سأتطرق في مقالي هذا لسوق عكاظ من زاوية أخرى وخاصة أننا في 2022 عاش عالمنا المعاصر عدة تغييرات وأبرزها جائحة كورونا بكل أبعادها الاقتصادية، النفسية والاجتماعية. سندخل أروقة سوق عكاظ من خلال نظارة "البوتقة " وهي التي تنصهر بها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية معا.

أحدثت جائحة كورونا تسونامي من الصدمات التي اجتاحت الاقتصاد العالمي، وتسببت في أكبر أزمة اقتصادية عالمية فيما يزيد على قرن من الزمان. وأدت هذه الأزمة إلى زيادة حادة في عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها. وتشير المعطيات إلى أن التعافي من هذه الأزمة سيكون متفاوتا بقدر تفاوت آثارها الاقتصادية الأولية، إذ تحتاج الاقتصادات الصاعدة والفئات المحرومة اقتصاديا وقتا أطول بكثير لتعويض ما نجم عن الجائحة من خسائر فقدان الدخل وسبل كسب العيش. كان وما زال تأثير الكورونا الاقتصادية على النشاطات والمنتديات العالمية وخاصة سوق عكاظ حاضرا، مع ذلك عام 2022 كان عام بداية التعافي من كورونا والخروج من تحت أطلال الازمة ورمادها. فحتى اللقاء الاجتماعي بأساسه النفسي قد تأثر، فصار مبدأ التباعد ضرورة وإجراءات الوقاية حاضرة وقائمة وخاصة أننا متواجدون في الشرق الأوسط والأقرب لمسقط رأس الكورونا.

بالإضافة إلى ذلك هنالك جانب ثقافي واجتماعي لسوق عكاظ منذ زمن الجاهلية، ففيه يجتمع العرب من مختلف القبائل، وهذا أساس المشاركة الثقافية من خلال منافسات إلقاء الشعر. فلو نظرنا بتعمق للمعنى (عكاظ) . فالسوق سمي بعكاظ لاجتماع العرب فيه كل سنة، فيعكظ بعضهم بعضا بالمفاخرة والتناشد: أي يدعك ويعرك، وفلان يعكظ خصمه بالخصومة أى يمعكه، وقال الليث بن المظفر الكناني: "سميت عكاظا لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضا بالمفاخرة، وكل معاني الكلمة صالحة لتعليل التسمية، فالحبس والعرك والعراك والقهر والمفاخرة والدَّعك والدَّلك والمجادلة والمطل والاجتماع والازدحام والتمنع جميعها من أغراض عكاظ ووقائعه". هنا نستنتج عن قدر وإمكانية التأثير الاجتماعي، النفسي والثقافي للكورونا.

بعد تمعن وتحليل عميق وصلت من منظار البوتقة أن في هذا العام 2022، سوق عكاظ انتقل لموقع آخر وتسمية أخرى، أو بديل آخر وهو أحداث المونديال في قطر ففيه تجتمع شعوب في لقاء متعدد الثقافات، فهذا الحدث والذي يشغل أنظار العالم ويوجهها نحو شبه الجزيرة العربية، يعطينا مثالا محسوسا للقيمة الاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية على المواطن العربي بشكل عام وعلى المواطن القطري بشكل خاص نتيجة احتضان محفل دولي كالمونديال وبنفس القيمة تتجسد قيمة سوق عكاظ وأهميته التي تنبع من كونه معلما سياحيّا مميزا في المملكة العربية السعودية، وهو أحد مقومات السياحة في المملكة، حيث يقصده الكثير من السيّاح لمشاهدة السوق الذي يُمثل امتدادا لجذور الزمن الماضي، ويُشكل هذا المهرجان ملتقى شعريّا، وفنيّا، وتاريخيّا لا مثيل له، ويُعيد هذا السوق ذكريات العرب وأمجادهم الأصيلة ففي عكاظ هنالك المنافسة بالبلاغة والثقافة العربية وفي المونديال المنافسة الكروية تحضر، ولا ننسى كيف افتتح المونديال بافتتاحية راقية طغى بها الطابع الثقافي الإسلامي والعربي الأصيل والذي أثر على الإنسان العربي في كل أنحاء المعمورة وذلك ما شهدته مواقع التواصل الاجتماعي من المفاخرة والتعبير عن الانتماء بالعروبة والإسلام.

وأخيرا فإن البوتقة كانت بمثابة شعلة تضيء وتساعدنا لنرى عام 2022 بمنظار آخر وخاصة بما يخص سوق عكاظ والمونديال القطري وكورونا، ويبقى السؤال هل سيأخذ أولياء الأمر والمسؤولون بالعبر ومن يدري لربما يكون هنالك مونديال السعودية (مونديال عكاظ 2030).


كاتب المقال: عبدالهادي خروب وهو باحث دكتوراة في مجال علم النفس الإداري والتربوي في جامعة اليرموك، حاصل لقب ثاني في إدارة الأعمال والاقتصاد ولقب أول في علم النفس والاجتماع جامعة تل أبيب. مستشار تنظيمي وخبير في علم النفس الاستهلاكي.

عبدالهادي خروب

باحث دكتوراة في مجال علم النفس الإداري والتربوي في جامعة اليرموك، حاصل لقب ثاني في إدارة الأعمال والاقتصاد ولقب أول في علم النفس والاجتماع جامعة تل أبيب. مستشار تنظيمي وخبير في علم النفس الاستهلاكي

شاركونا رأيكن.م