية اليهودية لإرغام الفلسطينيين على الخروج والطرد والهجرة هروباً من القتل الجماعي والفردي، وقد سجل الكاتب الإسرائيلي إيلان بابه وثائقه المنشورة في كتاب عنوانه ""التطهير العرقي في فلسطين"".

تمكن قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، من احتلال فلسطين، بمساعدة بريطانيا الدولة الاستعمارية المنتدبة على فلسطين بقرار تعسفي من قبل عصبة الأمم، يوم 24/7/1922، فعملت على تنفيذ وعد بلفور الصادر يوم 2/11/1917 من قبل وزير خارجية بريطانيا لزعماء الطائفة اليهودية، بهدف قيام دولة يهودية في فلسطين، أسوة بما فعلوه في بلدان المستعمرة، وهكذا وفرت بريطانيا الدولة المستعمرة القائمة بالانتداب الفرص والعوامل والبنى التحتية لقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين، على حساب شعبها وحقوقه وممتلكاته.

المستعمرة الجديدة، مع نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين يوم 15/5/1948، عملت على ارتكاب عشرات المجازر الدموية، ضد الفلسطينيين، الجماعية منها والفردية، وطرد وتشريد القطاع الأوسع من الشعب الفلسطيني من المناطق التي تم السيطرة عليها، وبقي حوالي 150 ألف فلسطيني في مناطق الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وفي 5 حزيران 1967 استكملت المستعمرة الإسرائيلية السيطرة واحتلال كامل خارطة فلسطين، وتشريد جزء من سكانها إلى خارج وطنهم، حتى بات حصيلة ذلك، نصف الشعب الفلسطيني مقيماً على أرض وطنه، ونصفه الآخر مشرداً منفياً في مخيمات البؤس والشقاء ينتظر إنصافه وعودته إلى المدن والقرى التي طردوا منها، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها تنفيذاً للقرار الدولي رقم 194 الذي يؤكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.

عاش الفلسطينيون في مناطق الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، منذ عام 1948، في ظروف صعبة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، تحت سيطرة الحكم العسكري وقراراته وإجراءاته القاسية حتى العام 1966، ولكن على الرغم من أنهم أقلية مضطهدة محاصرة، لا حول لها ولا قوة، حافظوا على كينونتهم الوطنية والقومية والدينية، في ظل التمييز الفاقع ضدهم وحرمانهم من حقوقهم كمواطنين متساوين، أنتجوا خبرة المبدعين والمتفوقين والمنتجين وباتوا رقماً صعباً متماسكاً، حققوا حضورهم أمام المجتمع الإسرائيلي في مواجهته، مستفيدين من عاملين هما:

أولاً المنح الدراسية المجانية التي قدمها لهم الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية، من خلال الحزب الشيوعي الإسرائيلي، فتلقوا التعليم الذي كان يحرمهم منه النظام الإسرائيلي.

ثانياً المنح الدراسية، التي قدمها الأردن، وفتح أبواب الجامعات الأردنية لهم، بمكرمة ملكية من قبل الملك حسين، منذ العام 1995، وتواصلت مع عهد الملك عبد الله، حتى بات الطلبة من خريجي الجامعات الأردنية منذ العام 2000، كمهنيين: أطباء ومهندسين وحقوقيين وتربويين هم قادة المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق 48، على الأغلب.

احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي للشعوب الأصلانية يوم 9/8/2022، إنطباق عملي وقانوني وإجرائي مع المكون الأول للشعب الفلسطيني المقيم في مناطق الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ويزداد وضوحاً وتمايزاً في ظل حدة المواجهة المدنية والنضال السلمي الديمقراطي الذي تقوده أحزابهم السياسية ونوابهم في البرلمان ومجالسهم البلدية المنتخبة، ضد السياسات العنصرية الفاقعة، خاصة بعد إقرار قانون يهودية الدولة من قبل الكنيست الإسرائيلي يوم 19/7/2018، وقد عززت منظمات حقوق الإنسان هذا الوضوح في وصف السياسات والإجراءات الإسرائيلية، من قبل: 1- بيتسيلم الإسرائيلية، 2- هيومن رايتس ووتش الأميركية، 3- أمنيستي البريطانية، 4- لجان حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، على أنها سياسات وإجراءات عنصرية وتفرض نظام الأبارتهايد على مجمل الفلسطينيين.


*المقالات المنشورة تعبّر عن آراء كاتبيها.

حمادة فراعنة

كاتب، صحافي وباحث سياسي أردني

شاركونا رأيكن.م