البحث عن الشريك المُكمّل.. التخطيط السليم لمشروع الزواج

لا شك أن خطوة الزواج هي من أهم الخطوات الانتقالية في حياة الفرد، انتقال من حياة عزوبية فردانية مألوفة إلى واقع جديد مجهول التجربة رغم المعرفة الأولية المسبقة عن طبيعة الخطوة وتبعياتها. هذه الخطوة تدمج بالعادة مشاعر الفرح بتحقيق رغبة الارتباط بالشريك مع مشاعر القلق والخوف من التغيير الشامل بحياة الزوجين والذي يتطلب القدرة على التأقلم معهُ. من هنا على الزوجين الجديدين توقع الصعوبات، بالأخص بالسنة الأولى للزواج، والعمل معاُ لتخطي الصعاب والخروج منها زوجين ناضجين.

طرح جريء للموضوع عليه التعامل مع السؤال: ""لماذا الزواج أصلاً؟"" الإجابة على هذا السؤال تعود لأم البدايات، الولادة. نحن ولدنا لداخل علاقة ""الاتحاد الأولي"" مع الأم والتي تشكل نموذج نرغب بالا واعي من تكرارهِ والتي تتشكل بالرغبة والحاجة للعلاقة ”الامتزاج مع الأخر“ مستقبلاً. تؤثر التجارب بالطفولة على ردود فعلنا العاطفية بالبلوغ، فمثلاً عدم تلبية حاجات الطفل يُشعرهُ بالخوف الشديد، بالكبر نشهد الخوف ذاتهُ عندما نشعر بإهمال من قبل الشريك. فتجارب الطفولة تؤثر على مدى شعورنا بالأمان، فغياب الشعور بالأمان بالطفولة يجعلنا بالغين ""متلاصقين"" بالأخر خوفاً من أن نُترك وأما إذا شعرنا بالطفولة بالأمان فيظهر ذلك برغبة الشخص البالغ بالوحدة والاستقلالية أحياناً، وهو التصرف الصحيح والصحي داخل العلاقة ""التقرب-البُعد"".

من المفارقة أن مُعظمنا ينجذب ويبحث بشكل متكرر عن أزواج أصحاب صفات معينة - سلبية وايجابية، وذلك بهدف الحاجة ”لعلاج“ جروحات الطفولة القديمة. تُعلمنا النظريات عن عاملين نفسيين أساسيين يلعبان الدور باختيار الشريك: 1. بالمُخ القديم تتشكل ""صورة لا واعية"" تجمع صفات الأم والأب والشخصيات الأولية الهامة، عندما نتلاقى مع الشخص الذي يحمل مُركبات تُذكرنا بهذه الشخصيات فتجدنا ننجذب إليه. بالوضع الصحي ننجذب للذي يحمل المركبات الإيجابية، أما بالوضع الغير صحي تجدنا ننجذب للذي يحمل المركبات السلبية من باب الاستمرار بالمألوف حتى ولو كان مؤذي أو من باب محاولة ""تصليح"" الماضي. 2. البحث عن الشريك ”الكامل“ بنظرنا أو المُكمل لل“أنا المفقود“. مثلاُ، فتاة خجولة تنجذب لشاب جريء أو شاب لا يرى نفسه جميلاً ينجذب لفتاه جميلة.

قد يحدث التعارف واللقاء الأول مع الشريك المُحتمل على شكلين: 1. هنالك من يصف البداية بشعور غريب وقوي، شعلة من الحرارة والانجذاب السريع والذي يتطور لتعلق شديد وتواصل مكثف ولقاءات متكررة. 2. وهناك من يصف البداية بشعور معتدل، التعارف يحدث ببطء بحيث تنشأ صداقة متزنة، على الغالب تكون صفاتهم مختلفة. يصف الخبراء الشكل الأول بالحب الجارف والنوع الثاني بالحب البارد.

كيف نعرف اذا وُلد الحب بين أثنين؟ تنشأ حالة الحب بعدة مراحل: بالمرحلة الأولى يقول الشخص: ”عندما رأيتها لأول مرة شعرت أنني أعرفها من زمان“. بالمرحلة الثانية يقول: ”غريب، مع أنه تعرفنا حديثاً، إلا أنني لا أتذكر الوقت قبل أن أعرفها“. بالثالثة يقول: ”عندما أكون معها لا أشعر أنني وحدي، أشعر بالكمال“. بالمرحلة الأخيرة يقول: ”أحبها لدرجة أنني لا استطيع العيش بدونها“.

ننطلق لعالم البالغين ولم يعلمنا أحد كيف نتعامل ونتفاعل بالعلاقات الرئيسية الثلاث بحياة البالغين!! العلاقة الجنسية والزوجية والوالدية. كزوجين نصل هذه المرحلة بدون خبرة حياتية زوجية كافية فنبدأ التعلم من خلال التجربة والخطأ. من جهة يتعلم الزوجين من خلال أخطاءهم دروس بالحياة الزوجية ومن جهة أخرى قد تُحدِث الأخطاء أضراراً بالعلاقة تشكل كرة ثلج يزداد حجمها مع كل أزمة لاحقة.

تبدأ عملية صقل ملامح العلاقة الزوجية منذ البداية، فكل فرد منا يدخل لعلاقة مع الأخر حاملاً معهُ توقعات مبنية على رغباته واحتياجاته النفسية، مبنى شخصيته ونشاته التي تتأثر بشكل كبير من انكشافه المتواصل ولسنوات للعلاقة الزوجية الأولية بين والديه وما يميز هذه العلاقة من جوانب إيجابية وسلبية، يصل كل واحد منا مع تبعيات تجاربه السابقة من علاقات عاطفية وغير ذلك من عوامل.

يُشكل ""الاتصال"" الكلامي الأداة والمفتاح الرئيسي لنجاح عملية التواصل وبناء العلاقة. مهم جداُ المصارحة والصدق ومواجهة نقاط الخلاف والعمل على العوامل التي تعيق المصارحة (مثل عدم تقبل النقد، الحساسية المفرطة، التورط ""بتحقيق شرطي"" مع الطرف الأخر وغيرها).

فترة التعارف هي فرصة للنقاش والحوار للتأكد من صحة الاختيار وليس عبور هذه المرحلة بأي ثمن للوصول للزواج. لذلك مهم ملائمة التوقعات حول الحياة المشتركة (مكان السكن، العمل، الأهل والعلاقات معهم، الإنفاق، عدد الأولاد...). علينا أن نسأل أنفسنا كيف نتعامل مع الخلافات والغضب؟ هل نستطيع التنازل عن «الأنا» لصالح العلاقة وهل نتعامل بنضوج؟ هل هنالك صراع بين العقل والعاطفة؟ هل نحن صادقين أم مزيفين؟ هل علاقتنا تتميز بالثبات والاستقرار أم بالتقلبات والصراعات؟

بالتعارف وبناء العلاقة علينا الانتباه من الأخطاء الشائعة مثل محاولة إحداث تغيير جذري عند الطرف الأخر لكي يطابق الصورة المرسومة بداخلنا أو مثل التغاضي عن مشاكل جذرية على أمل التغيير بعد الزواج ""الإنكار والحُب أعمى"". علينا التنبه من الخطوط الحمراء التي تدمر كل علاقة مثل فارق كبير بالجيل والدرجة العلمية والوضع الاقتصادي (عدم التكافؤ)، الخيانة بفترة الخطوبة، العنف على أشكاله، الغيرة المرضية والشك والتعاطي مع الجريمة.

بحسب رأي المهني، العلاقة الزوجية الناجحة عليها أن تتميز بالصفات الخمس التالية كاملةً:

  • الأمان: يتحقق عندما لا نشعر بالخوف من أذية الطرف الاخر.

  • الأمانة: تتحقق عندما نقول الحقيقة بدون خوف والاعتراف بالأخطاء.

  • القبول: يتحقق عندما نتقبل صفات الطرف الاخر ولا نحاول تغييرها.

  • الاحترام: يتحقق عندما نحترم أراء وأفكار وحقوق الطرف الأخر.

  • المتعة: تتحقق عندما نشعر بالنشاط والحيوية بوجود الشريك.

أنهي المقالة برسالة أوجهها للذين يشككون بخطوة الزواج بأنني كمتزوج ومهني أؤمن بالزواج بانه الطريقة المُثلة لعيش الحياة وأن كل البدائل لم تثبت ذاتها بأرض الواقع ولكن لكي يكون الزواج البديل الأمثل علينا التنبه بأن العلاقة الزوجية ليست كمثل علاقات المغامرة والمتعة، عليها التحلي بالنضوج والصدق والمسؤولية والجدية والتكافؤ الفكري والعاطفي وألا يتردد الزوجين التوجه للاستشارة زوجية عند الضرورة والذي قد يُساعد الزوجين تخطي التحديات والاستمرار قدماً.

د. عامر جرايسي

معالج ومحلل نفسي وموجه أهالي

شاركونا رأيكن.م