دور الأهل في تطوير المهارات العاطفية والاجتماعية لدى الأطفال

الأطفال هم هبة وعطاء وهم النعمة التي وهبها الله لنا، وهم أمانة علينا أن نرعاها حق رعايتها. هم استمرارية الحياة وجيل المستقبل، ما نغرسه فيهم في الصغر نجنيه منهم، نربيهم على القيم والمبادئ، ونثري بيئتهم بالمعرفة والمفاهيم لاكتساب التعلم واللغة، الحركة والتطور العاطفي والاجتماعي، وهذا يساهم بشكل لا يمكن لأحد أن يجادل فيه في صقل شخصياتهم وتشكيل ملامحهم النفسية والسلوكية، فالأطفال يولدون صفحة بيضاء ينقشها الآباء والأمهات، ثم يتعلمون مجموعة من الأشياء التي يكونون منها لغة يعرفون بها العالم الخارجي، ثم ما يلبث الأطفال أن يكتشفوا وجود الآخرين حولهم باختلافهم، وما تعلموه من المفاهيم والقيم والأخلاق والعادات والطبائع والأساليب التي يتعاملون بها مع الآخرين، من هنا تأتي أهمية التربية السليمة التي تبدأ منذ الولادة، فتربية الأطفال مسؤولية عظيمة وحساسة للغاية وخاصة في زماننا هذا لكثرة المتغيرات والأحداث السريعة وانفتاح العالم وتغير المفاهيم.

 

مرافقة الأبناء وتطوير المهارات العاطفية الاجتماعية مفتاح النجاح في الحياة

يمر الإنسان بتغيرات ومراحل عديدة خلال حياته، لذلك فهو يحتاج إلى مهارات وأساليب تساعده على تجاوز تلك المراحل، والخروج منها بمخزون إيجابي للاستمرار بسلام وحصانة. وتعد الأسرة والمدرسة من أهم المراحل التي يكتسب منها الفرد المهارات الحياتية المختلفة، التي تنمي شخصيته، وتعده للحياة الاجتماعية وتبايناتها، ويمكن اكتساب تلك المهارات من خلال عدة طرق، منها ما يكون بطريقة غير مقصودة، ومنها ما يكون بطريقة مقصودة ومدروسة للحصول على مهارات محددة، كبرامج التعلم الاجتماعي والعاطفي Social Emotional Learning (SEL).

للتعلم العاطفي والاجتماعي أهمية كبيرة حيث يساهم في تنمية العديد من المهارات الضرورية لنجاح الابناء في حياتهم الحالية والمستقبلية. والمقصود هو مجموعة مهارات وكفاءات غير معرفية في الجوانب الشخصية والانفعالية والاجتماعية والتي تؤثر في قدرة الفرد على مواجهة المطالب والضغوط البيئية، وهو عامل مهم لتحديد قدرة الفرد على النجاح في الحياة.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن نسبة نجاح الطفل الذي يتمتع بذكاء عاطفي (EQ) أكبر بكثير مقارنة بالطفل الذي يتمتع بذكاء معرفي (IQ) بدون الذكاء العاطفي، حيث أن الأطفال الأذكياء عاطفيا يصلون إلى مراتب متقدمة من النجاح على الصعيد الشخصي والمهني، في حين حافظ الآخرون الذين لا يمتلكون الذكاء العاطفي على مستويات عادية من النجاح، فالدراسات تثبت أن الكفاءات العاطفية تحمل ضعفي الأهمية التي تحملها الكفاءات الإدراكية والمعرفية عند القيام بالأعمال المتنوعة.

القادة والمديرون، الأطباء وأصحاب القرارات الذين يتمتعون بالذكاء العاطفي فاعلون وناجحون ومحبوبون أكثر ممن ينخفض لديهم الذكاء العاطفي.

فالذكاء العاطفي يخدمنا في التعرف إلى مشاعرنا الذاتية ومشاعر الاخرين لنكون أكثر تحكما في انفعالاتنا، والمحافظة على التوازن والحصانة النفسية، كما إقامة علاقات اجتماعية أفضل مع المحيطين لنا.

والذكاء العاطفي يهيئ الظروف للحصول على السعادة الشخصية، حيث يعد الأشخاص الموظفون السعيدون كنزا ثمينا، فهم يعملون بشغف ونشاط ويقدمون أفضل ما عندهم ويعدون بشكل عام أكثر كفاءة وفعالية. كالمعلمين.

كما أشرت سابقا فالذكاء العاطفي (الانفعالي) يعدّ عاملا رئيسا للنجاح في المدرسة والبيت والعمل، كما وأن دراسات أخرى تؤكد أن تزايد جرائم العنف والقتل، وارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، وتسرب الطلاب من المدارس يعود إلى تدني مهارات الذكاء الانفعالي لهؤلاء الأفراد.

فالطفل الذي يتم تشجيعه على أن يكون ذكيا اجتماعيا وعاطفيا منذ جيل مبكر سيصبح شخصا واثقا من نفسه وأكثر إدراكا لذاته ومشاعره، يعبر عن نفسه ومشاعره، كما ولديه القدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين وفهم مشاعرهم، وتكوين علاقات اجتماعية، كما أن الطفل الذكي عاطفيا لديه القدرة على إدارة عواطفه وسلوكه وفقا لمتطلبات الموقف، كما تشمل مهارات التعاون مع الآخرين والعمل معهم، والمرونة والابتكار في حل المشكلات، وصناعة القرار، والقدرة على وضع أهداف واضحة ومحددة، حيث اتضح أن التلاميذ المشاركين في برامج التعلم الاجتماعي والعاطفي زادت لديهم هذه المهارات، فهو يُكسبهم القدرة على مواجهة المشكلات الشخصية والاجتماعية.

من الجدير بالذكر أن الذكاء العاطفي هو قدرة نامية قابلة للتطور والتغير، ولا يقتصر على مرحلة عمرية محددة، إلا أن البدء في تعليمها للأطفال في سن مبكرة من خلال التفاعل الاجتماعي بين الطفل ومحيطه يثمر نتائج أفضل في جيل مبكر مما تؤثر بشكل إيجابي على المستقبل، ومن الضروري العمل على تطويرها في كل مرحلة من مراحل تطور الإنسان.

إلى جانب الذكاء العاطفي فيعد التفاعل الاجتماعي أحد أهم جوانب نمو الطفل والتي يكتسب بعضها تلقائيا في سن مبكرة من خلال تفاعله مع أسرته، وعند منح الطفل فرصة للتفاعل الاجتماعي مبكرا، سيكون لديه أساس متين لمهاراته الاجتماعية والقدرة على التصرف بالمواقف المختلفة وتجعله أكثر تعاونا ومحبا للعمل الجماعي وأكثر نجاحا مستقبلا. ومن الطرق التي تنمي المهارات الاجتماعية للطفل تشجيعه على الإدلاء برأيه أمام الآخرين والاستماع إليه وإعطاؤه المجال للتعبير عما يجول في نفسه، تخصيص موعد يومي للعب مع الطفل ومحاورته، تعليمه أساليب التواصل مع الآخرين كالسلام والاستقبال والتوديع، كما أن مشاركة الطفل في أعمال المنزل بما يتناسب مع سنه وقدراته يعزز لديه الإحساس بالمسؤولية ومساعدة الآخرين، أما في المدرسة فمن خلال تشجيعه على المشاركة في الأنشطة اللامنهجية.

يتأثر الذكاء العاطفي بطبيعة الإنسان، وتنشئته، وخبراته التي يكتسبها، لذا تقع على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى مسؤولية التعلم العاطفي للأطفال فكل الأفعال المتبادلة بين الأبوين والطفل لها محتوى عاطفي ضمني ومع تكرار هذه الرسائل يتكون لدى الطفل أساس متين لقدراتهم العاطفية وسلوكهم، وشخصيتهم، وسماتهم وقيمهم.

إشباع فضول الطفل هو إشباع لحاجاته، مما يساعد على التوازن والنمو النفسي والاجتماعي بشكل صحيح، فكل الأسئلة التي يطرحها الطفل على والديه تستحق الرد بأجوبة منطقية وصحيحة بدلا من إحباطه أو إسكاته بأي إجابة عشوائية أو خرافية بعيدة عن الواقع، لأن هذا من شأنه أن يزعزع الثقة بين الطفل ووالديه.

 

كيف ندرك الذكاء العاطفي والاجتماعي لدى الفرد؟

أبرز بوادر الذكاء العاطفي الاجتماعي هو هدوء الذهن وصفاؤه، المرونة في التعامل مع الأمور، العلاقات الاجتماعية التي تبعث الرضا.

الشخص الذي يتمتع بالذكاء العاطفي يكون بارعا في تهدئة جسده وعقله، يرى الأشياء بوضوح وموضوعية حتى في أصعب المواقف. الإنسان الهادئ يصبح أكثر مرونة في التعامل والتصدي لصعوبات الحياة، وينجح في إدارة مشكلات الحياة بسهولة وحكمة وهو قادر على حل المشاكل بطرق منطقية أكثر.

عندما يكون الإنسان لطيفا متوازنا فإنه يدرك كيف يتعامل مع من حوله، ويشعر بالرضا والتمتع من علاقاته الاجتماعية، ويعرف كيف يتعامل مع المواقف الاجتماعية بمنطق وحكمة.

 

كيف ننمي مهارات الذكاء العاطفي والاجتماعي؟ دور الأسرة والمدرسة في تطويرها:

من المهم تطوير المهارات طوال الوقت، مع التأكيد والتدرب عليها خصوصا في السنوات الخمس الأولى والتي من خلالها تصقل شخصية الطفل. التدرب على معرفة الذات والمشاعر والأحاسيس الداخلية، وقبولها والمقدرة على التعامل معها، بالإضافة لضبط النفس ومعرفة كيفية التعامل معها عند الغضب والخوف والقدرة على التفكير السليم. التعرف على شخصية الطرف الآخر ومحاولة التفكير بفكره والشعور بمشاعره، وامتلاك المهارات الاجتماعية التي تمكن من حل مشكلاته.

 

كيف نترجم ذلك في الواقع؟

أولا، الوعي الذاتي والشعوري- يدرك الطفل خلال سنواته الأولى مشاعره ويعي وجودها، ومع التطور يعي بأنه كائن مستقل له مشاعره وأفكاره، معتقداته ورغباته، وهذا يدفعه ليكون مرنا ويتعامل بوعي مع مشاعره عندما يفهمها ويترجمها لنفسه.
ثانيا، إدارة المشاعر، الشخص الذكي عاطفيا ينجح بإدارة مشاعره وفق ما هو مناسب له، ولا يسمح للمشاعر السلبية مثل العصبية والغضب والخوف بالسيطرة عليه.
ثالثا؛ الدافعية والتحفيز، فالشخص الذكي عاطفيا يمتلك مرجعية لتحفيز نفسه ويتمتع بأفكار إيجابية ومنطقية.
رابعا، فهم مشاعر الآخرين، يميل الشخص الذكي عاطفيا واجتماعيا إلى فهم وإدراك مشاعر الآخرين، يصغي لمشاعره ويعمل ما فيه خدمة للطرفين.
خامسا، إدارة العلاقات فهو يعي كيف يتعامل مع الآخرين وينجح في إدارة علاقاته مع المحيطين بحكمة.

 

بعض النصائح لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال:

  • تدريب الطفل على التركيز والتواصل مع جسده، مشاعره وأفكاره، كأن نقول له أغمض عينيك، وتنفس بعمق، شهيق زفير، اصغ لنفسك...

  • تدريب الطفل التعرف على شخصيته والتعامل معها بوعي وإدراك، سواء أكان عصبيا أم حساسا أو سريع الغضب.

  • تدريب الطفل على الإحساس بالآخرين، وتطوير قدرة التعاطف مع الاخرين، والتحلي بالمهارات اللازمة التي تمكنه من حل مشكلاتهم.

  • التنسيق وتنظيم الحلول، ولا بأس من تكرار الحلول؛ لأن التكرار سيؤدي لتعديلها، وإحدى الطرق الفعالة في تعليم الطفل التعامل مع المواقف المختلفة، بأن يقسمها إلى ثلاثة ألوان مثل إشارة المرور؛ الأحمر يقف ويفكر ويضع الاحتمالات، الأصفر التفكير في احتمالات التصرف، الأخضر يختار التصرف الصحيح؛ وبالتالي سوف يتعلم التصرف المقبول والغير مقبول.

  • الاعتماد على القراءة لتنمية الذكاء العاطفي، من خلال تشجيع الطفل على قراءة القصص ذات المغزى، والتي تساعد على استخلاص الحكمة والعبرة.

  • منح الطفل مساحة للتعبير عن مشاعره وآرائه، والإنصات لكل ما يقول، وعدم إهمال ما يقول مهما كان سخيفا، ومحاولة فهم كل ما يقول لأن حرية التعبير تضمن تنمية الذكاء العاطفي.

  • تدريب الطفل على التفاعل والانخراط في المجتمع ومع أبناء جيله، كأن يتم تسجيله في الأندية الرياضية أو الاشتراك في الأنشطة والدورات المختلفة مما تساهم في فهم الدوائر الاجتماعية وبناء العلاقات وتحسين المقدرة على إدارة الخلافات وحل المشاكل.

 

سلوكيات قد تعرقل من تطور الذكاء العاطفي:

  • •عدم الإصغاء والتواصل مع عالم الطفل، وعدم إتاحة المجال أمام الطفل للتعبير عن نفسه ومشاعره أو أفكاره وتساؤلاته، عدم الاهتمام بأحاديث الطفل أو عدم التواصل البصري معه (كان يستمر الوالدان في التصفح في شبكات التواصل، أو الاستمرار في التمعن في البرامج التلفزيونية وغيرها من السلوكيات).

  • الاستخفاف بالمشاعر او المبالغة- قد يميل الوالدين إلى الاستخفاف والتهوين بمشاعر الطفل أو إنكارها، مثلا لا يوجد شيء مخيف، ممنوع الخوف، أو يغضب الطفل لفقدانه لعبته الخاصة فيكون ردة فعل الأهل لماذا تتصرف بعدوانية؟ ففقدانك للعبتك لا يستحق أن تغضب هكذا، ففي هذا الموقف تقع على الأهل مسؤولية الإصغاء لمشاعر الطفل وترجمتها لكلمات وإعطائها الشرعية وإبداء التعاطف وعدم إعطاء الحكم والمواعظ. المبالغة مثلا إن سقط الطفل على الأرض فتكون ردة فعل الأهل هستيرية مما يجعل الطفل يميل إلى تضخيم الأمور بشكل يبعده عن التوازن والمنطق في التعامل.

  • الحفر في الأسئلة والتحقيق مع الطفل كالمتهم، غالبا يحتاج الطفل إلى الاحتواء والتعاطف عندما يكون حزينا أو عصبيا ولا يحتاج لاستجوابه بأسئلة خانقة.

  • تقديم النصائح والحلول، من الضروري أن نساعد أطفالنا لتطوير مهارة التحليل والربط للوصول إلى النتيجة وهذا يتعطل حين يميل الأهل إلى إعطاء النصائح والحلول مباشرة، فضرورة إتاحة المجال للأبناء للتفكير والإبداع ويسأل نفسه ويكتشف النتيجة بنفسه عوضا عن أسلوب التلقين فبهذه الطريقة يكون الطفل شخصية ذكية واثقة وقادرة على التفكير وإيجاد الحلول.

  • تذنيب الطفل واتهامه.

  • مقارنة الطفل بغيره من إخوته أو أقاربه أو أصدقائه.

  • المشاحنات المستمرة داخل البيت والخلافات التي تبث عدم الاستقرار والخوف المستمر.

 

في الختام

الأطفال نعمة الحياة وأمانة وهدية من الرحمن، وجودهم في الحياة هو الرزق الحقيقي وهم الإرث الواعد، وهم مصدر السعادة والانجاز، لذا تقع على عاتق كل من الوالدين حين اتخذا إنجاب طفلهما للحياة مسؤولية عظيمة ألا وهي الاعتناء بالطفل حتى آخر نفس، منحه الحب غير المشروط، الحنان والاطمئنان، الاهتمام والاحتواء، التعامل معه وفق قدراته وإمكانياته، منحه الثقة والإيمان بقدرته، والقوة والثقة بالنفس، كما تنظيمه وتنشئته وفق مبادئ وقيم أخلاقية تحميه من أعباء الحياه، المحافظة على توازنه النفسي والعاطفي العقلي والجسدي، توفير الفرص للاختلاط مع المجتمع الخارجي وتكوين علاقات صداقة تساهم في تطوره، اثراء بيئته بالثقافة والمعرفة، فحياة ومستقبل ابنك ونجاحه في الحياة يتوقف على الأسس التي غرستها به وتنشئته.

 


كاتبة المقال: د. سهراب مصري وهي باحثة ومحاضرة في مجال الاستشارة التربوية ومعالجة سلوكية معرفية، أسرية وزوجية.

د. سهراب مصري

محاضرة أكاديمية وباحثة في مجال الاستشارة التربوية، معالجة زوجية أسرية ومعالجة سلوكية معرفية

شاركونا رأيكن.م