الإعلام البديل في عصر الإنترنت - أهميته وتأثيراته

عندما قُتل المربي يعقوب أبو القيعان عام 2017 على يد الشرطة عند اقتحامهم لقرية أم الحيران لهدمها، تبنى الإعلام الإسرائيلي التقليدي وبشكل مباشر، رواية وكلمات الشرطة ووزير الأمن الداخلي بوصف المربي ""إرهابيًّا"" و""داعشيًّا""، ولولا توثيقات مصورة من الصحافة البديلة آنذاك، والتفاف الحقوقيين والمواطنين لإظهار الحقيقة ونشر توثيقات في الشبكات الاجتماعية، لما اضطر الإعلام التقليدي إلى التراجع وبث رواية ""الضعفاء"" و""والمهمشين"" بلغتهم.

الإعلام التقليدي (بالمعنى الرسمي المدعوم من المؤسسات الرسمية - في سياق هذه المقالة، للتعريفات المتعددة والدقيقة يمكن الاطلاع على ويكيبيديا Alternative media) بطبيعته متناغم مع السلطة الحاكمة والتيار السائد، يختار، ويحلل، وينتج ويبث المعلومات المقبولة على السلطة الحاكمة وأصحاب النفوذ سياسيا واقتصاديا. الإعلام التقليدي قوي من حيث الميزانيات والدعم السياسي الأمر الذي يمكنه من إنتاج برامج باهظة التكاليف القادرة على جذب حواس المواطنين والتأثير على أفكارهم. لهذا يسهل الوصول للإعلام التقليدي فهو متاح ومتوفر كجرائد ومجلات، قنوات تلفزيونية ومحطات راديو، كما ويلائم نفسه باستمرار للإعلام الرقمي المتجدد من صفحات ومجموعات وقنوات على الشبكات الاجتماعية واليوتيوب وغيرها. هذا النوع من الإعلام لديه القدرة على تصميم وإنتاج المعرفة التي تخدم أصحاب النفوذ، ومن هنا مستهلكو هذا النوع من الإعلام يفتقدون غالبا لقدرات التفكير الناقد والتفكير التحليلي ويستهلكون ما يغذيهم به هذا الإعلام.

الصحافة البديلة نشأت في الأساس لتكشف الحقائق التي تخفيها أو تهملها أو تحرفها قنوات الإعلام التقليدية. الصحافة البديلة أيضا نشأت بصور وأشكال موازية التقليدية، كصحف ومجلات مطبوعة، محطات راديو محلية، محطات تلفزيونية، لكن عالم الإنترنت فتح للإعلام البديل أوسع الأبواب للتوسع؛ وذلك لسهولة وإتاحة المنصات والبرامج التي تمكن أصحاب الفكر المختلف لجمع، وإنتاج وعرض المعلومات. في حين أن وسائل الإعلام غير الرقمية (الصحف، والراديو والتلفاز) تحتاج لميزانيات باهظة للاستمرارية، فإن منصات وشبكات الإنترنت تتيح الأمر بتكاليف قليلة نسبيا.

هنالك الكثير من الحالات التي رأينا فيها الإعلام التقليدي يضطر أن يتناول قضايا بسبب انتشارها المكثف بين المواطنين من الإعلام غير التقليدي. فقوة الإعلام البديل ضرورية كقوة مانعة للتضليل الإعلامي والدفاع عن الحقيقة والعدل الاجتماعي. مع ذلك، فمن المهم أيضا أن نعلم أنه ليس كل من يقول إنه إعلام بديل هو حقا قائم على قيم المصداقية والعدل، فهنالك العديد من التضليلات والإشاعات تحت غطاء الإعلام البديل.

هنالك عدة أنواع من الإعلام البديل لا بد لنا أيضا أن نميز بينها. هنالك إعلام مواطن بمعنى أن هنالك أشخاصا عاديين - ليسوا من مهنة الإعلام - يكتبون وينشرون بشكل مستدام كهواة أو مهتمين بقضايا عامة ومتنوعة أو محددة في مجال معين (مثل قضية الشيخ جراح، والحفاظ على البيئة، وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها). هنالك أيضا إعلام بديل مهني من قبل شخص إعلامي متخصص أو مؤسسة متخصصة (مثل فارءه معاي) يهدفون لتزويد المواطنين والمهتمين بصورة بديلة لتلك الرائجة في الإعلام التقليدي.

الرسالة الإعلامية تفاعلية

المدونات (Blogs) تعتبر من أوائل المنصات الرقمية التي مكنت إعلاميين من نشر بدائل مباشرة على الإنترنت دون الحاجة لمعرفة ومهارات تقنية معقدة أو تكاليف باهظة وذلك منذ بدايات الإنترنت منذ أكثر من عشرين عاما. المدونات بطبيعة مبناها الرقمي تمكن أيضا من استقبال ردود فعل مباشرة على صفحة المقالة على النت، الأمر الذي فتح الأبواب أمام الإعلاميين إلى نشر ما لم يستطيعوا نشره في الإعلام التقليدي والتواصل مع جمهور قرائهم بصورة تفاعلية حول المقالة، وهو ما أضاف جانب التفاعل في الإعلام البديل وميزه منذ بدايته عن الإعلام التقليدي الذي تميز بكونه أحادي الاتجاه. ومع مرور الوقت اضطر الإعلام التقليدي في الإنترنت أيضا أن يضيف إمكانية التعليقات على نشراتهم، ولكن بطبيعة الحال بعد المرور بقنوات ""الفلترة"". التفاعل ميزة من الميزات المركزية التي فتحتها الإنترنت، ولكنها أيضا تخضع للتأثيرات البشرية التي تقف خلفها.

الرسالة الإعلامية الذكية

برامج محوسبة ذكية أو ما نعرفه بالذكاء الصناعي (AI- Artificial Intelligence) بدأ بالانتشار وبتسارع في شتى المواقع والبرمجيات التي نستخدمها، والتي بشكل عام تهدف إلى استبدال أعمال بشرية بأخرى محوسبة أوتوماتيكية. هذه البرامج تُطَوَّر على أسس خوارزميات (Algorithms) موجهة من قبل مؤسسات وأشخاص لهم أجندة سياسية واجتماعية، فمن خلال هذه البرمجيات يمكن توجيه رأي الجمهور والتأثير عليهم من خلال الإعلام الرقمي بطرق ذكية وتوجيه رأيهم من خلال تكرار وتكثيف معلومات معينة، وإخفاء أخرى، وإظهار صور ومقاطع فيديو مختارة وغيرها من الطرق والأساليب. إن إنتاج مثل هذه البرامج باهظ الثمن حاليا، ومن هنا فإن إمكانيات الإعلام التقليدي أو أصحاب النفوذ في دمج مثل هذه البرامج أكثر من الإعلام البديل.

التطورات التكنولوجيا وبالرغم من وجود الكثير من الفرص والروائع فيها، ففيها الكثير من المخاطر على العدل الاجتماعي والحريات، وخاصة في حالة عدم وجود موارد ومهارات عالية لدى الأفراد والمجتمعات.

الإعلام والقدرات الست

في ظل عالم متشابك أكثر، ومركب أكثر، وضبابي أكثر، وذكاء صناعي منتشر، لا يمكن أن نحقق إنسانيتنا، وقيمنا ورسالتنا بمهارات وقدرات عادية وأساسية، فالحاجة أكثر من أي وقت مضى لتطوير قدرات وكفاءات متقدمة ومركبة، أسميتها القدرات الست لحياة ذات معنى: تفكير بمستويات عالية وتعلم مستمر (تفكير ناقد، تجديد المعرفة …)، مهارات تكنولوجية رقمية، إدارة موارد (مادية وغير مادية)، حصانة وتوجيه ذاتي (إدارة مشاعر، تحديد القيم…)، تكيف ومرونة (للتغيرات السريعة)، قدرات اجتماعية وثقافية (تواصل، تعاون، تواضع … ). بهذه القدرات يمكن للفرد عند مشاهدة مقطع فيديو أن يتساءل: لماذا ظهر أمامي هذا الفيلم وهذا المقطع بالذات؟ من يقف وراءه؟ ما الهدف منه؟ كيف يؤثر على مشاعري ومواقفي؟ وبهذه القدرات يمكن للأفراد أن يطوروا تعاونا وخطوات عملية لتطوير أنفسهم ومجتمعهم وبيئتهم وألا يكونوا أداة يتداولها أصحاب النفوذ ويوجهونها وفق مصالحهم.

أخيرا، عصر الشبكات عصر الفرص والتحديات الكبيرة

من الممكن للروايات أن تتعدد وتتنافس، ولكن الحقيقة تبقى هي الأقوى، ولكن هذا لا يعني أيضا أن الأغلبية ستساند وتدعم الحقيقة، بل يعني أن أصحاب قيم الإنسانية والعدالة والحريات توجد لهم بدائل وطرق تعاون ومشاركة قوية في عصر الإنترنت أكثر من أي وقت مضى، كما وأنهم يواجهون تحديات مركبة أكثر من أي وقت مضى، ومن هنا الحاجة الماسة لتطوير القدرات الست لدى أنفسنا ومن هم بمسؤوليتنا للنجاة من شبكات العبودية والمشاركة بتطوير شبكات العدالة والحريات.

د. أسماء نادر غنايم

محاضرة وباحثة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومؤسسة ومديرة في مركز InnDigital - للتطوير التكنولوجي في المجتمع والتربية. [email protected]

 

 

شاركونا رأيكن.م