تورط الشباب العرب في عالم الجريمة

في السنوات الأخيرة، يحظى العنف في المجتمع العربي بقدر كبير من الاهتمام الإعلامي والجماهيري، في ظل الزيادة الملحوظة في حالات العنف الشديد في المجتمع العربي التي أودت بحياة العديد من الضحايا - رجال وأطفال ونساء.

هذا الاتجاه مثير للقلق بشكل خاص في ضوء حقيقة أن بعض المتورطين في حالات العنف كضحايا وكجناة هم من الأطفال والمراهقين. نود أن نتناول في هذا المقال ظاهرة تورط الأطفال والمراهقين في الجريمة بشكل عام وفي المجتمع العربي بشكل خاص. سنركز بشكل خاص على أسباب الانحراف واستخدامه كوسيلة للتقدم المجتمعي خاصة بين أولئك الذين يفتقرون للخيارات أخرى.

السلوك المنحرف للأطفال والمراهقين، مثل أي سلوك بشري آخر، يتأثر ويتشكل بعدد كبير من العوامل التي تنعكس في دوائر مختلفة في حياة المراهق. تتراوح هذه العوامل من الدائرة الشخصية للصبي وتشمل خصائصه الذاتية والشخصية (على سبيل المثال، الجندر، والعمر، والاندفاع، ودرجة التدين) إلى دوائر أوسع مثل الأسرة (خاصة علاقته بوالديه وثقافتهم)، ومجموعة الأقران (خاصة الانتماء لمجموعة من الأصدقاء الجانحين)، المدرسة (الالتزام بالتعليم والأفق الأكاديمي)، الحي والمجتمع الأوسع (مثل التجربة والتعرض للعنف في الحي، والشعور بالتمييز والتعرض للعنصرية من قبل المجتمع الأوسع).

تسعى هذه المقالة إلى معالجة جنوح الشباب العرب كوسيلة للتقدم المجتمعي والثراء (جني المال)، لا سيما عندما يتم قطع الطرق المشروعة للتقدم المهني والشخصي امامهم.

إن تفسير هذا المسار من التوجه إلى الجريمة كوسيلة للثراء السريع والسهل خاصة بين أولئك الذين لا يستطيعون القيام بذلك بطرق مشروعة قد تم طرحه من خلال عدد من النظريات في مجالي علم الإجرام والاجتماع. من بين أهمها نظرية الانفعال العام التي طرحها مارتون (General strain theory).

كان مارتون مهتمًا بفهم كيف يمكن لقيم المجتمع الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، أن تشجع على انخراط الأحداث في الجنوح. تسعى نظريته لشرح دور قيم المجتمع الذي نعيش فيه والذي يشدد على الأهمية للنجاح الاقتصادي، أن يكون عامل خطر جوهري للانحراف بين أولئك الذين لا يستطيعون تلبية توقعات المجتمع والنجاح ماديا بطرق مشروعة. في هذا السياق، جادل مارتون بأن انخراط الأحداث في العنف هو نتيجة، من ناحية، تبني الشباب للقيم الاجتماعية ورغبتهم في تلبية التوقعات منهم والنجاح ماليًا، ومن ناحية أخرى حجب القنوات الشرعية عن هذا النجاح - لأسباب مختلفة مثل الفشل التعليمي او المهني وغيرها.

وبحسب هذه النظرية، فإن عرقلة احتمالات النجاح المادي، وإحباطه من عدم قدرته على تلبية توقعات المجتمع وقيمه، يثير لدى الشاب العديد من المشاعر السلبية، وأهمها الغضب. مشاعر الغضب تدفع الشاب للبحث عن طرق للتعامل مع هذه المشاعر السلبية، في حين تشكل الجريمة والانحراف بالنسبة له إحدى الحلول السحرية للتخلص من خيبة أمله وتحقيق أهداف المجتمع، وهي النجاح المادي، حتى وإن كان السبيل إلى تحقيقه غير شرعي. ومن هنا، ووفقًا لهذه النظرية، فإن السلوك الإجرامي والجانح، خاصة الذي يساعد في الثراء الاقتصادي، هو نتاج علاقات سلبية يمنع فيها الآخرين أو المجتمع الفرد من تحقيق أهداف إيجابية. والإشارة في هذا السياق خاصة للشباب من طبقة دنيا (خلفية اقتصادية واجتماعية ضعيفة) الذين يُحرمون من فرصة تحقيق النجاح الاقتصادي والوصول إلى الطبقة الوسطى والعليا.

بالطبع، كل ما يقال هنا صحيح، حين يكون في محيط الشاب، أولئك الذين سلكوا هذا الطريق و""نجحوا"" بذلك. في هذا السياق، يحاول ألبرت كوهين، في نظريته عن ""الثقافة الفرعية الإجرامية""، أن يشرح تطور عصابات الشباب، لا سيما بأوساط الشباب من الطبقة الدنيا، مؤكدًا أن سلوكهم ناتج عن الإحباط الناجم عن عدم قدرتهم على التعامل مع مختلف أنظمة المجتمع الغربي للطبقة العليا، وفشلهم بتحصيل الهيبة والمكانة الاجتماعية بطرق قانونية. بعد ذلك، يُظهر البعض سلوكًا إجراميًا يعرفون كيفية أدائه من أجل تحقيق المكانة والهيبة الاجتماعية. في نظريته، أكد ألبرت كوهين بشكل خاص على صعوبة تجاوب شباب الطبقة الدنيا مع متطلبات وتوقعات النظام المدرسي، الذي تم تأسيسه واستناده على قيم الطبقة المتوسطة - العليا. الشباب الذين لا يستوفون متطلبات المدرسة، يتسربون من نظام التعليم، وعادة ما يتواصلون مع اشخاص او فئات متورطة بالجريمة ومتساوين في وضعهم. يحاولون معًا التقدم في المجتمع بطرق إجرامية.

إذا أخذنا التفسيرات المختلفة لكل من مارتون وألبرت كوهين، وتفسيرات الآخرين الذين بحثوا في تورط الشباب في الجريمة، يمكننا أن نفهم إلى أي مدى وضع الأطفال والمراهقين العرب، وخاصة الذكور في هذا المجتمع، يعرضهم للخطر ويزيد من احتمالات تورطهم في الجريمة.

يعاني نظام التعليم العربي من نقص في الموارد والاستثمار الحكومي فيه أقل مما هو عليه في المجتمع اليهودي. أدى هذا التمييز المستمر، إلى جانب التحديات المختلفة الموجودة في المجتمع العربي، إلى انخفاض إنجازات الطلاب العرب بشكل ملحوظ عن إنجازات الطلاب اليهود. على سبيل المثال، في عام 2019، حصل أقل من 40٪ من الشباب العربي على شهادة الثانوية العامة (البجروت) التي تخولهم التسجيل في مؤسسات التعليم العالي. في حين يتبين أن إنجازات الإناث أعلى بكثير من إنجازات الذكور. هذه الفجوات في نسب استحقاق شهادات الثانوية العامة بين الذكور والاناث تعني، من بين أمور أخرى، أن عدد الشابات المندمجات في الدراسات الأكاديمية أعلى من الشباب.

إلى جانب نسب استحقاق شهادات الثانوية العامة المنخفضة، تواجه المدارس في المجتمع العربي ظاهرة التسرب، والتي على الرغم من انخفاض نسبتها، لا تزال أعلى بكثير من تلك الموجودة في المجتمع اليهودي. لا يؤثر تسرب الطلاب من نظام التعليم على المتسربين أنفسهم فحسب، بل يؤثر أيضًا على بيئتهم، وعلى نسبة المشاركة في سوق العمل، وعلى اقتصاد الدولة ورفاهية مواطنيها. وقد تؤدي هذه الظاهرة إلى الفقر، وتعاطي المخدرات والانحراف والتورط في الجريمة. وبالتالي، فإن ظاهرة التسرب تؤثر على مستقبل المتسربين ومستقبل المجتمع الذي ينتمون إليه.

من السمات الرئيسية الأخرى للمجتمع العربي، والتي يعود بعضها بلا شك إلى ما سبق ذكره، وبعضها مرتبط بعمليات تمييز بنيوي - مؤسساتي أخرى عانى منها المجتمع العربي لسنوات عديدة، وهي أن نسب البطالة والفقر فيها أعلى بكثير من نسبها في المجتمع اليهودي.

كل هذه العوامل من ارتفاع نسب التسرب، ومعدلات الفقر والبطالة الكبيرة، وتدني التحصيل الدراسي، تزيد من فرص تورط الشباب في الجريمة. في حين يشكل التحصيل التعليمي والنجاح الأكاديمي عاملاً هامًا ومحوريًا في التقدم المجتمعي، بالنسبة للعديد من الشباب العرب، حيث ان إمكانية التقدم المجتمعي والاقتصادي هذه غير موجودة. في حين أن عوامل الخطر الأخرى تميز حياتهم، وتشكل حواجز أمام اندماج الشباب من المجتمع العربي في سوق العمل من أجل تحقيق النجاح الاقتصادي، فيتجهون إلى طرق غير مشروعة لتحقيق النجاح الاقتصادي والوصول إلى الطبقة الوسطى، مثل الانخراط في شركات التي ترتكز على الاحتيال.

هذه العمليات تزداد عقب تأثير الآخرين في بيئة هؤلاء الشباب الذين وجدوا الطريق للثراء الاقتصادي والحراك الاجتماعي، في حين قام البعض بذلك بطرق غير مشروعة من خلال التورط في الجريمة والعنف.

يشكل تطور التنظيمات الإجرامية في المجتمع العربي أرضاً خصبة لتورط الأطفال والشباب في الجريمة. إن تورطهم يمنحهم في أعين أقرانهم، والذين عادة ما ينتمون لمجموعة تدعم الإجرام، كما جادل ألبرت كوهين، مكانة اجتماعية عالية، والتي تتحسن مع ""تقدمهم"" في عالم الجريمة وإلى جانب هذه المكانة الاجتماعية يكتسبون أيضًا نجاحًا اقتصاديًا نتيجة القيام بأدوار مختلفة في هذا العالم.

لذلك، من أجل التعامل مع ظاهرة الجنوح لدى شباب عرب، إلى جانب ضرورة المعالجة الجذرية لعصابات الإجرام في المجتمع، ومنعا لتورط الآخرين في الجريمة، من المهم للغاية الاستثمار في التعليم والتوظيف وتعزيز فرص العمل في المجتمع العربي وتقديم الحلول المناسبة للشباب الذين يجدون صعوبة في دراستهم في المرحلة المدرسية.

كاتبات المقال:

بروفيسور منى خوري - كسابري وهي باحثة ومحاضرة في مدرسة الخدمة والرفاه الاجتماعي بالجامعة العبرية في القدس ونائبة رئيس الجامعة للشأن الاستراتيجي والتنوع

الدكتورة لنا جريس - لولو الحاصلة على لقب ثالت من مدرسة الخدمة والرفاه الاجتماعي بالجامعة العبرية في القدس والمحاضرة بالكلية الاكاديمية هداسا."

بروفيسور منى خوري - كسابري

باحثة ومحاضرة في مدرسة الخدمة والرفاه الاجتماعي بالجامعة العبرية في القدس ونائبة رئيس الجامعة للشأن الاستراتيجي والتنوع

شاركونا رأيكن.م