وقفة عند الخطة الاقتصادية الخماسية للمجتمع العربي (922)

خمس سنوات مضت على صدور قرار الحكومة رقم 922 بشأن الخطة الحكوميّة للنهوض بالمجتمع العربيّ في الدّاخل، ولا تزال الآراء متباينة حول مدى الفائدة التي جناها المواطن العربيّ من تنفيذها.

ولأجلِّ الشّفافية، فإِنَّ كاتب هذه السّطور كان من أوائل المطّلعين من المجتمع العربيّ على التّقرير الّذي أعدّته وزارة المالية في عام 2015، والّذي استند إليه القرار 922، وكان من أدار الحوار مقابل الوزارات الحكومية لإدخال تحسينات على مسودة الخطة الاقتصاديّة المقترحة، ومنذ ذلك الحين يرافق اللّجنة القطريّة لرؤساء السّلطات المحليّة العربيّة في مراقبة تنفيذ القرار الحكوميّ ومتابعة احتياجات المجتمع العربيّ وعرضها على المكاتب الحكوميّة.

لا شك أنّ النّقاش الدّائر حول الفوائد المستمدة من تنفيذ القرار 922، المشاريع والمجالات الواردة فيه هو أمرٌ مشروع، لا بل ضروري. ولكن باعتقادي فأن المواقف المختلفة يجب لها أنّ تستند إلى المعطيات والحقائق، كما أنَّ تقييم مدى نجاعة الخطة أو إخفاقها لا ينبغي أنّ يكون عن طريق تقييم مدى التّطور الّذي طرأ على المواطن العربيّ في كافة مناحي الحياة، وإنما تقييم هذا التّطور في المجالات الّتي جاءت الخطة لتعالجها، لأنه ومنذ البداية أشرنا أنَّ القرار الحكوميّ 922 هو ليس بمثابة تحقيق مبتغى الأقليّة العربيّة في المساواة والعدالة الاجتماعيّة، إنما هو خطوة أولى في طريق طويلة وشائكة، ولكن قد تكون الخطوة الأخيرة إذا ما تخلّينا كمجتمع عن مواصلة النّضال بشتى الوسائل في سبيل إحقاق حقوقنا المدنيّة والسّياسية.

منذ قيام الدّولة عكفت حكومات إسرائيل المتعاقبة على ممارسة سياسة التّمييز بحق الأقلية العربيّة بكافة مناحي الحياة، مما أدى إلى فجوات ساحقة بين المواطنين العرب واليهود في مستوى الخدمات والبنى التّحتية، والانخراط بسوق العمل والمعاهد الأكاديميّة ومستوى المعيشة وغيرها. ولعلّ الصّراع على الاستياء على الأراضي كان أكثر الصّراعات تأثيرًا على عدم تطور البلدات العربيّة وانحصارها في مسطحات ضيقة حدت من تطويرها وتوفير المأوى لسكانها.

وهنا يسأل السّائل ما هي الدّوافع الّتي حَمَّلْت رئيس الحكومة نتنياهو إقرار خطة لرصد ميزانيات غير مسبوقة للمجتمع العربيّ، في الوقت الّذي حرض عليه وعلى قيادته صباح مساء؟

لم يكن رئيس الحكومة نتنياهو هو الّذي بادر إلى إقرار خطة اقتصاديّة للمجتمع العربيّ، على العكس تمامًا، ففي اللّقاء الأوّل له مع ممثلي اللّجنة القطريّة في تموز 2015 بدا لنا جليًا مدى العداء الّذي يحمله اتجاه المواطنين العرب، وعدم اقتناعه بضرورة العمل لتحسين ظروف معيشتهم ومحاولة مقارنة الظّروف المعيشيّة لهم مع العرب في سوريا وغزة والسّلطة الوطنيّة، مما أدى إلى استياء الحاضرين حتى من موظفي الحكومة الذين حضروا هذا اللّقاء. لذا فإِنَّ الخطاب الحاضن الّذي يحمله اليوم عشيّة الانتخابات والتّلويح الدّائم بأَنَّ حكومته استثمرت 15 مليار شيكل في البلدات العربيّة، ما هو إلّا محاولة لإخماد الصّوت العربيّ الّذي منع منه تأليف حكومة يمين تلبي احتياجاته الشّخصية، وتجهز بالكامل لعملية سياسيّة على الصّعيد الإقليمي.

وعليه فإِنَّ قرار الحكومة كان بالرَّغم من حكومة نتنياهو وليس بفضلها، وإِنَّ تعثر تنفيذ أجزاء كبيرة منه هو بسبب العراقيل الّتي اعتمدت الحكومة افتعالها رغم كل محاولاتنا على مدار السّنوات الماضيّة لتفاديها أو إلغائها.

هنالك خمسة دوافع مركزية أدت إلى تبني الحكومة للقرار 922:

1. ظهور قيادة محليّة وقطريّة شابة متمثلة برؤساء سلطات محليّة يتمتعون بقدرات مهنيّة عاليّة، إلى جانب تأسيس القائمة المشتركة وانتخاب قيادة وضعت نصب أعينها تجنيد العمل البرلمانيّ للضغط على الحكومة للبدئ بمسار سد الفجوات مقابل المجتمع اليهودي.

2. الدّافع الاقتصادي: إِنَّ الأبحاث الاقتصادية الّتي أعدتها وزارة الماليّة أظهرت بأنَّ المنتوج القومي للفرد في إسرائيل على المدى البعيد سيتآكل بنسبة 2% سنويًا، إذا ما استمرّت نسبة انخراط المواطنين العرب والمتدينين اليهود في سوق العمل على ما هو عليه في العام 2014، حيث وصلت هذه النسبة لدى الموطنين العرب 54% مقابل 82% لدى المواطنين اليهود.

3. شروط انضمام إسرائيل إلى منظمة ال OECD: أحد الشروط التي وضعتها المنظمة على إسرائيل لانضمامها هو جسر الهواة والفوارق بين مواطنيها، وعليه فإِنَّ الخطة الحكوميّة جاءت أيضًا لتخاطب المنظمة الدّولية أنّ إسرائيل تسير في المسار الصّحيح.

4. ارتفاع أسعار العقار والسّكن في البلاد: انعدام الحلول السّكنية في البلدات العربيّة أدى إلى ارتفاع حاد في الطلب لشراء شقق سكنيّة في البلدات اليهوديّة خاصة بعد إقرار محكمة العدل العليا بإلغاء صلاحيّة لجان القبول في المجمعات السّكنية اليهوديّة الصّغيرة، لذا فإنَّ توفير الأماكن السّكنية داخل البلدات العربيّة كان سيساهم في خفض الأسعار في البلاد عامة.

5. انعدام الدّخل الذّاتي للسلطات المحليّة العربيّة، ألزم الحكومة بزيادة هبات الموازنة بشكل متواصل، مما دفع وزارة الماليّة للبحث عن حلول لتقليص هذه الهبات على المدى البعيد.

وعلى الرَّغم من كل الدوافع المذكورة فإنَّ المسار الّذي أدى إلى إقرار الخطة كان شائكًا بسبب عدم انسجام وزراء الحكومة من اليمين، وفي مقدمتهم نتنياهو مع الإدارة المهنيّة لوزارة الماليّة، وكان على طاقم الرؤساء والنواب الذين رافقوا هذا المسار عقد 71 جلسة مع الجهات المختلفة، وعلى جميع الأصعدة من أجلِّ ضمان أكبر عدد من المواضيع ضمن الخطة في الوقت الّذي عكفت قيادة الحكومة وخاصة من اللّيكود والبيت اليهودي على وضع العراقيل والعقبات للإجهاز على الجهود الّتي بذلت للدفع باتجاه إقرار خطة جديّة.

إذًا فماذا تشمل الخُطَّة الحكوميّة 922؟ وإلى أي مدى حققت أهدافها؟

لن أخوض هنا في كافة التفاصيل، إنما سأستعرض المحاور الأساسيّة للقرار الحكومي لا سيما أنها تشكل 80% من الأهداف، أما باقي المواضيع الّتي تم شملها فلم نرَ منذ البداية أنها جزأً من القرار، لأن الحلول الّتي أُعطيت لم ترتقِ إلى الحد الأدنى من الاحتياجات، إنما فقد تم شملها لغرض إضفاء طابع شمولي على الخطَّة.

• إطار الميزانيّة الّتي رصدت للسنوات الخمس هي ما يعادل 10.5 مليار شيقل، منها 3 مليار شيقل ميزانيات إضافية مخصّصة، ونحو 7.5 مليار شيقل تم إلزام المكاتب الحكوميّة على تخصيصها للبلدات العربيّة من ضمن ميزانياتها الاعتيادية، ولا يمكن اعتبار أنَّ جميعها إضافية إنما ما يعادل 80% منها. (أي أنّ مجمل ما تم إضافته كميزانيات إضافية ضمن القرار هو 8-8.5 مليار شيقل، وهذه هي المعطيات الّتي عرفناها واعتمدناها منذ البداية).

حتى نهايّة العام 2020 قامت الحكومة برصد 8 مليار شيقل من مجمل الميزانيّة، وتم تنفيذ ما يعادل 50% منها.

المحاور الأساسيّة للخطّة 922:

البند

الميزانية المخططة بملايين الشواقل

الميزانيّة المرصودة بملايين الشواقل

أهداف مركزيّة مخطّطة

تنفيذ الأهداف

التخطيط والإسكان

1400

1168

1. تخطيط 200 ألف وحدة سكن.

2. إقامة 128 مبنى عام

3. المصادقة على 43 خارطة هيكلية

4. إقامة 8 لجان محلية للتخطيط والبناء.

5. تسويق قسائم لبناء 20 ألف وحدة سكنية

1. إتمام تخطيط 100 ألف وحدة سكنيّة.

2. انتهاء 30 مبنى، 70 مبنى قيد التنفيذ والبقيّة في مراحل التّخطيط.

3. المصادقة على 20 خارطة، 19 منها تم ايداعها للمصادقة و 4 في طور التّخطيط

4. لم يتم إقامة لجان محلية بسبب عدم جهوزيّة السّلطات المحليّة ولكن هنالك بداية للتنفيذ في طمرة وكفر قرع.

5. تم نشر مناقصات ل 11500 وحدة سكن نجح منها 6500.

بنى تحتيّة للمواصلات

1320

1124

إتمام تنفيذ 69 مشروعًا كبيرًا

تم تنفيذ 26 مشروع و34 في مرحلة التّخطيط

المواصلات العامة

500

330

زيادة المسافة الّتي تغطيها المواصلات العامة من 42 كم إلى 105 كم، وعدد السّفرات الأسبوعيّة من 35 ألف إلى 80 ألف

ارتفعت المسافة في العام 2019 إلى 73 كم

وتم ارتفاع عدد السّفرات إلى نحو 65 ألف سفرة.

التّعليم

315

303

1. بناء خطّة لتحسين أداء المعلمين لرفع نسبة النّجاح في البجروت الّتي تتيح الدخول للجامعات من 40% الى 62%

2. خفض نسبة الرّسوب من 5.5% إلى 3% .

3. زيادة التّحصيل في امتحانين PISA) )

1. رفع نسبة النّجاح في البجروت الّتي تتيح الدّخول للجامعات من 40% إلى 54.5%

2. خفض نسبة الرّسوب من 5.5% الى 3.5% .

3. لم تطرأ زيادة ملحوظة على التّحصيل في امتحانين (PISA)

التّعليم اللامنهجي

650

650

1. إتاحة أُطر تعليميّة وتثقيفيّة ل 90 ألف طالب سنويًا

2. تمويل 17 مركزًا جماهيريًا جديدًا

1. في العام 2019 بلغ عدد المشاركين 70 ألف طالب

2. تم اِفتتاح كافة المراكز الجديدة

السّلطات المحليّة

1410

1410

1. إقامة أكثر من 300 مشروع تطوير بقيمة 800 مليون شيقل

2. تطوير اقتصادي وإداري ل 16 سلطةً محليةً بقيمة 360 مليون شيقل

3. دعم منظومات الطّوارئ 50 مليون شيقل

4. دعم الميزانيّة العاديّة ب 200 مليون شيقل

1. تم تنقيذ أكثر من 70% من المشاريع.

2. تم تنفيذ ما يعادل 50% من المشاريع والبقيّة تحت التّنفيذ.

3. تم التنفيذ

4. تم التنفيذ

إنَّ تقييم تنفيذ المشاريع المختلفة يجب أنّ يأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:

• رصد الميزانيات لم يكن في بداية السنة 2016 إنما على مدار ال 5 سنوات أي لا يمكن اعتبار أنّ المشاريع الّتي لم تنفذ بعد على أنها متعثرة.

• لا يمكن اعتماد الصّرف الفعلي للميزانيّة كمؤشر وحيد على التّقدم في التّنفيذ، فالعديد من المشاريع تم تنفيذها وتنتظر تحويل الميزانيّة للسلطات المحليّة.

• معظم الميزانيات مخصَّصة للتطوير، أي أنّ الوضع الطّبيعي لاستنفاذها هو 4-5 سنوات منذ بداية المشروع وذلك بسبب الزّمن المطلوب للتخطيط والتّرخيص والتّعاقد مع المقاولين والتّنفيذ.

• السّلطات المحليّة لم تكن مهيأة لتنفيذ هذا الكم من المشاريع، وكان ينبغي تعزيز قدراتها بالتّوازي مع تنفيذ الخطَّة.

• هنالك عوائق بنيويّة تم إدخالها بشكل ممنهج عن طريق الحكومة لغرض إعاقة تنفيذها، وكان على السّلطات المحليّة التّصدي لها بشكلٍ دائم.

• عدم الاِستقرار السّياسيّ في الدّولة الّذي أسفر عنه أربع معارك انتخابيّة، وعدم المصادقة على ميزانيّة الدّولة من عامين بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا، كل هذا أثر بشكل ملحوظ على وتيرة إنجاز المشاريع.

ويكمن التّغيير المهم الّذي أجراه القرار الحكوميّ رقم 922 في التعامل بين ممثلي المجتمع العربيّ والمستويات المهنيّة في الوزارات الحكوميّة بشكل عام ووزارة الماليّة بشكل خاص. حيث كان للحوار الّذي سبق إقرار القرار 922، ""فتح قنوات أخرى لعرض المطالب الّتي لم تشملها الخطّة الاقتصاديّة"". فعلى سبيل المثال تم زيادة هبات وزارة الدّاخلية منذ العام 2017 من 800 مليون سنويًا إلى 1100 مليون سنويًا. وتم زيادة الميزانيّة للتربيّة والتّعليم من 1800 مليون سنويًا إلى نحو 2800 مليون سنويًا، وهذه الميزانيات لم تكن جزءًا من القرار 922، إنما تم تحصيلها بسبب تحسين الأداء الجماعي لممثلي السّلطات المحليّة والقائمة المشتركة والجمعيات الأهلية مقابل مؤسسات الحكومة. والأهم من ذلك، فإِنّ هذا الحوار جعل أمر إقرار خطّة مكملة للأعوام 2022-2026 أمرًا مفهومًا ضمنًا، وقد تم اتخاذ قرار حكومي بهذا الصّدَد في نهاية العام الماضي ونحن اليوم في صدد إعدادها.

إذا ما قمنا بتحليل تنفيذ الخطّة الحكوميّة أخذين بعين الاعتبار كافة العوامل أعلاه، ومقارنته مع تنفيذ خطط حكوميّة أخرى سنصل إلى نتيجة وتيرة التنفيذ تكون طبيعية للغاية، وليس هنالك أي داعٍ لإثارة البلبلة وتراشق الاتهامات، ولكن هنالك حاجة ماسة لتقييم آليات العمل لتفادي الوقوع بأخطاء، والعمل على بلورة خطة أكثر ملائمة لاحتياجاتنا وتطلعاتنا.

علاء غنطوس

المستشار الاقتصادي للجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية

شاركونا رأيكن.م