أهمية انخراط الشّباب في العمل الجماهيري والتطوعي

تكمن أهمية العمل الاجتماعي والجماهيري عند فئة الشّباب في تعزيز انخراطهم في المسؤولية المجتمعية وتعزيز روح الانتماء والمشاركة في المجتمع الذي يعيشون فيه. وبمجال عملي في النّشاطات الجماهيرية والتّطوعية لمست هذه الإضافات العظيمة لمشاركة الشّباب فيها، وأهمية هذا النّوع من النّشاط في بناء وصقل الشّخصية وإيجاد أطر ملائمة وبنّاءة لهذه الفئة من المجتمع تكون بديلة عن أطر ونشاطات هدّامة على المستوى الشخصي، وعلى المستوى العام هي نقطة تواصل ما بين فئات المجتمع على اختلافها وتنوعها فيشعر الشّخص أنه جزء من مجتمع أكبر يحمل مسؤوليته كفرد.
الشباب هم الأمل الواعد الذي يحمل راية التّغيير والتّطور وحجر الأساس للمستقبل فإذا كان بناء هذه الفئة صالحًا مسؤولًا كان مستقبل الأمم مشرقًا، وإذا أضعنا هذه الفئة كان المستقبل مجهولًا مظلمًا لأن بالجيل الشّاب تكمن الطاقات العقلية والجسمانية والحماس لأي تغيير.

إن تجربتي في العمل الجماهيري والتّطوعي على مدار سنوات سنحت لي الفرصة لرؤية هذا العطاء عن كثب، على سبيل المثال الحملات التي كنت أحد المنسقين لها في حملات الإغاثة كحملة التبرعات الكبيرة لمخيمات اللجوء السّورية على الحدود الأردنية التي قامت بها جمعية الجليل، وحملة الدّواء والمستلزمات الطبيّة الّتي قمنا بها دعمًا لإخواننا في غزة إبان الحرب عليها في عام 2014 كان للشباب الحصة الأكبر في إنجاح هذه الحملات وجعلها بهذه القوة وهذه الجودة، مما ينبئ بضرورة الاستمرارية والارتقاء بمستوى الّتنمية المستدامة وبناء مستقبل التّنمية المجتمعية الشّاملة، وعندما أقول فئة الشّباب أضيف لذلك أن فئة الأناث قد تعدت أحيانًا كثيرة فئة الذكور.

ولكن هذه الهمّم والطاقات بحاجة إلى رعاية وتوجيه صحيح، ولهذا السّبب علينا أوّلًا إيجاد الإطار المناسب الذي يقوم بالإشراف الدّائم والإرشاد والتوجيه، ومن جهة أخرى إشراك هذه الشّريحة في بناء العمل والتّواصل معهم بشكل مستمر واعطاءهم الحلول والتوجيهات السليمة والوقوف معهم وتشجعيهم.

قال لي أحد المشاركين في مجموعة "حق" الشّبابية التّطوعية التي توليت فيها مهمة الإرشاد وكان أحد برامجها جمع التبرعات والتواصل مع المخيمات السّورية، وبناء برنامج ترفيهي تعليمي وهدايا للأطفال اللاجئين، إن هذا العمل قد جعل منه إنسانًا أخر فشخصيته قبل الدّخول لهذا المجال وشخصيته الّتي بناها الآن مختلفة تمامًا، قد تعلم معنى التّطوع والعطاء وهذا ساعده على صقل شخصيته والتّعامل مع مشكلاته ونقاط ضعفه بشكل أفضل، وقال لي شخصًا أخر أنه تعرف على نقاط قوته وتعرف على مشكلات شعبه ومن حوله وتجاوزها. هذه التّجربة التي تعلموا منها كيفية بناء برنامج تطوعي كامل ورصد الاحتياجات وتقسيم المهام وبناء خطط كاملة لجمع الأموال والتبرعات والتشبيك، والتواصل مع الجهات المحلية والقطرية ومتابعة سيرورة العمل بشكل دائم، هذه الأمور ما كانت لتتحقق لولا وجود الرّوح القيادية لهذه الشّريحة وإيجاد الإطار الذي يحاكي احتياجاتها وقدراتها. وفي كلّ عمل جماهيري وتطوعي كانت هذه الوجوه مألوفة وعضوًا أساسيًا في كلّ عمل وإن دلَّ على شيء فهو يدل على أنَّ هذه الثقافة إذا انتشرت و أصبحت جزءًا من الأهداف لكل مجتمع فهي ستكون أيضًا ثقافة على المستوى الشّخصي وغاية مرتبطة بأهداف الفرد.
إنَّ هذا الحماس والاندفاع وهذه الرّوح القياديّة والطّاقات الإبداعيّة لا يمكن للكبار مهما كان إخلاصهم وعطاؤهم أن يكون أكثر قوة من هذا الشّاب المتحمس والمتعطش لهذا العمل، وبالطبع لا يمكن أن نتخلى عن الخبرات الكبيرة والقيادات بمختلف مجالاتها ولكن من جهة أخرى لا يمكن الاستغناء وإبعاد شريحة الشّباب عن النّهضة الوطنيّة لكل مجتمع.

لقد كان لتجربة الحراك الشبابي الفلسطيني في التصدي لمخطط "برافر" وشل حركة الدّولة الدّور الأكبر في النّضال الشّعبي والذي انتهى بإفشاله، وهذه الثورة ربما كانت مستوحاه من الثّورات التي تحدث في الدّول العربيّة المجاورة. قد أثمرت هذه التّجربة عن دور الحراك الشّبابي في مواجهة مخططات المصادرة والتّشريد الّتي تحاول فرضها مؤسسات الدّولة.
إنّ إيجاد مشاريع خاصة بالشباب وإعطاءهم الثّقة وزمام القيادة وتدريبهم على إدارة الحملات المختلفة، وأن نعطيهم كامل الفرص لنعزّز ثقتهم بنفسهم والتّعبير عن آرائهم له مردود اجتماعي ثقافي كبير وبناء شخصيات قيادية تثق بنفسها وتعطي لوطنها، ومن أروع النّماذج الّتي عايشتها بشكل شخصي مجموعة "حق" 20 طالبًا من الصّف الحادي عشر قمت بإرشادهم على مدار سنتين، قامت المجموعة بأعمال تطوعية محلية وقطرية بل وصلت عبر الحدود أولئك الذين فرضوا شخصياتهم القيادية عبر مشاريعهم الّتي بنوها بأنفسهم دون كلّل أو ضعف، فكانوا كخلية نحل متناغمة ومتجانسة كل يأخذ موقعه ومهمته فقدموا برامج عجز من كان قبلهم من الكبار عملها، ولا أنسى حملات الإغاثة لغزة ومخيمات اللّجوء التي كان للشباب الدّور القيادي المهم في التّواصل والتّشبيك بين البلدان المختلفة وبناء برنامج تطوعي وجمع تبرعات خاصة لكلّ بلدة.
إنَّ العمل التّطوعي وبناء قيادات شبابية قد أخذ حيزًا كبيرًا في شتى الميادين الحياتية في مجتمعنا، وإنَّ حجر الأساس لهذه الأعمال هم أبناء الشّبيبة الذين حظوا باهتمام واسع من قبل القيادات والحكومات المختلفة التي تدرك أنَّ متطلبات المستقبل وبناء الوطن تكمن في تأهيل هذه الشريحة وبناءها في أطر مناسبة، التي تمكنهم من المساهمة في بناء مستقبل التّنمية المجتمعية ونهوض الحضارة الذي لا يمكن أن يقوم إلّا بتحرك همَّم الشّباب وبناء قيادات شبابية على أسس المسؤولية المجتمعية والوطنية، التي من الممكن أن تلبي احتياجات بعض فئات المجتمع بل وأحيانًا في المساهمة في معالجة بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثّقافية.

 


كاتب المقال: توفيق بدارنة، ممرض وموجه مجموعات وناشط اجتماعي وجماهيري

توفيق بدارنة

ممرض وموجه مجموعات وناشط اجتماعي وجماهيري

شاركونا رأيكن.م